الكثير من العمال حاولوا الهرب
شركة مكسيكية كبيرة تستغـــل عمّالها بعيداً عن أعين الحكومــــــــــة
كان ريكاردو مارتينيز، ويوجينيا سانتياغو، في حالة يأس كامل، فقد كانا في مخيم عمال تابع لشركة بيوباركيز دو أوكسدنتي، وكانا ينامان مع عمال زراعيين آخرين ممدّدين إلى جانب بعضهم بعضاً على أرض من الخرسانة الصلبة، وكانت غرفهم تعج بالعقارب و«بق الفراش». وكانت الوجبات التي يتناولونها غير كافية، الأمر الذي يجعلهم في حالة جوع متواصل. وكان المسؤولون عن المخيم يجعلون العمال يصطفون في طوابير طويلة ويوجهون لهم التهديد والوعيد، واذا فشل ذلك في دبّ الرعب في قلوب العمال، فإنهم يلجؤون إلى استخدام قبضاتهم.
وكانت عملية الهروب من هذا الجحيم مغرية، لكنها محفوفة بالمخاطر. وكان المخيّم محاطاً بالأسلاك الشائكة، في حين يقوم قادة المخيم بالمراقبة الوثيقة باستخدام العربات الزراعية. وإذا حاول الرجلان الاختباء خلف البوابات، فإن الحارس المحلي يمكن أن يعتقلهما ويعيدهما، وبعد ذلك ستتم مصادرة حذاءيهما.
وكان مارتينيز (28 عاماً)، وسانتياغو (23 عاماً)، قررا تجريب حظيهما. وكانت شركة بيوباركيز واحدة من أكبر الشركات المصدرة للبندورة في المكسيك، كما أنها مزودة رئيسة لمتجر «وول مارت» وسلسلة من المتاجر الرئيسة. ولكن الظروف في المخيمات الأربعة التابعة لشركة بيوباركيز أصبحت لا تطاق، فقاما بترك حقيبتَي الظهر في غرفتهما كي لا يثيرا الاشتباه، ومشيا إلى خارج البوابة الرئيسة. وعندما اقتربا من الشارع الرئيس، سمعا صوتاً عالياً لإحدى العربات، ومن ثم قفز أربعة من قادة المخيم، ورفع أحدهما عصا ولوّح بها في وجهيهما، وقال بعد أن لاحظ كيساً بلاستيكياً يحوي بعض الملابس ويحمله مارتينيز «أنتما تحاولان الهرب»، فأجاب مارتينيز «أنا أريد المشي لبعض الوقت» فأجابه قائد المخيم «اصعدا إلى السيارة، وإلا سأحطمكما».
اعتقالات
شركة مسؤولة بدأ العمل في هذه الشركة عام 2007 عندما قامت شركة التمويل الدولية، وهي ذراع للبنك الدولي، بتقديم المساعدة في الدول النامية، وعمدت إلى إقراض شركة بيوباركيز 17 مليون دولار لتوسيع عملياتها. وفي عام 2009 قام مركز الإحسان المكسيكي غير الربحي بتكريم بيوباركيز باعتبارها «شركة مسؤولة على الصعيد الاجتماعي»، وقام مراقبون مستقلون لسلامة الغذاء ومفتشون من متجر «ووال مارت» بزيارة البيوت البلاستيكية لشركة بيوباركيز ومنشأة التغليف، وصادقوا على أن الشركة تفي بمتطلبات السلامة على نحو موثوق. |
وفي اليوم التالي، كان مارتينيز وسانتياغو عائدين إلى العمل في حقول البندورة، وعندما افتضح أمر هذه المعاملة السيئة للعمال في المخيم، أخيراً، قامت السلطات المكسيكية ببعض الاعتقالات، وفرضت بعض الغرامات، ووعدت بتحسين وضع الشركة، ولكن بعد مرور نحو عام ونصف العام عادت الشركة إلى وضعها الأول.
وتعتبر بيوباركيز رمزاً لمعجزة المكسيك الزراعية، اذ تمكن مالكها من تحويل المنطقة المحيطة بمدينة سان غابرييل إلى قوة تصدير تتألف من 500 فدان من البيوت البلاستيكية، ومنشأة تغليف ومهبط طائرات.
وتقوم الشركة بزراعة البندورة على نطاق واسع في مزرعة بيوباركيز الضخمة في سان غابرييل، وتمكنت من إرسال نحو ستة ملايين صندوق من البندورة سنوياً إلى الولايات المتحدة، وكان «وول مارت» أحد أكبر مشتري مادة البندورة من بيوباركيز.
وكان العديد من «شركاء» الشركة من السكان الاصليين من هواستيكا، وهي منطقة جبلية تتمتع بحرارة شبه استوائية وفقر مدقع، وتغطي أجزاءً من الولايات المكسيكية الواقعة في وسط البلاد، وهي هيدالغو، وسان لويس بوتوسي وفيراكروز.
8 دولارات يومياً
وكان مارتينيز وسانتياغو من ضمن 100 فلاح على الاقل، تم تجنيدهم في ربيع عام 2013 من قبل أحد متعهدي العمال، لصالح بيوباركيز. ويحصل العمال على 100 بيزو (ثمانية دولارات) يومياً، اضافة إلى الطعام المجاني، وكذلك السكن ورعاية الأطفال.
وبعد رحلة بالحافلة امتدت لـ 550 ميلاً وصل العمال الى بيوباركيز. وكان المنزل المعد لإقامتهم فترة ثلاثة اشهر مقبلة هو مخيم «بيوباركيز 4» التابع للشركة، والذي تتم إدارته من قبل متعهد العمال. وكان «بيوباركيز4» بعيداً وغير ظاهر، وفي نهاية طريق قذرة كانت هناك سلسلة من المباني الحجرية، حيث ينام العمال على فرش ممدودة على الأرض في غرف تبلغ مساحتها 12 قدماً مربعة، وتقيم في الغرفة غالباً عائلتان. وتقوم الأمهات بنسج أسرّة من الحبال لحماية أطفالهن من العقارب. وتندلع الصراعات عادة على استخدام الموقد الذي يعمل بالغاز. ولا يوجد في المخيم أي ملعب أو مدرسة لعشرات الأطفال الموجودين فيه، وبعض هؤلاء الأطفال يلحقون بآبائهم للعمل.
ويأتي هذا الوصف للمخيم بعد اجراء مقابلات مع 13 عاملاً كانوا يعيشون هناك. وأجرت صحيفة «ذي تايمز» مقابلات مع بعض هؤلاء في قراهم في هواستيكا، ومع آخرين عبر الهاتف. وتحدثت الصحيفة مع مفتشي العمال المكسيكيين وموظفي بيوباركيز، وزارت المخيم.
حساء يشبه الماء
في الصباح، يحصل العمال على مشتقات الحبوب، وأما الغداء والعشاء فيتكونان من حساء شبيه بالماء، حيث يتم أحياناً تقديم الفاصولياء والأرز. وفي أحد الأيام ذبح قادة المخيم خنزيراً وأقاموا عليه وليمة، وفي اليوم التالي وجد العمال قطع عظام الخنزير في حسائهم. وظلت هذه المناسبة تذكّرهم بطعم اللحم لأسابيع عدة. ولم يكن الأطفال يطيقون طعم الحساء، لأنه كان مليئاً بالبهارات. ويتوافر الحليب والبيض، ولكن بأسعار مرتفعة من متاجر شركة بيوباركيز، ولذلك كان التفكير بها غير وارد. وفي ذات يوم، طلبت إحدى الأمهات من أحد قادة المخيم أن يقدم لها مزيداً من الحبوب، ويتذكر العامل ريكاردو مارتينيز، الذي كان يقف خلفها في الطابور، ردة فعل الرجل وهو يقول: «قال لها إنها ستحصل فقط على صفعة في وجهها، ومن ثم قام رجل عجوز ووقف أمامه، وقال له لا تضربها اضربني أنا بدلاً منها»، وأضاف مارتينيز أن الرجل طرح العجوز أرضاً ومن ثم ضربه، وقال مارتينيز: «كل ما أرادته هو مزيد من الحبوب، لأن ما كان يقدّم لها غير كافٍ».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news