محمد علي «كلاي» يتصادم مع اليهود رغم صداقته معهـم

تبنّى الملاكم العظيم، محمد علي، الذي وافته المنية يوم الجمعة الماضي عن 74 عاماً، القضايا العربية بعد أن ترك حلبة الملاكمة، وكان كثيراً ما يتصادم ويشتبك مع اليهود، متّهماً الصهاينة بالهيمنة على العالم، على الرغم من أن بعضاً من مؤيديه البارزين ينتمون للمجتمع اليهودي الأميركي. كان معروفاً بخفة حركته في الحلبة وسرعة اندفاعه وقدرته الخارقة على الحاق الهزيمة بالخصم، ويصف نفسه بأنه «يطير كالفراشة ويلسع كالنحلة». ولعل هذه الميزة لازمته ايضاً خارج الحلبة، حيث يتميّز بلسانه اللاسع، وحضور بديهته، ما جعله يتصدر الصفحات الأولى للصحف.

حياته الأسرية

تزوّج محمد علي خلال حياته من أربع نساء، اقترن بزوجته الأولى «سونجي»، التي كانت تعمل نادلة في أحد المطاعم عام 1964، بعد شهر واحد من التقائهما. لم تدم العلاقة طويلاً، وانفصلا في يناير عام 1966، ولم يكن لديهما أطفال.

بعد عام ونصف العام من ذلك التاريخ، تزوج محمد علي بزوجته الثانية «بليندا بويد» في أغسطس 1967، حيث اعتنقت الإسلام وغيرت اسمها إلى خليلة، وأنجبا أربعة أطفال: مريم، جميلة، ورشيدة (توأم) ومحمد علي الابن.

خلال علاقته مع بليندا، بدأ محمد علي يواعد فتاة اسمها «فيرونيكا بورش» في عام 1975، والتي تسببت في انهيار زواجه الثاني عام 1977، ثم تزوج منها في ذلك العام، وكانت حاملاً بالفعل بابنتهما، هناء، ثم أنجبا ابنتهما الثانية، ليلى، في ديسمبر 1977، وانفصلا في عام 1986. ثم تزوج «ليوني» في العام نفسه بعد انتقالهما الى كاليفورنيا، واصبحت ليوني ممرضة كامل الوقت لمحمد علي بعد إصابته بمرض الشلل الرعاش، ويزعم البعض أنها كانت تمارس سيطرة كاملة على كامل حياته، وتحاول بشتى الطرق إبعاد أفراد العائلة غير المرغوب فيهم بعيداً عن حياة أبيهم.

وفي مقابلة مع إحدى الصحف، ذكر محمد علي «الابن» أنه يعيش في غيتو في شيكاغو، مؤكداً للصحيفة عام 2013 أنه أصبح منبوذاً تماماً تقريباً من والده منذ 2004. وتتناقل المصادر أن رحمن علي، وهو نفسه ملاكم محترف سابق واقترن بست زوجات، اضطر للسكن في شقة متواضعة بسبب ممارسات ليوني التي تحاول إبعادهم عن منزل والدته.

أصبح محمد علي رمزاً لتحرير السود خلال ستينات القرن الماضي، ووقف في وجه حكومة الولايات المتحدة ورفض التجنيد في الجيش للانضمام الى حرب فيتنام لأسباب دينية، وأطلق عبارته الشهيرة «ليس لي أي خلاف مع الفيتكونغ، لأنه لم ينعتني أحد من الفيتناميين، في أي وقت مضى، بعبارة زنجي».

اعتنق الإسلام في عام 1964 وغيّر اسمه من كاسيوس كلاي الى محمد علي، وأظهر تعاطفاً واضحاً في ما بعد مع القضية الفلسطينية، وأصبحت اسرائيل والاسرائيليين واليهود هدفاً لعباراته الساخرة، على الرغم من أن العديد من اليهود كانوا من بين مؤيديه والمعجبين به، ما جعل العلاقة معقدة بين هذا الملاكم ويهود العالم.

عدو لليهود نصير للفلسطينيين

بعد عودته المظفرة إلى الحلبة عام 1970، إثر حرمانه من القابه البطولية لمدة 43 شهراً، بسبب رفضه التجنيد للحرب في فيتنام، علق على إمكانية خوض مباراة أخرى مع منافسه التقليدي، جو فريزر، بقوله: «أقول لكل من يتطلع الى هذا اللقاء، إن المعركة آتية، وإن جميع المسوقين اليهود سيشهدون انتصاري فيها».

بعد أن أعلن اعتزاله الملاكمة في 1974، لم يُضِع محمد علي وقتاً في مهاجمة الصهيونية، واحتضانه القضية الفلسطينية. وذكر في تصريح له للصحافيين في العاصمة اللبنانية بيروت، في بداية جولة له في الشرق الأوسط، أن «الولايات المتحدة هي معقل الصهيونية والإمبريالية». وفي زيارة لاحقة له لمخيّمين للاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان، نقلت عنه إحدى وكالات الأنباء قوله: «باسمي وباسم جميع المسلمين في أميركا، نعلن تأييدنا للنضال الفلسطيني من أجل تحرير الوطن وطرد الغزاة الصهاينة».

وفي عام 1980، خلال زيارة له للهند، بهدف الترويج لمقاطعة دورة الالعاب الاولمبية في موسكو، بعد الغزو الروسي لأفغانستان، ذكر أن الصهاينة «هم المسيطرون» على أميركا والعالم. ورداً على سؤال عن رأيه في أزمة الرهائن الأميركيين المحتجزين في ايران، رد قائلاً إن الايرانيين «متعصبون»، لكنه القى باللوم في النهاية على اليهود. ويقول عن ذلك: «الدين ليس سيئاً إنما الناس هم السيئون، كلكم تعرفون أن هيكل السلطة كله في يد اليهود، فهم يسيطرون على أميركا، ويسيطرون على العالم، وهم يعملون ضد الدين الاسلامي، فكلما ارتكب مسلم خطأً ما، يلقي اليهود باللوم على الدين».

وعلى الرغم من هجومه المتكرر على اليهود وإسرائيل، لم يقلل محمد علي من قدر بعض من معجبيه اليهود الأكثر حماسة له، من بينهم نجم هوليوود بيلي كريستال. كما أن المذيع الرياضي هوارد كوسيل، والمولود باسم هوارد كوهين، ربما كان أكبر مدافع يهودي عن محمد علي. وعلى العكس من العديد من معجبيه اليهود الآخرين، كان كوسيل ينادي محمد علي باسمه الإسلامي الجديد، بعد أن كان يدعى كاسيوس كلاي، كما سانده أيضاً في حقه المشروع في استعادة لقب «بطل العالم في الملاكمة»، الذي فقده بسبب رفضه التجنيد في الجيش لحرب فيتنام. وجمعت بين هذا الصحافي اليهودي والبطل المسلم علاقة صداقة قوية، تجلت في المقابلات الصحافية التي تنعقد بعد مباريات الملاكمة، ليتبادلا الانتقادات اللاذعة والمزاح اللاذع، وهذا من شأنه أن يعمل على استقطاب مزيد من المشاهدين.

قال محمد علي خلال زيارة لمخيمين للاجئين الفلسطينيين في لبنان «باسمي وباسم جميع المسلمين في أميركا، نعلن تأييدنا للنضال الفلسطيني من أجل تحرير الوطن وطرد الغزاة الصهاينة».

«خفيف كالفراشة لاسع كالنحلة»

ولد كاسيوس مارسيليوس كلاي جونيور في 17 يناير 1942، في مدينة لويفيل بولاية كنتاكي، اعتنق الإسلام في بداية ستينات القرن الماضي، وغيّر اسمه الى محمد علي – دون اسم كلاي، وهو ابن لعائلة أميركية سوداء من الطبقة المتوسطة، وكان والده ميثودياً، الا أن والدته ربته وأخاه على المذهب المعمداني. فاز ببطولة العالم للوزن الثقيل ثلاث مرات على مدى 20 عاماً في 1964 و1974 و1978، وفي عام 1999 توّج بلقب «رياضي القرن»، وهي جائزة مقدّمة من مجلة «سبورتس ايلاستريتد»، كما حصل على اللقب نفسه بعد استفتاء أقامته صحيفة لاغازيتا ديلو سبورت الإيطالية، بعدما حصد 71.2% من الأصوات متفوقاً على العديد من الرياضيين، ومنهم دييغو مارادونا، كان يصف نفسه بأنه «يطير كالفراشة ويلسع كالنحلة»، وهو صاحب أسرع وأقوى لكمة في العالم، حيث تعادل قوتها نحو 1000 باوند. اعتزل الملاكمة عام 1981 وقد كان عمره 39 عاماً، بعد مسيرة حافلة تضمنت 56 فوزاً، منها 37 بالضربة القاضية، وخمس هزائم، وتوّج باللقب العالمي ثلاث مرات.

الأكثر مشاركة