«الرقابة» توافق على فيلم يحمل هذه الرؤية.. ومؤرّخو الجريمة يطالبون مخرجه بالوثائق
ندوة ترفض إظهار «ريا» و«سكينة» مناضلتين وطنيتين في ثورة 1919
شهدت القاهرة، نهاية الأسبوع الماضي، مؤتمراً صحافياً اقيم بدار الكتب حضره مؤرخ الجريمة، والباحث في وسائل التعذيب د. محمد عبدالوهاب، أعلن فيه تحديه لما سبق وطرحه باحث وكاتب سينمائي، من امتلاكه وثائق تؤكد أن (ريا) و(سكينة) كانتا مناضلتين وطنيتين، ضمن المجموعات السرية التي تواجه الاحتلال قبيل ثورة 1919، وأن جثث القتلى الذين وجدوا في منازلهن ترجع لجنود احتلال، وشدد عبدالوهاب على ان التسريبات المحدودة التي قدمها هذا المؤلف السينمائي مزوّرة، بينما أكد المؤرخ والكاتب الصحافي وصاحب كتاب «رجال ريا وسكينة»، صلاح عيسى، لـ«الإمارات اليوم»، أن إثارة هذه القضية بهذه الصورة مجدداً، جزء من دعاية لفيلم قادم حول سفاحتَي الإسكندرية الشهيرتين، وانه بحكم توثيقه كمؤرخ دخل على القضية من واقع ملفاته، وليس من منظور درامي، يمتلك من الأدلة على (ريا) و(سكينة) ورجالهما ما يؤكد ارتباطهما بقوات الاحتلال، وليس العكس.
وكان الكاتب السينمائي أحمد عاشور قد طرح، أخيراً، منظوراً جديداً لواقعة (ريا وسكينة)، يقول فيها إنهما كانتا ميسورتي الحال، حيث كانتا تعملان بالدعارة المقننة، بما يعني انه كان لديهما دخل عالٍ، بغض النظر عن إدانتنا الاخلاقية لطبيعة هذا العمل، وانهما لم تكونا بحاجة للقتل بهدف المال أو الذهب. وأن السبع عشرة جثة التي تم العثور عليها في منازلهن، كانت لجنود الاحتلال البريطاني وليست لنساء مصريات، بما يعني ارتباط ذلك بموجة النضال الوطني، قبيل وأثناء ثورة 1919. ودلل عاشور على رؤيته بأن (ريا) و(سكينة) كانتا تعيشان في حي اللبان بالاسكندرية، احد معاقل تظاهرات ثورة 1919، والذي كان ضمن الاماكن التي خرجت منها سيدات مصريات للتظاهر، وأرجع عاشور اظهار (ريا) و(سكينة) في صورة سفاحتين يعود الى رغبة السلطات آنئذ في تشويه صورتهن وطمس الحقيقة، وانه بصدد كشف وثائق تعزز من رؤيته، بينما اكدت أنباء صحافية سماح هيئة المصنفات الفنية بتصوير فيلم يحمل هذه الرؤية لعاشور تحت عنوان «براءة ريا وسكينة» من إخراج السوري عبدالقادر الأطرش، بعد حصول الشركة المنتجة للفيلم على حكم لصالحها، حيث رفضت الهيئة في وقت سابق التصريح بحجة تكديره للسلم العام.
وقال عاشور في تصريحات صحافية إنه «درس القضية لمدة 10 سنين، وحصل على الملف الكامل لها من دار المحفوظات، وأجرى حوارات مع أحفاد فتوة منطقة اللبان العرابي حساني، وأحفاد عبدالرازق، وانه توصل الى أن عبدالعال (زوج سكينة) كان يعمل مع القوة المصرية التي تجنّد شباباً مصريين للعمل مع الانجليز، وأن القضية ملفقة لأسباب سياسية».
من جهته، دعا مؤرخ الجريمة المصري د.محمد عبدالوهاب، وصاحب كتاب «قصة ريا وسكينة» في المؤتمر الصحافي، المخرج أحمد عاشور الى مناظرة علنية، حتى يقدم وثائق مقنعة للجمهور تبرئ ساحة (ريا) و(سكينة) بعد 93 عاماً من إعدامهما، ودلل عبدالوهاب - من وجهة نظره - والذي حضر المؤتمر الصحافي، وبصحبته خبير خط مصري زيّف الوثائق القليلة التي قدمها عاشور حتى الآن، حيث قال إنها مولودة بالاسكندرية، بينما هي مولودة بكلح الجبل بأسوان، وإن سنها كانت أقل من 21 عاماً، بحسب ورقة هويتها المقدمة، بينما القانون الذي كان يبيح الاشتغال بالدعارة كان يحظرها في الوقت نفسه على هذه السن، وان هويتها مكتوبة بالخط الديواني غير الشائع وقتئذ، كما اظهرت الوثائق المزعومة، بحسب عبدالوهاب، (ريا) في مكانين مختلفين في وقت واحد، في أحدهما مقبوض عليها بتهمة السرقة من محل بولس جرجس من محافظة الغربية، وفي الثانية وهي موجودة في محافظة الاسكندرية. وختم عبدالوهاب أنه كان يتوقع ظهور المخرج أحمد عاشور في المؤتمر الصحافي معه، وتقديمه الوثائق الخاصة بـ«دورهما الوطني المزعوم»، لكنه لم يفعل.
من جهته، قال الكاتب الصحافي صلاح عيسى لـ«الإمارات اليوم» إن مشكلة قصة (ريا وسكينة) هي أن الجمهور عرفها خلال المدخل الدرامي من اللحظة الاولى، لذا اختلط الدرامي بالواقعي، بدليل ان أول مسرحية تناولت القصة تمت بعد إعدامهما بعام واحد عام 1923، وقامت ببطولتها وقتها الفنانة بديعة مصابني، ثم توالت الاعمال الفنية بعد ذلك، حتى وصلنا الى المسرحية واسعة الانتشار التي مثلتها سهير البابلي وشادية، وفي كل هذه الاعمال كان المنظور الفني الذي يختاره صاحبه يتداخل مع ما حدث فعلاً، لذا أتفهم ان يبحث مخرج جديد عن منظور جديد للواقعة، لكن المشكلة ان ذلك يجب ألا يتم على حساب الوقائع».
وقال صلاح عيسى إنه أول من وثق قضية (ريا وسكينة) من خلال الوقائع الحقيقية واوراق الدعوى، وانه لا صحة لمحاولات تحويلهما لى مناضلتين وطنيتين، فالواقعة الوحيدة الموجودة في القضية المرتبطة بالتاريخ الوطني آنذاك، هي ان آخر ضحايا (ريا) و(سكينة) كانت فتاة ليل على علاقة آثمة بجاويش في قوات الاحتلال الانجليزي يدعى (جوردون)، وكان عندما يحضر لقضاء ليالٍ حمراء معها، يحضر معه هدايا مختلفة، كان من بينها خاتم ذهبي منقوش عليه اسمه واسم العاهرة وجد بحوزة (سكينة)، وكان أحد الادلة الموجهة ضدها، وهذه الواقعة لا تشي بشيء أكثر من وضعها الجنائي».
وختم عيسى «على أية حال نحن ننتظر الوثائق المزعومة، وننتظر الفيلم لنقول من زاوية بحثية رأينا فيه، لكن حتى هذه اللحظة أرى هذا الضجيج نوعاً من اللجاج الذي لا طائل من ورائه، خصوصاً اننا نقترب من مرور قرن على الواقعة، وكل شهودها غادروا مسرح الحياة، وبالتالي من غير المحتمل تكشّف حقائق جديدة».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news