فتاة من جنوب السودان زُوجت وأنجبت طفلها وهي لاتزال في سن الطفولة. أرشيفية

آباء بجنوب السودان يزوّجون بناتهم في سن الطفولة

عندما أصبحت الفتاة في السادسة من عمرها أبلغها عمها بأنه سيأخذها إلى القرية في دولة جنوب السودان. وشعرت الفتاة بالسعادة الكبيرة من أجل هذه الرحلة إلى مسقط رأس والدها، الذي توفي عندما كانت في العاشرة من عمرها. بيد أنها لم تفهم أنه في جنوب السودان، تحمل عبارة «سآخذك إلى القرية» معنى آخر مفاده أنها يجب أن تتزوج، رغماً عن إرادتها، بعجوز لم تلتقِ به طوال حياتها. وأنها ستكون الأحدث من بين زوجاته الست. وقالت الفتاة «عمي كان بحاجة إلى مزيد من البقر».

وعادة ما يتم تربية الفتيات في هذه الدولة التي تعتبر الأشد فقراً في العالم، من أجل هدف وحيد يتمثل في تزويجهن بأي شخص مقابل بضعة رؤوس من البقر، بهدف زيادة حجم قطيع أبقار العائلة، الذي يعتبر بالنسبة لهذه العائلات أمراً شبيهاً بالرصيد في المصروفات بالمجتمعات المتطورة، اضافة إلى جلب زوجات جديدات للرجال من العائلة. وبالنظر إلى الفائدة المالية لتزويج الابنة بأسرع وقت ممكن، فإن معظم هؤلاء الزوجات يكن غالباً من الأطفال.

انتهاك حقوق الإنسان

وجهت الأمم المتحدة، التي تقول إن جنوب السودان تأتي في المرتبة الخامسة عالمياً من حيث انتشار زواج الأطفال، انتقادات قوية ضد هذه الممارسة، ووصفتها بأنها انتهاك لحقوق الإنسان، كما أنها تشكل عائقاً خطيراً أمام التعلم وسبباً رئيساً لاستمرارية الفقر، إلا أن المحاولات المتكررة للقضاء على هذه الممارسة باءت بالفشل، لأنه بموجب القانون العرفي (أي العادة) في هذه الدولة، للنساء حقوق أقل من الرجال. وواجه قانون منع تزويج الفتيات قبل سن 18 عاماً مقاومة شديدة في العديد من المجتمعات الإفريقية، لأنه يطالب العائلات المعدمة في المناطق الريفية بأن تعرض أهم سلعة لديها للخطر: وهي فتيات العائلة.

يراوح «ثمن» الزوجة بين 20 و40 رأساً من البقر أي ما يعادل 500 دولار للبقرة الواحدة.

وجلب استقلال جنوب السودان الذي حدث عام 2011 عن دولة السودان، معه الكثير من الآمال بالازدهار، ونهاية للحرب الأهلية، وتأمين الحقوق الأساسية لسكان الدولة البالغ تعدادهم نحو 11.3 مليون شخص، ولكن لم يحدث شيء من كل ذلك، اذ إن موجة من أعمال القتل والاغتصاب رافقت أعمال القتال التي اندلعت أخيراً، وبقي معظم سكان الدولة يرزحون تحت الفقر الشديد، وعلى الرغم من أن برلمان جنوب السودان أصدر قانوناً قبل الاستقلال في عام 2008 يحد من سن زواج الطفلات، وحدد الحد الأدنى لزواج المرأة بـ18 عاماً، بيد أنه نادراً ما يتم تطبيق هذا القانون خصوصاً في المناطق الريفية والنائية.

وتبقى الفتيات الصغار في هذه الدولة التي تعاني المتاعب، بمثابة سلعة للزواج كما كانت الحال منذ القدم.

ويتزوج 17% من الفتيات في جنوب السودان قبل سن 15، في حين أن 25% منهن يتزوجن في الفترة ما بين 15 إلى 17، حسب آخر احصاء حكومي تم عام 2010. ويعتقد أن أغلبية هذه الزيجات تقوم بها العائلات من أجل مبادلة بناتها بالبقر. ويراوح «ثمن» الزوجة بين 20 و40 رأساً من البقر، أي ما يعادل 500 دولار للبقرة الواحدة، ويمكن أن تساوي الفتاة الجميلة الولودة، والقادمة من مكانة اجتماعية جيدة، نحو 200 بقرة.

وحالما يتم أخذ الفتاة المتزوجة إلى قرية زوجها فمن غير الممكن رجوعها مطلقاً، فالمدارس فارغة، حيث تغادر الصديقات والشقيقات بصورة مفاجئة. وعادة ما تقوم هؤلاء الفتيات بإحضار الماء وجمع الحطب، والمسح والتنظيف والغسيل والطبخ، وولادة الأطفال والعمل طوال حياتهن.

وعندما أبلغت الفتاة كيجي من قبل والدها أنه سيزوجها برجل في الـ70 من عمره رفضت لأنها كانت تريد غيره، ولكن من أحبته لا يملك البقر. وقالت لوالدها «اذا أردت قتلي فاقتلني، ولكن لن اتزوج هذا الرجل العجوز» فقام بضربها. لكن شقيقها كان أكثر عنفاً اذ حمل سكينة وذبحها، غير انها لم تمت إذ تم انقاذها في المستشفى، ولايزال الجرح في رقبتها بعمق سنتيمترين تقريباً. ولم يتعرض الأخ ولا الوالد للمساءلة لما أصاب كيجي التي حاولت الهرب إلى العاصمة جوبا التي تبعد عن قريتها تركاكا على نهر النيل، نحو 53 ميلاً أو ثلاث ساعات في السيارة على الطرق القذرة والوعرة، ولكن شقيقها شاهدها وأعادها إلى البيت، وهي الآن في الـ19 من العمر، وتتوقع أن يتم تزويجها في أي وقت برجل عجوز، وتقول «أنا ضعيفة وليس هناك أي مكان يمكن أن أذهب إليه، ولا أستطيع عمل أي شيء».

ولفهم كيفية تقييم النساء في جنوب السودان، علينا إعادة النظر في قصة الطفلة البالغ عمرها 12 عاماً التي قتلها فرس النهر، عند المستنقعات قبل بضع سنوات. وإثر الحادث وصل توماس باوم، 40 عاماً، الذي يعمل في قيادة قارب في شرق بلدة نايال الى مكان الحادث، وقال «لقد صدمت بهذا الحادث ولم أتمكن من الحديث»، ولم تكن مأساة مقتل الفتاة نتيجة حقيقة وفاتها، وإنما نتيجة الوضع المحزن الذي يشرح سببه باوم، فيقول «خسرنا تلك الفتاة التي كان يمكن أن نزوجها مقابل قطيع من البقر بعد مرور ثلاث سنوات».

ويتم تحديد «ثمن» الفتاة من البقر بعد التفاوض بين والدها والرجل الذي سيكون زوجها. ويتم تزويج العديد من الفتيات برجال كبار في السن لأنهم يملكون الكثير من البقر. وعندما تتزوج الفتاة يتوقع منها أن تعمل وتلد الأطفال، خصوصاً الفتيات اللواتي يعتبرن ثروة من أجل الحصول على مزيد من البقر، اضافة الى طاعة زوجها وإلا تعرضت للضرب.

وراقبت ايكلاس انور شقيقتها سميا، وهي تعاني زواجها التعيس، بعد أن تم إرسالها إلى قرية زوجها، وكانت تروي قصتها وهي تجلس تحت ظل شجرة في قرية تركاكا، بينما كان الدجاج والأطفال يتجولون في المكان. وكانت سميا قد رجت والدها ألا يزوجها لرجل مسن أتى طالباً يدها، ولكن الرجل قدم مهراً لها 30 بقرة، الأمر الذي لم يترك مجالاً للتفكير في طلبه. وقالت أنور «لم تقل أمي شيئاً ولكن تعابير وجهها كانت تشي بأنها في حالة حزن شديد، ولكنها لا تملك أي رأي، وكامرأة لا يمكنها فعل أي شيء، فقط كانت تبدو متعبة ومنهكة».

وهربت سميا عائدة إلى منزل عائلتها التي سارعت بإعادتها إلى زوجها. وقالت أنور «لا يمكن إعادة البقرات مطلقاً»، ولكونها كانت مصممة على تجنب الوقوع فيما تعرضت له شقيقتها، اكتشفت أنور الطريقة التي تمكنها من تجنب هذا المصير، حيث تمكنت من العثور على رجل يتزوجها ويقدم لأبيها 12 بقرة، وهو ما يكفي لإرضاء والدها، وعلى الرغم من أنها وصلت إلى سن 23 إلا أنها تتمنى لو أنها أكملت دراستها بدلاً من الزواج، وهي تدرك أنها تواجه حياة شاقة طوال العمر.

الأكثر مشاركة