بعد ترحيلهم منها وحرمانهم من الصيد فيها
المحميات الطبيعية نقمة على الســــكان المحليين ونعمة على حكوماتهم
اكتشفت المروحية التابعة لشرطة بتسوانا أحد السكان المحليين، المدعو تشودانيستوسو سيسانا، وأصدقاءه في فترة ما بعد الظهر، بينما كان وأصدقاؤه من قبيلة البوشمان أو «سان» يقومون بصيد غزال لإطعام عائلاتهم، فاتجهت المروحية نحوهم. وبعد ذلك سُمع دوي طلقات الرصاص في الهواء وألقى الرجال صيدهم على الأرض ولاذوا بالفرار. ولحسن طالعهم لم يُصب أي منهم بأذى، ولكن خلال دقائق وصل جنود مسلحون إلى المكان بسيارة جيب، وتم اعتقال الرجال، وكان عددهم تسعة، وأجبروا على خلع ملابسهم وتعرضوا لضرب مبرح، وتم حبسهم لأيام عدة بتهمة الصيد المحرم في محمية طبيعية.
هذه هي الحياة في القرن الحادي والعشرين في حديقة وسط كالاهاري الفسيحة، وهي منطقة صيد قديمة بالنسبة لقبيلة سان، لكنها أصبحت الان ممنوعة على الأشخاص الذين كتبوا تاريخهم فيها. ووقع الحادث المذكور سابقاً، الشهر الماضي، بعد بضعة أيام من إعلان وزير الحياة البرية في بوتسوانا، تشيكيدي خاما، وهو شقيق رئيس بوتسوانا، إيان خاما، الأوامر بإطلاق النار فوراً على الصيادين غير الشرعيين عند رؤيتهم.
سوء معاملة السكان الأصليين ما حدث في بتسوانا يجري في كل أنحاء العالم، حسب ما تقوله مجموعات متزايدة من الناشطين والأكاديميين وأنصار البيئة، حيث يؤكد هؤلاء أن السكان الأصليين يتعرضون لسوء المعاملة على نحو مرعب، وكل ذلك تحت اسم فلسفة حماية الحياة البرية التي تنطوي على تكاليف إنسانية باهظة. ولإفساح المجال للحياة البرية والسياحة والصناعة، تعمد الحكومات إلى استغلال المحميات الطبيعية ذريعةً لإبعاد أكثر سكان العالم ضعفاً عن أراضيهم وحيواناتهم التي عاشوا معها منذ أجيال عدة. |
ويدّعي خاما أن هذه السياسة، المدعومة من مجموعات حماية البيئة البرية، ستردع الصيد والتجارة غير الشرعية بأنواع الأحياء البرية، التي يُنظر اليها في أوروبا والولايات المتحدة، باعتبارها تشكل كارثة على التنوع البيئي. ولكن ليس هناك أنواع نادرة أو مهددة بالانقراض، مثل الفيلة أو وحيد القرن، في المناطق التي يصيد بها رجال قبيلة سان. ويعتبر إرسال مروحية عسكرية وحراس مدججين بالأسلحة لاعتقال الصيادين، تصعيداً للحرب التي تشنها بوتسوانا منذ سنوات على إحدى المجموعات البشرية، الأكثر ضعفاً وقلة حيلة في العالم.
وخلال العقدين الماضيين، يتعرض أفراد قبيلة سان للطرد من منازلهم، وأراضيهم وثقافتهم بصورة منهجية. وأدت سلسلة من عمليات الإخلاء القاسية إلى تعرض منازل أبناء هذه القبيلة للحرق، في حين تم إغلاق مدارسهم ومراكزهم الصحية، وقطعت عنهم إمدادات المياه. وبات أبناء هذه القبيلة يعيشون الآن على حافة حديقة وسط كالاهاري، حيث يحظر عليهم الصيد أو الدخول إلى الاراضي التي عاشوا فيها بصورة متواصلة منذ قرون عدة. ومع ذلك، تم السماح بفتح أكبر منجم لاستخراج الألماس في العالم داخل هذه الحديقة، والترحيب أيضاً بصيادين أثرياء من خارج الدولة من أجل المباني الحديثة جداً التي تم إنشاؤها. فهل هذا حرص على المحميات الطبيعية، أم شيء آخر يماثل استقواء القوي على الضعيف، واستغلال الأراضي لمصلحة القوي؟
وفي الشهر الماضي تمت إثارة هذه القضية في مؤتمر الاتحاد الدولي للمحميات الطبيعية. وقالت المحققة الخاصة للأمم المتحدة عن حقوق الشعوب الأصلية، تولي كورباس: «أضعف سكان العالم يدفعون ثمناً باهظاً نظير المحميات الطبيعية في هذه الأيام»، ولطالما قامت كورباس بإنذار الأمم المتحدة بشأن تأثيرات المحميات الطبيعية على القبائل الافريقية، في كل من أوغندا وكينيا وناميبيا وبتسوانا وإثيوبيا وجنوب إفريقيا، وكذلك في الأرجنتين، وتشيلي والاكوادور.
وأبلغت تولي كورباس مؤتمر الاتحاد الدولي للمحميات الطبيعية، بأن هذه المحميات ليست لصالح البشر ولا الحياة البرية. وقالت: «يجري تدمير المنازل وحرقها، وطرد السكان بصورة عنيفة. وتواصل المحميات الطبيعية التوسع، في حين أن التهديدات ضدهم تتزايد»، ويجري أيضاً إبعاد سكان القبائل الضعفاء بالقوة من محميات النمور والغابات الهندية. ويتم إجبار أبناء القبائل الضعفاء الذين يتهددهم الانقراض، أمثال قبائل، أوجيك، وسنغوير، وسان، وماساي، وباكا، على الخروج من الغابات بالقوة، وكذلك من سهول الحياة البرية في افريقيا، وفي مناطق تمتد ما بين تايلاند والاكوادور، والكاميرون وبنغلاديش، حيث يجري طرد مجموعات إثنية من ممتلكاتها باسم حماية الحياة البرية. وقالت تولي كورباس: «يحدث هذا في كل أنحاء آسيا وافريقيا. ويمكن أن نتفق مع أهداف المحميات البرية، ولكن اذا كانت المناطق المحمية ستتم إدارتها من قبل شركات المناجم، فما الفائدة من المحميات».
وإضافة إلى ذلك، تقول مجموعات حقوق الانسان، إن حكومات هذه الدول التي توجد فيها هذه القبائل تتواصل مع مجموعات ثرية تهتم بالمحميات الطبيعية، مقرها في الولايات المتحدة وأوروبا، من أجل الحصول على مساعدات بمليارات الجنيهات الاسترلينية، التي تقدمها المصارف الدولية، وحكومات الدول الثرية، ومؤسسات تُعنى بتغير المناخ وحماية الحياة الطبيعية.
وعلى الرغم من تدفق الأموال فإن الحكومات التي تتلقاها لا تلتزم بالقانون الدولي لحماية المجتمعات البشرية. وقالت تولي كورباس لصحيفة الأوبزيرفر: «تحب الحكومات المحميات الطبيعية، لأنها تدر عليها الكثير من المال. وهي تجلب المال من منظمة (غلوبال انفايرونمنت فاسيليت) وأماكن أخرى، ولكن عندما تكون أولى أولوياتك جمع المال عبر المحميات، فإنك ستتخلص من البشر الموجودين في هذه المناطق المحمية، وهذا ما يحدث حالياً».
ومعظم المحميات الوطنية في العالم، البالغ تعدادها 6000، اضافة إلى 100 ألف منطقة محمية أخرى، تمت حمايتها عن طريق طرد أبناء القبائل منها.
ويتم تشكيل مئات المحميات سنوياً، حيث تلتزم الدول بتحقيق هدف الأمم المتحدة المتمثل بجعل 17% من الأرض محميات طبيعية بحلول عام 2020، وبطبيعة الحال فإن تعداد سكان العالم يرتفع. وتقول روزالين دوفي، من جامعة شيفيلد، إن «طرد السكان الأصليين يقل بصورة واضحة، ولكن لايزال هناك الكثير من حالات الطرد بالعنف، خصوصاً في المحميات الوطنية، لكنها قليلة الآن»، مشيرة الى أن «الأمر الأكثر انتشاراً هو إبعاد أبناء القبائل، الأمر الذي يجعل من المستحيل على أي واحد منهم العيش في مناطق محمية».
ويقول رئيس السياسة الاجتماعية في الاتحاد الدولي في المحميات الطبيعية، غونزالو أفيدو، لصحيفة الأوبزيرفر: «لقد تغيرت المحميات كثيراً، إذ إنه من المرجح أكثر ان الحكومات تفضل الان تقييد حقوق البشر، الذين يعيشون في المناطق المحمية، وربما يمنعون الصيد، أو الزراعة، وحتى قطع الأشجار وصيد الأسماك، ويكون أثر ذلك إجبار سكان المنطقة على الرحيل».
ويتفق معه مدير مؤسسة الغابات المطيرة في المملكة المتحدة، ساميون كاونسل، الذي يقول: «الكثير من أعمال المحميات راسخ في ذهن الكثيرين على أنه معادٍ للبشر، إذ إنه نتيجة إنشاء محميات الحياة الطبيعية، تتم الإساءة إلى حياة الآلاف من السكان الأصليين في هذه المحميات».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news