تغير المناخ ينتج جيلاً جديداً من «الزوجـات القاصرات» في موزمبيق ومالاوي
كان الفيضان هو السبب الذي سيجعل السنة الأولى لحياة الطفلة، نتونيا ساندي، في سن المراهقة، هي ذاتها السنة الأولى لها كزوجة، وحتى هذه اللحظة كانت المياه تكتسح حقل والديها في قرية كاشاسو بمنطقة نسانجي في مالاوي، وهم بالكاد يستطيعون تأمين لقمة العيش، وبعد ذلك اضطروا إلى البحث عن قطع صغيرة من الحطب لبيعها.
في عام 2015 أشارت تقديرات صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى أن ثمة 13.5 مليون طفلة سيتزوجن وهن تحت سن 18 عاماً في ذلك العام وحده، بواقع 37 ألف حالة زواج يومياً، بما فيها 4.4 ملايين حالة زواج لطفلات لم يبلغن سن 15 عاماً. التضحية بالابنة لم يكن سكان هذه القرى يملكون الوسيلة لتسجيل التغييرات بصورة علمية أو شعروا بالحاجة إلى فعل ذلك، وكل ما يعرفونه أن المناخ قد تغير، وأنه على الرغم من أنهم كانوا قادرين على إنفاق المال من أجل تعليم بناتهم، إلا أنهم اصبحوا عاجزين عن ذلك الآن، وأن الحل الوحيد لذلك بالنسبة للعديد من الفتيات هو الزواج. وفي بعض الأحيان كان الآباء هم الذين يتخذون القرار، فمن أجل مصلحة العائلة يجب التضحية بالابنة، إذ يتم إخراجها من المدرسة وتزويجها، أي إنقاص واحد من عدد الأفواه التي يجب إطعامها. وفي أحيان أخرى كانت الفتاة هي التي تتخذ القرار وتفرضه على أبويها، وتأمل أن يكون الحل هو قدوم الزوج في أقرب فرصة. 30 أو 40% من زيجات الطفلات في مالاوي، ناجمة عن الفيضانات وحالات الجفاف التي تحدث بسبب تغير المناخ. |
وبناء عليه، عندما أتى شاب وطرق باب البيت طالباً يد نتونيا (13 عاماً) للزواج منها، لم يتردد الوالدان كثيراً، حتى لا يتركهما ويبحث عن ضالته عند آخرين. وتوسلت نتونيا والديها لتغيير رأيهما، إذ إنها كانت صغيرة جداً على الزواج، وهي لا تريد مغادرة البيت وترك والديها، لكن من دون جدوى، وتحدث معها والداها بكل صراحة، موضحين لها أن المناخ قد تغير وأخذ معه كل شيء منهما، ولم يعد هناك ما يكفي من الطعام لسد الرمق، وهما غير قادرين على تأمين طعامها.
وبعد 10 أشهر من الليلة الأولى التي أمضتها مع ذلك الرجل الغريب، أنجبت ابنتها الأولى.
ويحمل كل شخص فكرته الخاصة عن تغير المناخ في هذه البلاد، ويرى البعض أنه منظر مروع لمدن اختفت تحت الأمواج، لكن بالنسبة للمزيد والمزيد من الفتيات في إفريقيا فإن أوضح فكرة لتغير المناخ هي الأطفال الموجودين في أحضانهن، وهن جالسات يراقبن صديقاتهن الذاهبات إلى المدرسة.
وبدأ مشروع تغطية «عرائس الشمس»، الممول من مركز الصحافة الأوروبي، محاولة تقييم الوضع الذي يحذر منه العديد من الخبراء، باعتباره أزمة حقيقية متنامية، متمثلة في ظهور جيل من العرائس الأطفال كنتيجة مباشرة لتغير المناخ.
وعلى امتداد القرى المنتشرة من جنوب مالاوي إلى شرق موزمبيق، يروي آباء العرائس الطفلات مراراً وتكراراً، قصة واحدة ومألوفة. لقد لاحظن في السنوات الأخيرة ارتفاع درجة الحرارة، وأصبح من الصعب توقع سقوط المطر، كما باتت تحدث فيضانات في بعض الأحيان، على الرغم من أنها لم تكن تحدث في السابق، وأما العائلات التي كانت تستطيع إطعام وتعليم أطفال عديدين، قالت إنها تواجه الآن أمراً مستحيلاً.
وفي قرية ناتاكا بمنطقة لاردي التابعة لإقليم نامبولا على شاطئ موزمبيق، تجلس كارلينا نورتينو مع زوجها هوراشيو، على الرمل الجاف الذي كان سابقاً جزءاً من النهر، ولم يكن بالإمكان رؤية منطقة النهر من تلك المنطقة بسبب الجفاف، لكن تم إرسال طائرة صغيرة بلا طيار، تحمل كاميرا، لتحوم فوق المكان لتكشف شبح النهر، وهي عبارة عن خطوط خضراء قاتمة. وتبلغ كارلينا من العمر 15 عاماً، في حين أن زوجها هوراشيو يبلغ 16 عاماً، وتزوجا عندما كان عمرها 13 عاماً، أي بعد عامين من اختفاء النهر بسبب الجفاف، حسب ما تقول، وتضيف كارلينا «أتذكر عندما كنت أرى الصيادين هنا يصطادون السمك، واعتدت أن أبيع السمك، كنت آخذه من الصيادين وأبيعه في القرية، وكان الماء منتشراً في كل مكان. وأتذكر أني كنت أرى هوراشيو مع آخرين من صيادي الأسماك، لكن من دون مطر مات النهر».
واعتادت عائلة كارلينا أن تحصد 20 كيساً من الدقيق، كل منها يزن 50 كيلوغراماً. لكن انخفض هذا المحصول إلى كيسين فقط حالياً، وهي ترى أن السبب هو قلة المطر. ويقول هوراشيو، وهو ينظر إلى المكان الذي كان مجرى النهر: «لن أستطيع صيد السمك مرة ثانية، لأن السمك لم يعد يجد الماء الكافي، والآن أقوم بأعمال الزراعة، وقبل ذلك كان المطر يأتي في سبتمبر ويستمر حتى مارس، لكن الآن يأتي المطر في يناير وفبراير فقط».
حلم لم يتحقق
ولطالما حلمت كارلينا أن تصبح قابلة، إذ كانت المدرسة هي أهم شيء في حياتها، وتقول: «لم تكن رغبتي هي الزواج في هذه السن المبكرة، بل أردت الذهاب إلى المدرسة، لكن تم إرغامي على ذلك من قبل والدي، إذ إن العائلة لم يكن لديها ما يكفي من الطعام لاستمرار العيش، ولذلك وافق والدي على أول من جاء لخطبتي، لأنه لم يكن قادراً على الإنفاق علي من أجل المدرسة»، وأنجبت كارلينا طفلها الأول، وهو صبي، في وقت مبكر من العام الجاري. وكانت هناك متاعب منذ بداية الحمل، إذ إن العائلة لم تكن قادرة على الذهاب إلى المستشفى التي تحوي حاضنات الخدج، ولذلك توفي الطفل. وقالت «أنا متأكدة لو أن أبي وزوجي لم يكونا فقيرين لكان طفلي الآن على قيد الحياة».
وقال والد كارلينا، وهو كارليتوس كاميلو (49 عاماً)، إنه لم يزوج ابنته عن رغبة منه، واعتاد كاميلو كسب عيش عائلته من صيد الأسماك والزراعة، لكن بعد ذلك تغير المناخ، ولم يعد هناك ما يكفي من السمك، وأضاف «لو أني كنت قادراً على الإنفاق على أطفالي لما اضطررت إلى دفع كارلينا إلى الزواج وهي صغيرة السن، عندما أنظر إلى بناتي الأخريات، لقد ترعرعن بصورة طبيعية، وذهبن إلى المدرسة، وتزوجن في سن طبيعية».
وفي عام 2015 أشارت تقديرات صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى أن ثمة 13.5 مليون طفلة سيتزوجن وهن تحت سن 18 عاماً في ذلك العام وحده، بواقع 37 ألف حالة زواج يومياً، بما فيها 4.4 ملايين حالة زواج لطفلات لم يبلغن سن 15 عاماً. وحذر صندوق الطفولة التابع للأمم المتحدة من أنه يمكن في عموم إفريقيا أن تكون حالات الزواج عام 2015 ضعف الرقم المذكور سابقاً، وأن الرقم يمكن أن يبلغ 310 آلاف بحلول عام 2050، إذا استمرت الأوضاع المناخية الحالية.
وثمة إدراك متزايد بقضية الزواج المبكر، كما تبذل الحكومات جهوداً لمعالجتها. وأصدرت مالاوي عام 2015 قانوناً يجرّم الزواج تحت سن 18، وكتبت ذلك في دستورها هذا العام. وبناء عليه يجب أن يتناقص معدل زواج الأطفال، لكن الواقع يقول إنه مستمر في موزمبيق، إذ مازال تعداد الزواج من الطفلات في ارتفاع، نتيجة تزايد سكان الدولة، وهو عامل جديد يدخل إلى المعادلة السكانية.
ويقول المدير التنفيذي لمنظمة «يوث نت اند كاونسلنغ» الناشطة في مجال الحفاظ على حقوق النساء والأطفال، ومقرها في زومبا بمالاوي، ماك باين ماكاندوير، إن عامل تغير المناخ قضية جديدة في زواج الفتيات بسن الطفولة، وأضاف «ليس لدينا أرقام تفصيلية، لكن يمكنني القول إن 30 أو 40% من زيجات الطفلات في مالاوي ناجمة عن الفيضانات وحالات الجفاف التي تحدث بسبب تغير المناخ».
للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.