جدل حول نشر صورة بطل رواية «اللص والكلاب» الحقيقي
نشرت صحيفة مصرية صورة السفاح المصري الشهير محمود سليمان، الذي روع القاهرة، وألهم حائز نوبل المبدع الراحل نجيب محفوظ كتابة رواية «اللص والكلاب» في الستينات، وقالت صحيفة الوفد المصرية إنها أول صورة للسفاح، الصورة التي أثارت النقاش حول شخصية سليمان، التي سماها محفوظ روائياً «سعيد مهران»، والتي اتخذها الصحافي الراحل صلاح عيسى «اسماً حركياً» عندما التحق الأخير بمنظمة يسارية مطلع حياته، كما أعاد نشر الصورة ذكريات أزمة الصحافة المصرية الأخطر، حين نشرت «أخبار اليوم» عنواني «مصرع السفاح» و«عبدالناصر في باكستان»، بطريقة بها التباس بين العنوانين، بما فتح مجالاً لسوء الفهم، تسبب في وضع هيئة تحرير «أخبار اليوم» في منطقة مساءلة، أعقبتها سلسلة من التداعيات.
الصحافة حولت السفاح من مجرد لص عادي إلى ظاهرة أسطورية، وقالت عنه إنه أبرع المجرمين في التنكر، وإنه يعيش وسط الناس دون أن يكتشف أحد شخصيته. |
وقال الصحافي وعضو المرصد المصري الإعلامي منصور المنشاوي، لـ«الإمارات اليوم»، إن صوراً للسفاح محمود سليمان نشرت من قبل، سواء في مواقع مختلفة أو العام الماضي في «الأخبار كلاسيك» التابعة لـ«أخبار اليوم»، لكن نشر صور اليوم في صحيفة يومية بحجم «الوفد» له قيمته ويكفل انتشاراً أوسع لها. وتابع المنشاوي أن «قصة السفاح سليمان لها جوانب متعددة وتجسد حالة في واقع الستينات».
ولد محمود سليمان في مدينة أبوطشت بصعيد مصر، لكن هناك روايات أنه أصلاً من المنيا، هاجر الى الإسكندرية ومنها إلى بيروت، واستطاع أن يجمع مبلغاً من المال بدده بعد أن تعلم منه نمطاً مختلفاً من الحياة، فتحول إلى لص شقق بمساعدة شقيق حبيبته «بطة» الذي كان يساعده كـ«ناضورجي»، وكان يختار ضحاياه من «علية القوم»، وقد نجح في تضليل البوليس حتى تم تحرير 29 بلاغ سرقة ضده، ثم ألقي القبض عليه بوشاية شقيق بطة الذي اختلف معه، ليرسل إلى السجن حيث التقى هناك الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم.
هذا وقد اختلط الواقع بالأساطير في الروايات الصحافية عن محمود سليمان، فقيل إنه سرق شقق شخصيات مشهورة على رأسهم الرئيس اللبناني السابق كميل شمعون في بيروت، وفيلا أم كلثوم بالزمالك، وقصر أمير الشعراء أحمد شوقي، وقصر المليونير السكندري سباهي باشا، وأربع بنادق من معسكرات الإنجليز، وتردد أيضاً أنه هاتف عبدالناصر شخصياً، وتلقى مساعدة من الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم، إذ سهل له الاتصال بخطيبته عبر بيت بجانب سجن الاستئناف رغم الحراسة المشددة.. كذلك روت الصحافة قصصاً عن تأسيسه دار نشر واختراقه عالم الفن والفكر والثقافة، وتعرفه إلى مصطفى أمين وعبدالحليم حافظ وكامل الشناوي.
وروى الكاتب الصحافي الراحل صلاح عيسى في كتابه «شخصيات لها العجب»، أنه كان معجباً في مطلع حياته بشخصية سعيد مهران، وأنه في تلك الفترة كان يبحث عن اسم حركي له دلالة يطلقه على نفسه في المنظمة السرية اليسارية، التي كان عضواً بها، ومن شدة إعجابه وتقمصه لتلك الشخصية اختار اسم «مهران»، لكنه بعد أسابيع طلب منه أن يختار اسماً آخر، بعد أن تبين أن هناك من سبق له اختيار الاسم نفسه، فغيره إلى «سعيد»، ثم عرف بعد ذلك أن الذي كان ينافسه على الاسم هو الروائي والقاص الراحل «يحيى الطاهر عبدالله»، صاحب رواية «الطوق والأسورة» التي تحولت إلى عمل سينمائي. وفسر عيسى حبه لسعيد مهران بأن الشعب المصري كله وقتها تعاطف معه رغم أنه لص، لشدة ذكائه في الهروب من مطارديه، ولربما ــ بحسب عيسى ــ كان المصريون أيامها يشعرون بأن قبضة السلطة الثورية التي استقبلوها بالزغاريد والتأييد ومنحوها مشاعرهم بلا تحفظ قد اشتدت على أعناقهم.
وقال الكاتب الصحافي المتخصص في الجريمة محمود صلاح في مقال له عنه بعنوان «السفاح والكلاب»، إن الصحافة حولت السفاح من مجرد لص عادي إلى ظاهرة أسطورية، وقالوا عنه إنه أبرع المجرمين في التنكر، وإنه يعيش وسط الناس دون أن يكتشف أحد شخصيته، فهو قادر على التنكر في ملابس ضابط، أو عامل أو سائح، أو حتى في شخصية امرأة!
وكل يوم كانت الصحف تكتب القصص المثيرة عن السفاح، فهو أمس أرسل خطاب تهديد للفنانة مريم فخر الدين، أو الراقصة تحية كاريوكا، أما اليوم فقد سطا على أحد المنازل، وعندما وجد أن أهل البيت فقراء، عاملهم معاملة طيبة، بل وترك لهم بعض الأموال وانصرف في سلام.
وقد أثار السفاح محمود سليمان في وفاته زوبعة أهم مما أثاره في كل حياته، إذ نشرت صحيفة الأخبار في صباح يوم الـ10 من أبريل عام 1960 «نسختها اليومية، وعلى غلاف الصفحة الأولى جاء العنوان، متصدر الصفحة «مقتل السفاح عبدالناصر في باكستان». ولم يكن العنوان خطأ من سكرتير التحرير أو هيئة التحرير، وإنما كان خطأ توارد عنوانين هما مصرع السفاح، وعبدالناصر في باكستان، دون فصل واضح، بحسب رواة الواقعة. وطبقاً لهؤلاء اتجهت قوات الأمن إلى مبنى «أخبار اليوم» وصادرت العدد وحاصرت الصحيفة، وتردد في الأوساط الصحافية المصرية، أن الواقعة كانت مقدمة لتأميم الصحافة المصرية في ما بعد.
يذكر أن قصة السفاح محمود سليمان، علاوة على إلهامها نجيب محفوظ في كتابة رواية «اللص والكلاب»، قد كانت مصدر إلهام لعدد آخر من الأعمال الابداعية، منها فيلم «الهروب» لأحمد زكي، و«شنبو في المصيدة» لفؤاد المهندس، وكتاب «سفاح مصر» لمحمود صلاح.