الكشف عن «خبيئة صحافية» تضم مذكرات أم كلثوم ومقالاتها الصحافية
تم الكشف عن «خبيئة صحافية» تضم مذكرات سيدة الغناء العربي أم كلثوم ومجموعة مقالاتها الصحافية، ووثائق خلافها، الذي امتد تسع سنوات مع الملحن الراحل زكريا أحمد، وحوارها مع الكاتب الصحافي الراحل محمد حسنين هيكل، الذي أجرته معه عام 1968 وتقمصت فيه دور الصحافي بينما تقمص هيكل دور المصدر، ووصف «كتاب اليوم» الذي نشر «الخبيئة الصحافية بمناسبة ذكرى رحيلها في 3 فبراير 1975»، أن أم كلثوم حاضرة بقوة صوتها وأغانيها التي تتحدى الزمن، وأن كاتب المذكرات في الثلاثينات هو أشهر صحافيي الفن في زمنه محمد علي حماد.
«مقلب» لمصطفى أمين بمطعم في أميركا تضمن الكتاب موقفاً طريفاً حدث مع رئيس تحرير «أخبار اليوم» الكاتب الصحافي الراحل مصطفى أمين، الذي تصادف وجوده في واشنطن، فاغتنم الأخير الفرصة ليدعو أم كلثوم على العشاء في مطعم فاخر هناك، فاختارت أم كلثوم أغلى أنواع الطعام، ولما جاء وقت الحساب لم يجد مصطفى أمين حافظة نقوده الخاصة به، وحاول أن يتدارك الموقف فطلب من أم كلثوم، التي كانت هي التي دبرت إخفاء الحافظة، أن تقرضه حتى يعود للفندق، فزعمت أم كلثوم أيضاً أنها نسيت نقودها. وظلت تطلق النكات على احتمالات النهاية لهذا الموقف المحرج، وأحدها بالطبع إيداعهما السجن، كما ظلت تتخيل مانشيتات الصحافة المصرية حين يصلها الخبر، حتى كاد مصطفى أمين المعروف بذكائه الخارق أن يصدق «المقلب». وقد أشار معد المذكرات إلى أن ما أدهش مصطفى أمين في هذا الموقف (غير المقلب طبعاً)، «قدرة أم كلثوم على صياغة مانشيتات الصحف وهي في حضرة واحد من كبار صناع الجرائد في مصر، وقدرتها الذهنية، وبلاغتها، وسرعة بديهتها». «كوكب الشرق» شجعت على صدور «آخر ساعة»، كما كانت مساهمة في مؤسسة «أخبار اليوم»، التي أنشئت عام 1944، بـ18 ألف جنيه، لكنها طلبت أن يظل ذلك سراً. |
وكشف الكتاب، الذي أعده وجمعه وقدم له الكاتب الصحافي محمد شعير، أن كوكب الشرق شجعت علي صدور مجلة «آخر ساعة»، كما كانت مساهمة في مؤسسة «أخبار اليوم» التي أنشئت عام 1944 بـ18 ألف جنيه، لكنها طلبت أن يظل ذلك سراً، كما كشفت عن سابق معرفتها بضباط يوليو 1952، حيث استقبلت العائدين من حصار الفالوجا أثناء حرب 1948 في بيتها وغنت لهم، ولاحقاً تعرفت إليهم حين صعدوا للحكم بعد 1952، وأصبحت تربطها علاقة خاصة بجمال عبدالناصر، الذي رفض نصيحة الكاتب الإخواني سيد قطب بمحاكمتها بتهمة الغناء أمام الملك فاروق، وقال عبدالناصر رداً على ذلك: «ما رأيكم أن تهدموا الهرم الأكبر لأنه من العهد القديم؟»، بحسب الكتاب.
وقال الكاتب الصحافي محمد شعير، في تصريحات إعلامية، إنه انتهى من تجهيز الكتاب منذ عامين، لكن الوقت لم يسعفه لإصداره حينها، وإنه يتضمن أربع وثائق رئيسة ونادرة». ونوه شعير بالدافع وراء إصداره الكتاب، حيث قال «إنني أهوى البحث في الصحف القديمة في سور الأزبكية ودار الكتب، وأحب ان أطلع القارئ على ما أجده من وثائق ومعلومات لم تنشر».
وبدأت المذكرات باعتزاز أم كلثوم بنفسها كفلاحة فقيرة (ابنة المرحوم إبراهيم السيد من قرية طماي مركز السنبلاوين)، «أدخلها والدها الكتاب لحفظ القرآن، واضطر لإخراجها منه لضيق ذات اليد»، وقد صدر هذا الاعتراف الكلثومي وسط أجواء الادعاء التي سادت الوسط الفني، خصوصاً في حقبة ما قبل 1952 في مصر، حيث زعمت فنانة أنها «تلقت دروسها في المير ديه دييه»، وادعت أخرى أنها «ابنة فلان بك من مدينة كذا، وتلقت دروسها في المدرسة السنية»، وزعمت ثالثة أن «مدرس الموسيقى حاول أن يقنع أسرتها العريقة بإعطائها دروساً في الموسيقى، بعد أن استمع لصوتها في الطريق»، طبقاً لرواية أم كلثوم.
سرد الكتاب وقائع معاناة أم كلثوم في حفلاتها الأولى، سواء في قرى دلتا مصر أو في أحياء القاهرة، حيث ابتدأت بأجر لم يتخط الجنيه الواحد، وتعرضت في إحداها في قرية «ميت يزيد» للأذى، عندما كان حفلها مجرد كمين لضرب أهالي قرية مجاورة، كما تطرق لحفلتها الأولى بالقاهرة، حيث استقدمها حافظ أفندي، ناظر عزبة عزالدين بك، لكنه احتجزها في البدروم لعدم اقتناعه بسنها الصغيرة، ثم عاد ليستعين بها في استراحة المطرب الأصلي، فلفتت الأنظار بموهبتها الاستثنائية، ما دفع حرم إسماعيل بك أن تمنحها جنيهين ذهبيين، وخاتماً ذهباً بفص ياقوت، وساعة ذهبية لشقيقها.
وقد اشتملت «مقالات أم كلثوم الصحافية»، التي نشرت في صحف ومجلات متفرقة منها «آخر ساعة» و«أخبار اليوم» و«الهلال» كتابات عن انطباعاتها في الحياة، ومقالاً بعنوان «كيف علموني أن لا أكذب»، ومقالاً بعنوان «قصتي الحقيقية»، ومقالاً بعنوان «أحمد حسنين باشا» ومقالاً بعنوان «موسم النرفزة»، ومقالاً بعنوان «أحمد رامي»، ومقالاً مطولاً جداً بعنوان «كيف عرفت عبدالناصر».
روت «أم كلثوم» في المقال الأخير، الذي نشرته مجلة الهلال في أكتوبر 1971، القصة الكاملة لتعرفها إلى الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، بدءاً من دعوة أبطال معركة الفالوجا بعد عودتهم من فلسطين عام 1948 لحفل شاي بمنزلها، ودعوتها وزير الحربية آنذاك، الذي لم يكتف بالاعتذار بل حاول إثناءها عن دعوة الجنود والضباط، وكشفت أم كلثوم في المقال أنها أقامت لهم - للجنود والضباط - محطة إذاعية صغيرة بحديقة منزلها تبث ما يطلبونه من أغانيها، وأن بطل معركة الفالوجا الذي كانت الصحف تتناقل صوره وقتئذ، الضبع الأسود، قدم لها في الحفل الضباط والجنود واحداً تلو الآخر وحدثها «عن أصحاب البطولات الكبيرة منهم، وكان في مقدمة أصحاب هذه البطولات الضابط الشاب جمال عبدالناصر»، حسب وصفها، حيث «شدت على يديه وهي تصافحه وتتأمل في عينيه بريق الوطنية، وحدة العزم، وعمق الإيمان».