ويني مانديلا.. من راعية أبقار إلى مناضلة ضد الفصل العنصري
غيّب الموت، يوم الإثنين الماضي، المناضلة الجنوب إفريقية، ويني ماديكيزيلا مانديلا، بطلة الكفاح المناهض للفصل العنصري في جنوب إفريقيا، لكنها أيضاً إحدى شخصياته الأكثر إثارة للجدل. كانت ويني محبوبة ومكروهة في آنٍ واحد من أبناء شعبها، لكنها اكتسبت مكاناً لها في التاريخ. ويتهمها البعض مراراً وتكراراً بأنها مرتبطة بالعنف والفساد، لكن البعض الآخر ينظر اليها على أنها «أم للأمة»، استطاعت أن تدير دفة الكفاح ضد الهيمنة العنصرية خلال سجن زوجها في جزيرة روبين. الذين أعجبوا بها يقدّرونها لقيادتها الفولاذية وخطابها الجريء ووقفتها الشجاعة ضد نظام عنصري وحشي. كانت واحداً من الممثلين القلائل المتبقين من جيل النشطاء الذين قادوا المعركة ضد الفصل العنصري. وتتناقض صورتها السلبية في الخارج مع شعبيتها العميقة والدائمة في وطنها.
نضال خلال فترة سجن زوجها، التي دامت 27 عاماً، نظمت ويني مانديلا حملات من دون كلل أو ملل من أجل إطلاق سراحه، ومن أجل حقوق السود في جنوب إفريقيا، ما تمخّض عنه استقطابها لأعداد كبيرة من المؤيدين. وتعرضت للتعذيب وأخضعت للاعتقال المنزلي المتكرر، وتم إبقاؤها تحت المراقبة، وفي عام 1977، تم نفيها إلى بلدة نائية في مقاطعة أخرى. استطاعت ويني أن تدير دفة الكفاح ضد الهيمنة العنصرية خلال سجن زوجها في جزيرة روبين، بخطابها الجريء ووقفتها الشجاعة ضد نظام وحشي. |
ولدت في مقاطعة كيب الشرقية الفقيرة، وعاشت «جحيم مريع من الكراهية العرقية»، على حد تعبير كاتبة السيرة، البريطانية إيما غيلبي، وأصبحت أكثر تسييساً في سن مبكرة في عملها كموظفة اجتماعية بالمستشفى. واستقطبت هذه الفتاة الجذابة، الذكية والملتزمة، البالغة من العمر 27 عاماً، اهتمام المناضل الجنوب إفريقي، نيلسون مانديلا، الذي كان يبلغ من العمر في ذلك الوقت 18 عاماً عندما رآها للمرة الأولى في محطة حافلات سويتو في عام 1957. وتزوجها بعد عام من ذلك، إلا أن فترة بقائهما قرب بعضهما كانت قصيرة للغاية، لأن مانديلا ظل يعمل تحت الأرض بحلول عام 1960، وتعرض للاعتقال في عام 1962، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة بتهمة الخيانة.
وتقول ويني مانديلا إن تجربة أكثر من عام في الحبس الانفرادي غيّرتها الى الابد. وتمضي قائلة: «ما جعلني جلدة كثيراً هو أنني كنت أعرف من الذي أكرهه»، وتضيف «سنوات السجن الطويلة زادت من صلابة قوتي.. ربما إذا منحت لحظة للتوقف وانتظار الضربة التالية، فإن عواطفي لن تضعف كما هو الحال مع جسمي. عندما يحدث لك ذلك كل يوم في حياتك، وعندما يصبح هذا الألم وسيلة للحياة، لن يعود هناك أي شيء يمكن أن تخاف منه، ليس هناك شيء لم تفعله الحكومة بي، ليس هناك أي ألم لم أذق طعمه». وتحدثت أمام حشد من سكان بلدتها قائلة: «ليس لدينا أسلحة، لدينا فقط أحجار وعيدان ثقاب وبنزين»، وتضيف «جنباً إلى جنب، حاملين عيدان ثقاب نستطيع تحرير هذا البلد».
تهم عدة
ولكن وعلى الرغم من نضالها ضد الفصل العنصري وجدت لجنة تقصي الحقائق والمصالحة أن ويني لعبت دوراً محورياً في مقتل ثلاثة شبان، من بينهم فتى كان يقود مجموعة من شباب المؤتمر الافريقي في سن الرابعة عشرة، والذين كان يُعتقد أنهم مخبرون للشرطة. في عام 2001 اتهمت ويني وأدينت بجرائم عدة تتعلق بالاحتيال والسرقة. وتم الحكم عليها بالسجن لمدة ثلاث سنوات ونصف السنة مع وقف التنفيذ.
ورفضت ويني، لدى مثولها أمام لجنة الحقيقة والمصالحة التي أُنشئت للنظر في الأعمال الوحشية التي ارتكبها كلا الجانبين خلال الكفاح ضد الفصل العنصري، إظهار الندم على عمليات الاختطاف والقتل التي ارتكبت باسمها، لكنها بعد التماس من رئيس لجنة الحقيقة والمصالحة، ديزموند توتو، اعترفت على مضض بأن «الأمور سارت بشكل خاطئ». وفي تقريرها النهائي، قضت لجنة الحقيقة والمصالحة أن ويني كانت «مسؤولة سياسياً وأخلاقياً عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبتها».
انفصلت هي ومانديلا في عام 1992، وتراجعت سمعتها أكثر عندما طردها من حكومته في عام 1995 بعد مزاعم بالفساد. وتطلّق الزوجان بعد سنة. وتقول عن ذلك: «ارتبط بعلاقة جيدة مع مانديلا، لكنني لست أحد نتاجاته، انني نتاج جماهير بلدي ونتاج عدوي». لكنها ظلت غير خائفة من الجدل وتحظى بشعبية، ففي عام 2008 تولت قضية المهاجرين الذين تعرضوا لهجوم في أعمال شغب واسعة النطاق، وبعد عام فازت بمقعد برلماني.
وعلى الرغم من أنها كانت قاسية حول سجله في معاملته لها، إلا أنها كانت تزوره بشكل شبه يومي خلال الأشهر الأخيرة من حياته عام 2013.
في آخر مقابلة أجرتها لها الإذاعة الحكومية، الشهر الماضي، وأعيد بثها بعد ظهر يوم الإثنين الماضي، تحدثت ويني بأنها كانت تضع الصالح العام لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي قبل مصالحها الخاصة. ويواجه الحزب، أول مرة، منذ انتخابات 1994، انتخابات صعبة العام المقبل، ويأمل المسؤولون والمؤيدون أن يتمكن الرئيس الجديد، سيريل رامافوزا، الذي تولى السلطة في فبراير، من عكس تراجع الدعم الذي تميز به الحزب تحت زعامة جاكوب زوما السابق.
وأثناء حديثها للاذاعة، قالت ويني: «سأكون ساذجة للغاية إذا قلت لكم إن جنوب إفريقيا اليوم هي ما كنا نحلم به عندما بذلنا أرواحنا من أجلها. لقد بدأنا في فترة قاسية جداً من تاريخنا، كان بلدنا معزولاً، وكان أمراً مؤلماً لنا حقاً للعبور من تلك الحقبة إلى ما نحن عليه اليوم».
نظرة.. ثم لقاء.. فزواج
كانت ترعى الماشية حافية القدمين في صغرها، وفي تناقض ملحوظ انتهت في سنواتها الأخيرة إلى ما يشبه التباهي بإنفاق أموال طائلة. التحقت بمدرسة بعثة ميثوديست، ثم انضمت لمدرسة هوفمير للعمل الاجتماعي في جوهانسبرغ، حيث أقامت صداقة مع أديلايد تسوكودو، الزوجة المستقبلية لرئيس المؤتمر الوطني الإفريقي السابق، أوليفر تامبو، عندما كان مانديلا في المنفى. رفضت منحة دراسية في الولايات المتحدة، مفضلة البقاء في جنوب إفريقيا كأول عاملة اجتماعية سوداء في مستشفى باراغواناث في سويتو.
في أحد أيام عام 1957، عندما كانت تنتظر في محطة للحافلات، أوقف مانديلا سيارته، لأنه كما قال في سيرته الذاتية «صُعقت لجمالها»، وبعد بضعة أسابيع، «كنت في المكتب عندما خرجت لرؤية أوليفر وكانت معه هذه المرأة الشابة نفسها». وفي أول لقاء لهما قرر مانديلا الزواج منها، وسرعان ما انفصل عن زوجته الأولى، إفيلن نتوكو ماس، وهي ممرضة، ليتزوج من الآنسة ماديكيزيلا مانديلا في 14 يونيو 1958.
كانت هي الرابعة من بين ثمانية أطفال: سبع أخوات وأخ. كان والداها، كولومبوس وجيرترود، معلمين، والدها كان أستاذاً للتاريخ ومدير مدرسة، وجيرترود معلمة علوم.