«الفيلق الأجنبي».. مرتزقة نظاميون يحلمون بالخدمة في الجيش الفرنســـي
تختلف الأسباب التي تقف وراء استعانة الدول بمحاربين أجانب، لكن هدف المتطوعين للقتال تحت راية أجنبية عادة ما يكون المال. وقد يختلف الأمر قليلاً عندما يتعلق الأمر بـ«الفيلق الأجنبي» الذي أنشأته فرنسا في منتصف القرن التاسع عشر. لقد بات الكثير من الشباب حول العالم يحلمون بالخدمة فيه، نظراً لسمعته والمزايا التي يحصلون عليها. إنهم مرتزقة نظاميون، يعملون تحت إشراف الجيش الفرنسي. وقد لا يختلف هذا الفيلق عن بقية الوحدات في الجيش، إلا بكون أفراده من الأجانب فقط. وتعتز باريس بهذا الفيلق، وتعتبره ركيزة أساسية في مهماتها الخارجية.
«الفيلق من أفضل القوات المسلحة في العالم. إنه أسطورة ومدرسة للحياة»، يقول الجندي كوم جيدي، الذي جاء من إثيوبيا لينضم لآلاف الأشخاص الذين يلتحقون، من جميع أنحاء العالم، كل عام، بهذه «القوة المقاتلة في خدمة فرنسا». وعند وصولهم إلى بوابة «فور دي نوجان»، بالقرب من باريس، أحد مركزي الاختيار في الفيلق الأجنبي، يبدو على الراغبين في الانخراط الحيرة والترقب. ولمدة أسبوع، سيجتاز هؤلاء سلسلة أولى من الاختبارات الجسدية والنفسية، وكلهم أمل في الالتحاق بهذه الوحدة التي تشارك في جميع العمليات الخارجية الرئيسة للقوات الفرنسية، وستكون مثل كل عام، نجماً في العرض العسكري في الرابع عشر من يوليو بجادة الإليزيه.
يقول قائد وحدة تجنيد الفيلق، المقدم في الجيش الفرنسي فرانسوا زافييه بيتيو: «الالتحاق يتطلب شروطاً صارمة»، موضحاً «لا نقبل سوى واحد من كل ثمانية، لذا فإن الانتماء إلى الفيلق يستحق العناء»، ويتابع: «بالنسبة للمقيمين غير الشرعيين، فإن القانون يسمح لنا بأن نجنّدهم، ومع ذلك فنحن نبقى حذرين، إذ يجب أن نكون قادرين على تحديد هوياتهم، ثم هناك سلسلة كاملة من عمليات التحقق».
وفي غضون ذلك، تبقى أسطورة المجرم المطلوب الذي يختبئ مرتدياً الزي العسكري الفرنسي، حاضرة بقوة، وربما كان هذا صحيحاً منذ فترة طويلة، إلا أن جرائم الدم، والجرائم الجنسية، والتورط في الاتجار بالمخدرات، باتت عوامل رسوب بالنسبة للمرشحين.
لصوص عمليون
أرض خصبة حالياً، تعتبر أوروبا الشرقية أرضاً خصبة للتجنيد، جنباً إلى جنب مع أميركا اللاتينية. لقد لعب البريطانيون أيضاً دورهم، لكن كان هناك حرج في الآونة الأخيرة عندما تبين أن العديد من المتقدمين البريطانيين فشلوا في الاختيار بسبب عدم القدرة على التحمل. وقد أدى تحسن الظروف المهنية، في السنوات الأخيرة، إلى انضمام مزيد من المجنّدين من الطبقة المتوسطة. ويقول الرقيب بيز فرنسوا (43 عاماً)، وهو من جنوب إفريقيا، انضم قبل 11 عاماً: «نحن نطلق على المجندين الجدد اسم (جيل بلاي ستيشن)، لأنهم ناعمون للغاية»، متابعاً «والآن نقبل دخول أرباب أُسر فروا من نفقة عائلاتهم، وجميع هؤلاء الرجال مع شهادات جامعية». • يجد المتدربون أنفسهم في نظام يكسر كل شيء متعلق بالحياة السابقة، ويضع جانباً كل الاختلافات العرقية. |
يضيف بيتيو: «في ما يتعلق بالجرائم، نحن لا نفضل الرجل الذي يستخدم السلاح خلال الجريمة، لكن لصوص الخزنات، فإنهم عمليون».
ويستقطب الفيلق أولئك الذين تعرضوا لعثرات جسيمة في حياتهم، من الرجال الذين تراوح أعمارهم بين 17 و40 عاماً، ويبحثون عن ملاذ بعيداً عن أخطائهم، أو بحثاً عن فرصة ثانية، أو حياة المغامرة التي يحلمون بها.
ويبحث المحققون في الشعبة الإحصائية وحماية الفيلق الأجنبي، في ماضي المرشحين بدقة. ويضيف المقدم بيتيو: «إنهم (المحققون) دائماً يعرفون من يتحدثون معهم، وقد يستغرق الأمر وقتاً طويلاً» متابعاً «في بعض الأحيان يقولون لنا، إن شخصاً ما غير مرغوب فيه، ولا نسأل لماذا. نستمع إليهم، يروون لنا تفاصيل حياتهم، منذ ولادتهم. ونسألهم عما يبحثون عنه في هذا الفيلق، ونراقب كيف يتصرفون».
بالنسبة للبرازيلي، أدريان، البالغ من العمر 31 عاماً، فإن العيش في فرنسا والانتماء إلى الفيلق الأجنبي يعد بمثابة حلم، مضيفاً بحماسة واضحة «سأعطي له نفسي جسداً وروحاً».
وبعد اجتياز الاختبار الأول، يتم إرسال المتدربين إلى مقر قيادة الفيلق في أوباني، بمقاطعة «بوش دي رون»، لمزيد من الاختبارات، ثم إلى مركز تدريب «كاستل نودري». وبعد 16 أسبوعاً من التدريب، يبقى احتمال رفض المتدربين وارداً جداً. ومن الضروري «إظهار قدرات جسدية وعقلية عالية»، كما يقول الرائد فرانسوا هيرفيه بازين، المسؤول عن التواصل مع الفيلق.
اختلافات عرقية
يبدأ التدريب بأربعة أسابيع مغلقة في «مزرعة» معزولة، حيث يجب أن يتعلم المجندون التواصل مع رفاقهم بالفرنسية، وهي لغة لا يتقنها معظمهم. وفي ذلك يقول الملازم أول كليمنت دوتوت، وهو كبير المدربين في الفيلق: «خلال 16 أسبوعاً، يجب أن يتعلموا 500 كلمة فرنسية، على الأقل».
يجد المتدربون أنفسهم في نظام يكسر كل شيء متعلق بالحياة السابقة، ويضع جانباً كل الاختلافات العرقية. وبعد شهر من الجهد، يحصل الجنود على القبعة البيضاء، وهي علامة النخبة، ويرفعون العلم الفرنسي.
يعمل في هذا الفيلق نحو 6800 رجل، ولا توجد امرأة واحدة. ويجد القائمون عليه صعوبة في صهر العرقيات والثقافات المختلفة مع بعضها بعضاً، ويقولون إن الأمر صعب ومعقد جداً. ويمكن للجندي في الفيلق أن يطالب بالجنسية الفرنسية بعد خمس سنوات من الخدمة، وحتى قبل ذلك في حالة الإصابة.
أسماء مستعارة
يتعين على جميع المجندين اختيار أسماء جديدة عند الانضمام إلى الفيلق، ويرجع هذا إلى أن بعض المجندين يرغبون بالفعل في بداية جديدة وهوية جديدة، ويمكن للجنود العودة إلى هوياتهم الحقيقية بعد عام. وقبل الحصول على قبعة النخبة البيضاء، يجب على المجندين تحمّل نظام تدريب صارم وشاق، والذي يتضمن اللكم والركل. وعلى جميع المجندين التحدث باللغة الفرنسية، حتى لو وجدوا صعوبة في ذلك. وحتى الشتائم يجب أن تكون باللغة الفرنسية، وهناك الكثير من ذلك.
ويحصل المجندون الجدد على نحو 1300 يورو في الشهر وبندقية جديدة، ويفترض أنهم لن يهربوا أبداً من ساحة المعركة. ولا يشجع الفيلق على ممارسة شائعة في الجيش الفرنسي الرئيس في أوقات معينة، والمتعلقة بالاستسلام، حيث من المتوقع أن يقاتل أفراده حتى الموت.
وبعد ثلاث سنوات من الخدمة، قد يتقدم جندي الفيلق بطلب للحصول على الجنسية الفرنسية. هناك طريقة أسرع وأكثر إيلاماً، إذ يمكن للجندي الجريح في المعركة التقدم بطلب للحصول على الجنسية بموجب بند يعرف باسم «فرنسي التضحية بالدم».
المصادر: «لاديبيش»، «ديلي تلغراف»، «بريتانيكا»