راقصتان يهوديتان اتهمتا في مصـــــر بالجاسوسية تظهران مجدداً في الأرشيف الإسرائيلي
لايزال أرشيف الممثلين اليهود في مصر يحمل جديده، فقد كشف ما يسمى أرشيف المكتبة الوطنية في القدس المحتلة، الشهر الجاري، جانباً من غموض قصة راقصتين يهوديتين هما ليلى ولميا جمال، اللتان اتهمتا من قبل السلطات المصرية بالجاسوسية لمصلحة إسرائيل في منتصف الخمسينات، واستطاع والدهما أن ينقذهما من أمر للقبض عليهما في مصر، عبر خطاب سري أرسله لهما في الهند أثناء رحلة فنية لهما، فسافرتا من هناك إلى الولايات المتحدة، لكن الأرشيف لم يكشف تفاصيل علاقتهما بإسرائيل بعد ذلك، ودقة ومدى تورطهما في الجاسوسية.
وقال التقرير الذي انفردت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، بنشره أخيراً، إن «الراقصتين لميا وليلى جمال»، القادمتين مع أسرتيهما من النمسا، واللتين لمع اسمهما في ملهى «قصر الحلمية»، وعرفتا باسم «ليس ولين» في الخمسينات، كانتا جاسوستين محتملتين في نظر السلطات المصرية، في ذلك التوقيت الذي كانت فيه إسرائيل في طور التأسيس، وتوجد حالة من التحفز الشديد في مصر تجاه سياساتها، خصوصاً أن الملهى المقصود أنشئ خصيصاً لتسلية الجنود الأجانب في الحرب العالمية الثانية، كما أن الراقصتين شقتا طريقهما إلى عالم السينما، وظهرتا في أكثر من 30 فيلماً مع محمد عبدالوهاب، وتحية كاريوكا، وسامية جمال، ونعيمة عاكف، لكن اللافت أنهما أخفتا ديانتهما اليهودية لأسباب غامضة، ولم تكشفاها إلا عندما ذهبتا للهند لتمثيل فيلم «ابنة اليهودي».
وذكرت «هآرتس» أن سجل الراقصتين اليهوديتين شمل «إعجاب الملك فاروق» في مصر بهما، كما شمل إعجاب الرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيكسون، الذي كان نائب الرئيس حين التقى بهما في الولايات المتحدة.
وتشير الصحيفة إلى غموض قصة هرب الفنانتين اليهوديتين من مصر، حيث أرسل والدهما خطاباً لهما وهما في جولة آسيوية ناجحة، يخبرهما بصدور أمر بالقبض عليهما من السلطات المصرية بتهمة التجسس، ويحذرهما من العودة إلى مصر، وبالتالي قامت الفتاتان بالتوجه للولايات المتحدة الأميركية.
وختم التقرير سطوره بالإشارة إلى زواج إحدى الشقيقتين من يهودي «ناج من المحرقة»، انتقل إلى إسرائيل، لكنه غادرها إلى الولايات المتحدة ليستقر فيها كتاجر أثاث.
يذكر أن موضوع الممثلين اليهود في مصر هو مادة سجالية لم يمتلك فيها أحد دليلاً قاطعاً حتى اليوم، ولم يبرح منطقة الاتهامات والتسريبات الإعلامية التي لا تخلو من توجيه، وقد ضم عشرات الأسماء التي لم تمسسها الاتهامات وعرفت بوطنيتها مثل توجو مزراحي، الذي غير اسمه إلى أحمد المشرقي، وأسس أول نقابة فنية في مصر، واستيفان روستي، ابن السفير النمساوي في القاهرة، الذي رفض السفر لإسرائيل، ونجوى سالم التي شاركت في جمع تبرعات للجيوش العربية في الحرب مع إسرائيل، ونجمة إبراهيم التي اشتهرت بدور ريا في فيلم «ريا وسكينة الشهير»، وطافت بمسرحية كانت تقوم ببطولتها عقب حرب 1967 متبرعة بكامل دخلها للمجهود الحربي المصري، كما ضم أيضاً ممثلين وممثلات راجت عنهم تقارير صحافية اتهمتهم بالتعاون مع جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد)، مثل كاميليا التي كان اسمها الحقيقي ليليان ليفي كوهين، التي نجحت في أن تصبح محظية الملك فاروق، ووصفها حتفي المحلاوي في كتابه (فنانات في الشارع السياسي)، بأنها «عميلة من الدرجة الممتازة للمخابرات الإسرائيلية».
وراقية إبراهيم، صاحبة مقولة «سنتي بتوجعني.. حكيم روحاني حضرتك»، التي لعبت دوراً في تشجيع اليهود المصريين على الهجرة إلى إسرائيل، واتهمت بالتورط في اغتيال عالمة الذرة المصرية سميرة موسى، واختارتها إسرائيل سفيرة للنوايا الحسنة، وجراسيا قاصين، التي مثلت «فاطمة وماريكا وراشيل»، وسافرت إلى إسرائيل، هذا اضافة إلى شخصية فنية كبيرة أثارت حيرة المراقبين، هي ليلى مراد التي ظلت محل اتهام الصحافة العربية بالتجسس لمصلحة «الموساد» رغم إسلامها وتبرعاتها المتوالية للجيش المصري، كما ظلت الصحافة الإسرائيلية من الطرف الآخر تشكك في إسلامها، وإسلام شقيقها منير مراد، الذي تزوج من الفنانة سهير البابلي، وطلب دفنه بجانب قبر الفنان عبدالحليم حافظ.
ويرى المؤرخ السينمائي رئيس تحرير مجلة الكواكب السابق وصاحب كتاب «الممثلون اليهود في مصر»، أشرف غريب «أن هذا الموضوع أثير للصحافة الإسرائيلية اليوم باعتبارها ظلت دوماً تؤكد انتمائهم الأصلي، وتشكك في كل الذين اعتنقوا الإسلام».
كما يرى أيضاً أن «تدقيق تاريخ الممثلين اليهود في مصر «مهمة شبه مستحيلة»، والسبب هو «ندرة المعلومات وانتشار الكثير المغلوط منها بين الناس».
• موضوع الممثلين اليهود في مصر هو مادة سجالية، لم يمتلك فيها أحد دليلاً قاطعاً حتى اليوم، ولم يبرح منطقة الاتهامات والتسريبات الإعلامية التي لا تخلو من توجيه، وقد ضم عشرات الأسماء التي لم تمسسها الاتهامات وعرفت بوطنيتها.