يستغلون حاجتهم إلى العمل للحصول على الطعام
وسطاء وملاك أراضي وعصابات توظيف في فوجيا الإيطالية ينهبون عمال المزارع المهـاجرين
تزرع إيطاليا في مقاطعة فوجيا الواقعة على البحر الأدرياتيكي ثلث محصول الطماطم الذي تصدره إلى جميع أنحاء العالم، حيث يستغل أصحاب المزارع العمالة المهاجرة في جميع عملياتهم الزراعية. وبعيداً عن شواطئ هذه المقاطعة الساحرة المزدهرة بالسياح، تنتشر الخيام والمنازل المؤقتة المعروفة محلياً باسم «الغيتو»، والتي تقيم فيها القوى العاملة المهاجرة العاملة في الحقول الزراعية.
العيش في ظروف سيئة
وتعتقد أكبر نقابة عمالية في إيطاليا، والمعروفة اختصاراً بـ«سي جي آي إل» أن نحو 12 ألف مهاجر يعملون في المزارع ويعيشون في هذه المخيمات في ظروف سيئة لا تليق بالحياة الإنسانية. وتفتقر بعض هذه الأماكن، كما يقول المهاجرون، إلى الخدمات الأساسية مثل المياه الجارية والكهرباء والتخلص من الفضلات الآدمية والنفايات، ما قد تتمخض عنه عواقب صحية وخيمة. وذكرت وسائل الإعلام الإيطالية أن أربعة مهاجرين لقوا حتفهم في مخيمات كهذه العام الماضي، أحدهم جراء انخفاض حرارة جسمه بسبب البرد، وثلاثة بسبب الحرائق. ويقيم في هذه المساكن المؤقتة مهاجرون شرعيون وغير شرعيين من جميع أنحاء العالم، من بينهم مواطنون من دول الاتحاد الأوروبي، غالباً من رومانيا وبلغاريا، كما تضم مهاجرين أفغاناً وباكستانيين، لكن معظم هؤلاء المهاجرين من الشباب الإفريقي.
ويأتي المهاجرون إلى هنا سعياً للحصول على عمل في المزارع، لكن وفقاً لنقابات العمال والحكومة الوطنية والإقليمية يتعرض الكثير منهم للاستغلال على يد أصحاب الأعمال، الذين يجبرونهم على العمل ساعات طويلة مقابل أجر زهيد جداً يقل كثيراً عن الحد الأدنى للأجور في البلاد.
عصابات التوظيف
عندما يحتاج المزارعون المحليون إلى عمالة تعمل يدوياً وبأجور زهيدة فإنهم بدلاً من توظيفهم مباشرة، يتجهون إلى وسطاء معروفين باسم «كابورالي»، ويأخذ هؤلاء الوسطاء، أو بالأحرى عصابات التوظيف، حصة من أجور العمال، وكثيراً ما يفرضون عليهم رسوماً مقابل نقلهم إلى الحقول، فضلاً عن دفعهم كلفة الطعام والماء الذي يتلقونه أثناء وجودهم هناك.
ويشرح الخبير القانوني في نقابة «سي جي آي إل»، رفاييل فالكوني، الطريقة التي يتبعها أصحاب العمل والعصابات في توظيف المهاجرين، فيقول: «على سبيل المثال يكلف أحد كبار ملاك الأراضي في هذه المنطقة رجل عصابات من المغرب، لديه 10 شاحنات صغيرة لتوظيف عمال مزارع من الغيتو». ويسترسل: «مقابل كل صندوق زنة 300 كيلوغرام يعبئه العمال بالطماطم يقدم مالك الأرض للوسيط الذي يتعامل مع رجل العصابات ما يعادل 5.8 دولارات، وبعد أن يحصل كلاهما على نصيبه يحصل العامل على 2.5 دولار، ومن الناحية الأخرى يدفع المهاجرون 5.80 دولارات مقابل النقل لكل واحد منهم، وأحياناً خمسة دولارات أخرى مقابل الطعام». ويبلغ الحد الأدنى القانوني لأجور العمال في هذه المقاطعة 62 دولاراً في اليوم. ومن الناحية القانونية، تقتصر ساعات العمل على ست ساعات ونصف الساعة في اليوم، وبحد أقصى ثلاث ساعات من العمل الإضافي في اليوم. ولأشهر عدة ظل فالكوني وزملاؤه يزورون الغيتوهات لإقناع المهاجرين بالإبلاغ عن الإساءات التي يتعرضون لها، لكن قليل منهم يبلغ عن ذلك.
ويقول إنه منذ شهر سبتمبر سجل 34 بيانات تفصيلية عن الاستغلال، حيث كشف أن المهاجرين هم ضحايا لعصابات التشغيل، ويعملون دون عقد عمل، ولمدة تزيد على 10 ساعات في اليوم. وتنطوي بعض الحالات على العنف، وهذا أحد الأسباب التي تجعل معظم العمال يخافون من الإبلاغ، وفقاً لفالكوني، ولأنهم أيضاً يعيشون في مخيمات يغيب فيها تطبيق القانون. ويقول «يتعرض المهاجرون لعمليات انتقام من العصابات، الذين لديهم القدرة على تجويعهم وإلحاق الأذى بهم جسدياً». اتصلت قناة «سي إن إن» بالمندوب الخاص لوزير الداخلية المكلف بالتعامل مع قضايا الصحة العامة والناتجة عن وجود المخيمات غير القانونية، وبعد أن أبدى المكتب موافقته المبدئية على إجراء المقابلة، صرح في ما بعد بأن المندوب الخاص لم يعد متاحاً لمناقشة قضية ظروف المخيم.
في يوليو وفي قضية تاريخية مناهضة للاستعباد في ليتشي، على الطرف الجنوبي من بوليا، استطاع المدعون العامون إنزال أحكام قاسية بالسجن لثمانية من زعماء العصابات وثلاثة من ملاك الأراضي. وكشفت وثائق المحكمة التي تولت الحكم في القضية، عن مخطط استطاع ملاك الأراضي من خلاله تهريب المهاجرين مباشرة من تونس لتأمين عمالة رخيصة.
لكن بعض مالكي الأراضي هنا يشعرون بأن التشريع الجديد المناهض للاستغلال يستهدفهم بشكل غير عادل، ويقولون إنهم يحتاجون إلى قوة عمل مرنة، ولأنهم لا يتحدثون لغة عمالهم المهاجرين أو يفهمون ثقافتهم، فإن أفضل طريقة لتوظيفهم، كما يعتقدون، هي عن طريق وسطاء.
ويحتج أحد ملاك المزارع واسمه انزو سماكيا قائلاً «الآن تتعامل معنا السلطات كعصابات»، ويمتلك سماكيا 40 هكتاراً من الحقول في بوليا، ويقول إنه يدفع لعماله أجراً عادلاً. ويضيف «لماذا لا تركز السلطات على الجرائم وأعمال البغاء التي تحدث في الغيتو؟».
ضحايا تجار التجزئة
ويشعر سماكيا بأن ملاك الأراضي ذات الحجم المتوسط مثله هم ضحايا تجار التجزئة، الذين تسببوا في انخفاض أسعار الطماطم، ما جعل العمال المهاجرين عرضة للاستغلال.
المدعي العام لفوجيا، فرانشيسكا بيريللي، تقول: «استغلال العمالة ينتج جراء غياب مراكز العمل والفقر الشديد في هذه المقاطعة، التي تحكمها الأسعار التي يفرضها قطاع التجزئة». وترأس بيريللي الآن فريق عمل تم إنشاؤه حديثاً وهو مخصص لمحاربة نظام العصابات، وتقول إنه سيكون هناك حملة رئيسة في الربيع المقبل، عندما يبدأ الحصاد. وتضيف «يسمح لنا قانون جديد في هذا الشأن الآن بالاستيلاء على أراضي أصحاب المزارع الذين يستغلون العمالة المهاجرة، حيث يعد رادعاً فعالاً ضد هذا النوع من الجرائم». ويقول إيميليانو إن وزير الداخلية الإيطالي أبدى التزاماً شخصياً بتوفير حماية للشهود لكل من الشركات والعمال الذين يتقدمون ببلاغات عن الإساءة للمعاملة.
إخلاء المخيمات
تقول الحكومة الإقليمية إنها تتخذ موقفاً متشدداً بشأن معسكرات المهاجرين. ويصف إيميليانو هذه الأماكن بأنها «تخضع لسيطرة منظمات إجرامية وهي مكرسة للبغاء، وتجارة المخدرات، وعصابات التوظيف». وقد تم إجلاء السكان من بعض المخيمات، ويقول إيميليانو إن المزيد من عمليات الإخلاء باتت وشيكة، وإن المهاجرين الذين تم إجلاؤهم يمكن أن ينتقلوا إلى الأماكن التي توفرها الحكومة الإقليمية، مع إتاحة حرية الوصول إلى مصادر الطعام والمرافق الصحية، وهذه الأماكن خالية من استغلال العصابات. ويتوافر فقط 1000 سرير في مراكز الاستقبال الإقليمية هذه، لكن الإدارة تخطط لبناء المزيد بحلول موسم الحصاد المقبل.
ومع اقتراب فصل الشتاء ليس هناك حاجة إلى عدد كبير من العمال في الحقول؛ لهذا يهاجر بعض العمال إلى الجنوب لحصاد البرتقال، ويذهب البعض الآخر إلى المدن الصناعية في الشمال. وداخل المخيمات يعتمد الآلاف الذين يمارسون هذه الأعمال غير القانونية على أنظمة التدفئة المرتجلة التي تزيد من خطر نشوب الحرائق، لكن البرد يشكل تهديداً كبيراً لهم.
في 16 ديسمبر أزمعت مجموعة من المهاجرين في الغيتوات على تنظيم مسيرة في روما للمطالبة بوضع حد لاستغلال العمال، والتعبير عن حقهم في السكن الآمن واللائق. ويعتقدون أنه إلى أن يتم تنظيم هذه المسيرة فلن تتغير الأمور حقاً. ويقول أحد شعاراتهم مخاطباً أصحاب المزارع: «إذا أردتم قوى عاملة فإنكم ستجدون رجالاً».
وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن عدد المهاجرين الوافدين إلى إيطاليا وصل إلى ذروته في عام 2016، حيث وصل إلى الشواطئ الإيطالية أكثر من 181.4 ألف شخص، بزيادة تقارب 18% مقارنة بالسنة السابقة.
عندما يحتاج المزارعون إلى عمالة يدوية بأجور زهيدة فإنهم يتجهون إلى وسطاء معروفين باسم «كابورالي»
مع اقتراب فصل الشتاء ليس هناك حاجة إلى عدد كبير من العمال في الحقول؛ لذا يهاجر بعض العمال إلى الجنوب لحصاد البرتقال، ويذهب البعض الآخر إلى المدن الصناعية في الشمال.
12
ألف مهاجر يعملون في مزارع مقاطعة فوجيا الإيطالية ويعيشون في غيتوهات وسط ظروف سيئة.
الحياة في الغيتو
«غيتو المدرج» اتخذ من مطار قديم موقعاً له. عن المصدر
غادر علي محمد، (19 عاماً)، موطنه مالي عندما كان عمره 16 عاماً، وهو الآن يعيش في مخيم للعمال المهاجرين بالقرب من بورجو ميزانون، وهي قرية ريفية يقطن بها 500 شخص. هذه المنطقة كانت موقعاً لمطار عسكري تم نقله إلى موقع آخر، وأصبح مكانه في ما بعد سكناً للعمال الذي استغلوا الحاويات والخيام والأكواخ التي تركها الجيش وراءه، وتعرف هذه المنطقة بـ«غيتو المدرج».
ويقيم في الأقسام المختلفة من المدرج مجموعات من الناس، بكنائسهم ومساجدهم ومتاجرهم الخاصة ومقاصبهم، وحتى نواديهم الليلية. ويقول محمد إنه خلال السنة التي قضاها في ليبيا في طريقه إلى إيطاليا تعرض للسجن والتعذيب من قبل الميليشيات في طرابلس، واضطرت عائلته لإرسال ما يعادل 600 دولار لهذه الميليشيات مقابل إطلاق سراحه، لكن لا شيء يغضبه أكثر من المعاملة القاسية التي تلقاها في إيطاليا. ويتساءل «كيف يمكن لدولة من العالم الأول أن تجعل الناس يعيشون بهذه الطريقة؟».
لم يعد محمد يعمل في الحقول، ويعمل الآن ميكانيكياً في المعسكر، ولأنه لا يعمل مع أرباب المزارع، يقول إنه لا يخشى التحدث عن الإساءات التي شهدها خلال الفترة القصيرة التي قضاها في الزراعة. يقول «لقد رأيت إخوتي يعملون تحت الشمس التي تلهب ظهورهم لمدة 12 ساعة، ومع ذلك يتم حرمانهم من أجرهم»، ويضيف «إذا اشتكى أحدهم فسيتعرض للضرب من صاحب الأرض الإيطالي».
ترجمة: ع-خ عن «الغارديان»
قانون صارم لمكافحة استغلال المهاجرين
دعا حاكم بوجليا، ميشيل إيميليانو، الشركات إلى تفكيك نظام العصابات من خلال توظيف المهاجرين بشكل قانوني. وقال إيميليانو إن المزارعين الذين يستخدمون العصابات يعرضون أراضيهم الزراعية للمصادرة بموجب قانون صارم لمكافحة الاستغلال تمت إجازته عام 2016، في أعقاب وفاة عاملة مزارع العنب، الإيطالية باولا كليمنتي، البالغة من العمر 49 عاماً، فقد ظلت تعمل في حقول بوغليا حيث كانت تكسب 2.4 دولار في الساعة، لكنها توفيت بسبب نوبة قلبية أثناء العمل. وكشف التحقيق القضائي في قضيتها أن موظفيها استغلوا ظروفها الاقتصادية السيئة لابتزازها وتقليص أجرها، وفرضوا عليها ظروف عمل قاسية.
ويعني القانون الجديد أن الأشخاص الذين يثبت أنهم يستأجرون عمالاً من خلال أفراد العصابات الذين يستغلون العمال يمكن أن يواجهوا عقوبة السجن لمدة تصل إلى ثماني سنوات. ويوفر القانون لضحايا الاستغلال الحماية والموارد نفسها التي يتم توفيرها لضحايا الاتجار بالجنس، مثل إتاحة فرص التدريب المهني للضحايا.
ترجمة: ع-خ عن «سي إن إن»
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news