«سور الأزبكية» ينجح بإقامة أول معرض كتب للفــقراء في مصر
نجح «سور الأزبكية» بحي العتبة في القاهرة، المشهور تاريخياً باحتوائه على أكثر الكتب ندرة وتنوعاً وأقلها سعراً، في إقامة أول معرض كتب شعبي أطلق عليه الاعلام اسم «معرض الفقراء»، بعد أن فشل باعة السوق وأصحاب مكتباته في الوصول الى اتفاق مع معرض القاهرة للكتاب بشأن أسعار التأجير التي ارتفعت بشكل يفوق طاقة الأزبكية، علاوة على ضيق المساحات، بعد انتقال المعرض الرسمي إلى التجمع الخامس. وفيما أكد باعة بالسور لـ«الإمارات اليوم» النجاح الأولي لتجربة إقامة المعرض، اعترفوا بنواقص التجربة التي تشمل غياب الدعاية والفضائيات وعدم اجتذاب الهيئات الثقافية المختلفة حتى الآن، مشيرين الى أن «هذا وضع طبيعي لتجربة في أولى خطواتها»، معتبرين أن تجاوز هذا القصور هو «دور المثقفين الذين طالما اعتمدوا في مكتباتهم ومقتنياتهم الثقافية على كتب السور، ووجب عليهم رد الجميل».
سوق تاريخية
وشهدت منطقة «سور الأزبكية» السوق التاريخي لأكبر مجموعة كتب في مدينة القاهرة، أعلى محطة مترو العتبة، والذي يعود تاريخه الى عام 1907؛ أول معرض شعبي بدأت فعالياته في الأول من فبراير وتنتهي اليوم، بعد تأكد عدم مشاركة السور في المعرض الكبير بالتجمع الخامس، وأعلن المعرض على لافتاته الاعلانية أن معظم الكتب التي يتم بيعها تتداول أسعارها ما بين 5، و10، و15 جنيهاً مصرياً، كما قدمت مكتبات خصومات وصل بعضها الى أكثر من 50% على الكتب المعروضة، واستطاع باعة المعرض بإمكانات متواضعة إضفاء طابع جمالي وتنظيمي على المعرض، حيث انتشر شباب بعضهم يرتدون قمصاناً تحمل شعار المعرض، كما أصدروا بطاقات تعريفية للمعرض ونشروا دعاية له على صفحات التواصل الاجتماعي.
خصومات
وكانت صفحة معرض القاهرة للكتاب أعلنت على صفحتها على «فيس بوك» أن «الهيئة لم تتعمد منع سور الأزبكية، لكنها نفذت قرارات اتحاد الناشرين المصريين والعرب بعدم مشاركة أي بائع يقوم بعرض وبيع الكتب المزورة، حماية لحقوق الملكية الفكرية، وبديلاً عنه قامت بخطوتين مهمتين: تخصيص جناح كبير للكتب المخفضة، تابع لهيئة الكتاب، تبدأ أسعاره من جنيه واحد، وإقرار خصومات غير مسبوقة بدور النشر المختلفة على الكتب الأصلية التي يقبل عليها الجمهور». كما أوضح رئيس اتحاد الناشرين المصريين سعيد عبده، أن تجار سور الأزبكية وضعوا شرطاً يقضي بمشاركتهم جميعاً في المعرض، بعدد يصل الى 118 تاجراً، ومعظمهم بلا أوراق رسمية، كما أنهم رفضوا إجراء قرعة على العدد، كما أشار أيضاً الى استمرار وجود مشكلتي الكتب المزورة والخلاف حول الإيجارات مع تجار السور.
فكرة قديمة
وقال شيخ بائعي سور الأزبكية حربي محسب رداً على الاتهامات الموجهة لهم، إن «فكرة إقامة مهرجان للسور ابتداءً ليست جديدة، فقد سبق أن نفذناها أثناء ثورة 25 يناير، لكنها لم تستمر أكثر من سبعة أيام، نظراً للظروف الأمنية، وقد عدنا إليها هذه المرة بعد منعنا من المشاركة في المعرض الكبير، حيث طلبوا مشاركة 33 تاجراً فقط من بين 118، لذا اعترضنا على العدد، واعترضنا على المفاضلة بيننا، لأننا مثل المزارعين ننتظر الموسم، وظروفنا ومعاناتنا متشابهة، كما اعترضنا أيضاً على قيمة الحجز، حيث وصل المتر إلى 1500 جنيه ثم تم تخفيضه لـ1200، بينما عضو الناشرين يُمنح المتر بـ960 جنيهاً، فمن منا أولى بالدعم، نحن بظروفنا البسيطة أم الناشرون الذين هم في وضع مالي أفضل منا؟». وختم محسب «رب ضارة نافعة، فقد أقمنا المهرجان ونجح، وكشف عن مدى حب الشعب والناس لسور الأزبكية».
وقال بائع بالسور اسمه أحمد، لـ«الإمارات اليوم» معلقاً «الحضور معقول جداً، نعتبر أنفسنا نجحنا في إقامة المعرض، نحن لا ننافس ولا نوازي المعرض الرسمي وإنما نتكامل معه، لدينا شريحتنا الخاصة بحكم دخلها واهتماماتها، مثل البحث عن الكتب التراثية والقديمة والموسوعات ومجموعات الأعمال الروائية الكلاسيكية، منخفضة القيمة، والكتب المستعملة التي لا يمكن أن تشترى إلا من مكتباتنا، كما أن الفكرة نشأت بسبب أننا اشترينا كميات هائلة لبيعها في المعرض، وعندما اختلفنا أصبح علينا أن نجد منفذاً لبيعها، ولو اقتصر الأمر على هذا فيكفينا أنها حلت المشكلة».
أبرز المعالم
وقال الروائي والقاص حشمت يوسف لـ«الإمارات اليوم» إن «سور الأزبكية هو واحد من أبرز المعالم الثقافية التي عرفتها مصر، وإليه يعود الفضل في إنشاء مكتبات خاصة لأجيال من المثقفين وفي تشكيل وعيها وتكوينها الفكري، والناس تأتي سواء من الصعيد أو الوجه البحري للتزود بكتبه، خصوصاً في ظل ثمنها الزهيد، واحتمال العثور على كنوز ثقافية حقيقية».
تاريخ حافل
سور الأزبكية كان يمتد في السابق من العتبة حتى تمثال إبراهيم باشا بميدان الأوبرا، ويعود تاريخه الى عام 1907، وكان باعة الكتب يطوفون حوله في البداية ثم استقروا في أكشاك بداخله منذ عام 1949، بعد توجه 30 بائعاً ممثلين لزملائهم ولقائهم رئيس وزراء مصر آنذاك مصطفى النحاس، كما أصدر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر قراراً عام 1959، بناء على شكوى البائعين أيضاً بتقنين هذه الأكشاك رسمياً شريطة ألا يغير البائعون مهنتهم، فوصل عددهم في مطلع الثمانينات إلى 310 بائعين، بحسب رواية الهيئة العامة للاستعلامات المصرية. ويضم السور 130 مكتبة يتاخمها ثلاثة مسارح هي: المسرح القومي، ومسرح الطليعة، ومسرح العرائس، ومقهى «المختلط» الذي كان ملتقى الثقافات المختلفة، وقد صدر قرار في الثمانينات بنقله إلى «ترب الخفير»، إلا أن ضغط الحركة الثقافية والكتابات الصحافية أعاده مجدداً إلى منطقة العتبة، لكنه شغل حيزاً محدوداً في مدخل محطة مترو العتبة.
ويعد الزعيم الراحل جمال عبدالناصر من أشهر رواد السور، كما تضم قائمة رواده المصريين حائز «نوبل» الأديب العالمي نجيب محفوظ، والكاتب الراحل عباس محمود العقاد.