مع تقدّم السجناء في العمر وغياب رؤية واضحة
رعاية معتقلي غوانتانامو.. عبء طبّي ومشكلة إنسانية متفاقمة
بلغ أكبر المحتجزين، في غوانتانامو، 71 عاماً من العمر، فيما تجاوز كثيرون آخرون الـ50، وليس من الواضح تماماً كيف تخطط الحكومة الأميركية لرعاية المعتقلين في سن الشيخوخة.
السجناء الـ40 الباقون في قاعدة خليج غوانتانامو البحرية يعانون الأمراض الجسدية نفسها لأي شخص يكبر في السن. هناك من هم بحاجة إلى استبدال مفصل الورك، وجراحات العين، وعلاج توقف التنفس أثناء النوم، واضطرابات الصحة العقلية، وربما قد يعاني بعضهم السرطان والخرف، في يوم ما. نظراً لأن اللجان العسكرية التي صممتها إدارة جورج بوش الابن، تميل بشكل غير متساوٍ إلى الإدانات، فقد ألغت محكمة استئناف فيدرالية، أخيراً، ثلاث سنوات من الدعاوى القضائية في قضية المدمرة الحربية «كول»؛ ويبدو أنه من المحتمل بشكل متزايد أن يشيخ الكثير من هؤلاء الرجال ويموتون على حساب دافعي الضرائب في الولايات المتحدة.
يطرح كبار السن في غوانتانامو تحديات فريدة للأدميرال جون رينج، وهو آخر مسؤول في سلسلة من الضباط الذين أداروا المعتقل في مهمات تدوم عاماً واحداً. ويقول محامو الدفاع إن العديد من المحتجزين يعانون الآثار السيئة لأساليب الاستجواب الوحشية التي تُعتبر الآن بمثابة تعذيب. لقد التزمت الولايات المتحدة بتوفير الرعاية الصحية نفسها، التي توفرها لقواتها، للمحتجزين الباقين، على النحو المطلوب في اتفاقيات جنيف. لكن المنشآت الطبية الآمنة التي تم بناؤها لعلاج المحتجزين الذين يُطلق عليهم رينج «الضيوف»، لا تتعامل مع كل نوع من أنواع جراحات مرضى الشيخوخة التي يحتاجها المرضى عادةً، ولم يتم بناؤها كي تستمر إلى الأبد. وحظر الكونغرس نقل المحتجزين إلى الولايات المتحدة، ما يعني أن أي علاج يتلقونه يجب أن يتم في موقع بعيد، على طرف كوبا.
وضع صعب
وقال رينج: «إنني في وضع صعب»، مضيفاً «المادة الثالثة من اتفاقيات جنيف، تنص على ضرورة إعطاء المحتجزين رعاية طبية مكافئة كالتي تقدم للجندي. لكن إذا مرض جندي، فإني أرسله إلى الولايات المتحدة. وهكذا فأنا أجد نفسي عالقاً. كل ما يحتاجه المعتقل يجب أن يتم هنا في غوانتانامو».
في الوقت الحالي، مع تمتع أغلب المعتقلين بصحة كافية للاستغناء عن المساعدة، فإن هذا النظام يعمل في الغالب. ويتم نقل المتخصصين والمعدات إلى المعتقل سيئ السمعة، حسب الحاجة، بما في ذلك زنزانة خاصة يمكن للمعاقين استخدامها، حتى يتسنى لنزيل يبلغ من العمر 57 عاماً يتعافى من عملية جراحية في العمود الفقري البقاء ليوم كامل، بدلاً من تحمّل مشقة النقل ذهاباً وإياباً من مرفق الاحتجاز.
قيل للمسؤولين في الجزيرة بأن يتوقعوا استمرار عمل المنشأة العسكرية لمدة 25 سنة أخرى. معظم التخطيط طويل الأجل لتحويل غوانتانامو إلى «دار لرعاية الإرهابيين»، يعود إلى صانعي السياسة في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)؛ وليس من الواضح إلى أين وصل التخطيط بالفعل.
«الكثير منهم مصابون بالسكري. هل سأقوم بغسيل الكلى هنا؟ لا أدري. شخص ما يجب أن يوضح لي الأمر. هل سنقوم بالعناية المعقدة بمرضى السرطان هنا؟»، وأعاد رينج للصحافيين، مرات عدة، عبارة «لا أعرف - على شخص ما أن يخبرني بذلك».
وتساءل الأدميرال رينج «من النزلاء من هم في مرحلة ما قبل السكري. وهل سننشئ مركزاً لعلاج السرطان في المعتقل؟ لا أعلم. يتعين أن يخبرني أحدهم بما سنفعله».
خطة البنتاغون
يقول رينج: «إننا في المراحل الأولى من الشعور بهذه المشكلة»، والهدف بعيد المدى هو الاستمرار في إيواء المحتجزين في مجتمع مترابط، حتى يتمكنوا من المساعدة في رعاية بعضهم بعضاً مع تقدمهم في السن. في الأشهر المقبلة، سيتم إرسال فريق لدراسة كيفية تعامل مرافق المكتب الفيدرالي للسجون في الولايات المتحدة مع رعاية نهاية العمر للسجناء المسنين. وفي النهاية، يتوقع كبير المسؤولين الطبيين، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، أن يتم تغيير وحدة الرعاية العاجلة للمحتجزين، حيث قام جراحون بالفعل بعمل كلٍّ من الإجراءات الطارئة والإجراءات الاختيارية، التي يتطلبها القانون الخاص بذوي الإعاقة.
تم بناء هذا المرفق نوعاً من التدابير المؤقتة، وهو ليس الحل النهائي. وتم تصميم وحدة الرعاية الطارئة للمحتجزين بإطار زمني مدته سبع سنوات، لذا بحلول عام 2025، سيتعين على المسؤولين في البنتاغون النظر في حل دائم.
لكن الخبراء يقولون إنه لايزال هناك الكثير من الأسئلة التي لم تتم الإجابة عنها حول مستوى الرعاية التي ستتاح للمعتقلين.
وفي ذلك يقول ستيفن شيناكيس، وهو طبيب نفسي عسكري متقاعد عمل مع معتقلي غوانتانامو، ويدافع الآن ضد التعذيب في منظمة أطباء لحقوق الإنسان غير الحكومية: «لا يمكنني أن أتصور إمكانية دمج مجموعة من التخصصات في مكان واحد»، موضحاً «كل ما نفعله في جناح الأمراض العصبية يختلف تماماً عن إجراءات مرضى القلب. وعلى أعلى المستويات، سيتعين اتخاذ بعض القرارات الصعبة للغاية».
أمر تنفيذي
تقول مذكرة للبنتاغون في فبراير 2018، بعد فترة وجيزة من إعلان الرئيس دونالد ترامب أنه سيبقي غوانتانامو مفتوحاً، إن القيادة الجنوبية للولايات المتحدة ستوفر للمحتجزين مستوى العناية نفسه الذي توفره القوات المسلحة الأميركية لجنودها، «فقط عندما يكون ذلك ممكناً» وإلى أقصى حد ممكن. وإذا لم يتم توفير الرعاية المناسبة في الجزيرة، وفقاً للمذكرة، «سيتم تشكيل لجنة لتوفير التوجيه في الإجراءات الطبية». توجه المذكرة رئيس هيئة الأركان المشتركة إلى وضع «أمر تنفيذي» من شأنه، من بين أمور أخرى «تحسين الخيارات الطبية، ومعالجة القضايا الصحية العاجلة والمزمنة، ومتطلبات العلاج الطبي على المدى الطويل، ومتطلبات التوظيف، والتغييرات الهيكلية في المعسكرات والمرافق الطبية».
وتقول المذكرة، الموقعة من قبل وكيل وزارة الدفاع للسياسة، جون رود «هذه المذكرة ستساعد في تحديد المدى العملي للقدرات الطبية التي يمكن الاستفادة منها في غوانتانامو من أجل توفير الرعاية الطبية المناسبة التي تتطلبها حالة المحتجز».
أمر تنفيذي
لم يتم إصدار أمر تنفيذي بخصوص الرعاية الصحية للمعتقلين في أبريل، وليس متوقعاً حتى يونيو، وفقاً للعقيد المتحدث باسم هيئة الأركان المشتركة، بات رايدر؛ الذي أوضح أن «هذه التوجيهات الجديدة هي خطوة أولى نحو معالجة إرشادات سياسة الرعاية الصحية للمحتجزين».
وعلى الرغم من أن المذكرة توجه مكتب مساعد وزير الدفاع للشؤون الصحية إلى تحديث لوائح وزارة الدفاع التي تحكم دعم البرنامج الطبي لعمليات المحتجزين، إلا أنه لم يتم تعديلها منذ عام 2006.
40
معتقلاً لايزالون يقبعون في غوانتانامو
السجناء الباقون في غوانتانامو يعانون الأمراض الجسدية نفسها لأي شخص يكبر في السن. هناك من هم بحاجة إلى استبدال مفصل الورك، وجراحات العين، وعلاج توقف التنفس أثناء النوم، واضطرابات الصحة العقلية.
علامات استفهام
عبر أحد الممرات في معتقل غوانتانامو، يجلس الحراس وهم يشاهدون من خلال زجاج أحادي الاتجاه السجناء وهم يشربون الشاي ويتجاذبون أطراف الحديث ويقرأون ويتناولون الطعام. وبدأ بعض المحتجزين في استخدام العصي للمشي، لكن لم يظهر أيّ منهم علامات على مرض خطير متعلق بالعمر حتى الآن، وفقاً لما ذكره كل من مدير المعتقل الأدميرال جون رينج، والمسؤول الطبي الأول.
ويتوقع كبير المسؤولين الطبيين أن تكون هناك حاجة، قريباً، لاستبدال مفصل الورك والركبة، بالنسبة لبعض المحتجزين. فيما بدأت تظهر حالات قليلة للإعاقة الإدراكية المبكرة.
لكن لا أحد يستخدم كرسياً متحركاً بشكل دائم، حتى الآن، ولا أحد يعاني السرطان، كما قال مسؤولو المعتقل. ولم يتم تشخيص أي حالة خرف. وبالمقارنة مع السكان الأميركيين فإن هناك تطابقاً مع تقدم العمر، على الرغم من أن هناك ارتفاعاً في ضغط الدم والسكري ومعدل الكولسترول واضطراب الصحة العقلية في ما يخص المعتقلين.
يثير هذا الادعاء بعض علامات الاستفهام بين ضباط وزارة الدفاع الأميركة (البنتاغون) الحاليين والسابقين الذين عملوا مع المحتجزين في المعتقل. ويعتقد الرائد جيمس فالنتين، وهو محامي الدفاع الذي عينته الحكومة لاثنين من المعتقلين المحتجزين في «المعسكر 7»، الذي يتمتع بأقصى درجات الأمن في خليج غوانتانامو، أن أحد موكليه يعاني السرطان. وقال إن أحدهما، يدعى محمد رحيم، أظهر عقيدات تنمو على الأقل في خمسة أعضاء مختلفة من الجسم؛ «عادةً ما يكون هذا مؤشراً الى نوع من النمو السرطاني عندما ينمو في أجزاء مختلفة من الجسم». وأكد فالنتين أنه ليس طبيباً ولا يستطيع الوصول إلى سجلات رحيم الطبية الكاملة.
يعاني معتقلون آخرون ظروفاً مرضية مزمنة مختلفة، ويلقي محامي الدفاع باللائمة فيها على سوء المعاملة من جانب المحققين الأميركيين؛ وعلى وجه الخصوص إجراء «الجدار»، إذ يوضع حول عنق المحتجز طوق معدني ويبقى واقفاً في اتجاه جدار. إضافة الى استخدام أساليب الإجهاد، إذ يبقى المعتقل مقيداً في وضع مؤلم لفترة طويلة من الزمن.
تحديات الرعاية
بعض نزلاء غوانتانامو بلغ الـ70 من العمر. أرشيفية
ما يضاعف تحديات رعاية نزلاء معتقل غوانتانامو، سياسة طويلة الأمد تتمثل في أنه لا يُسمح لمقدمي الرعاية الطبية بسؤال المحتجزين عن أسباب أي إصابة أو مرض، الذي قد يكون نتيجة استخدام أساليب التعذيب أثناء الاستجواب.
هذا يعني أنه لا يمكن الحصول على التاريخ السريري الصحيح الذي يحتاجه أي طبيب، إذ هو بحاجة إلى معرفة ما حدث. ووفقاً لأطباء، فإن التاريخ المرضي مهم بشكل خاص عند تقديم الرعاية الصحية العقلية للمرضى المسنين، إذ تتقلص قدرتهم على التعامل مع الأشياء، وبالتالي فإن هذه التجارب التي مروا بها في سنوات شبابهم، يجب إعادة النظر فيها بوضوح شديد.
يزداد الاكتئاب مع تقدم العمر، وهناك تشخيصات متعلقة بالصحة العقلية تظهر بشكل أكبر مع تقدم العمر. حتى إذا كان المحتجزون يتمتعون بصحة جيدة الآن، فإن مدير المعتقل الأدميرال جون رينج يعترف بأن بعض المحتجزين قد لا يكونون سليمين عقلياً في الوقت الذي يتم فيه عرض قضيتهم على المحاكمة.
ويقول رينج «بينما تستغرق عمليات اللجان وقتاً طويلاً، أعتقد أن هناك حالات منعزلة قد لا تكون قادرة على المشاركة في التحقيقات، لكنني أعتقد بشكل عام أن أغلب المحتجزين سيكون بإمكانهم التواصل مع جهات التحقيق بشكل جيد.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news