«ركام المنازل المدمرة» مصدر دخل سيدة غزية لتوفير لقمة العيش
عندما اقتربت عقارب الساعة من السابعة صباحاً، وبعد إعداد وجبة الإفطار لعائلتها، نادت جهاد أبومحسن (50 عاماً)، على طفلها كريم ليرافقها في عملها اليومي، فيما أوصت ابنها الأكبر محمد (14 عاماً)، بأن يبقى بجوار والده المريض لرعايته.
بعد أن أصبح كريم (تسعة أعوام) جاهزاً، مصطحباً أداة العمل الخاصة (مطرقة)، غادر هو ووالدته منزلهما الواقع في مخيم نهر البارد، وهو عبارة عن منطقة عشوائية في مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، ليستقلا عربة يجرها حمار، متجهين إلى المنازل المدمرة، التي تعد مصدر العائلة للبحث عن لقمة العيش.
وتجوب (أم محمد)، على مدار 12 ساعة متواصلة، مناطق مختلفة في القطاع، للبحث عن أكوام الركام المتناثرة للبيوت المدمرة، وبمجرد الوصول تباشر هي وطفلها بجمعها، بعد تحويلها إلى مكعبات صغيرة لسهولة نقلها.
وبعد أن تملأ عربتها بالحجارة، بمساعدة طفلها، تتوجه إلى مصانع مواد البناء لبيع ما جمعته، لتحصل بعد رحلة عمل شاقة على بضعة شواكل، تؤمن بها احتياجات أطفالها، وتوفر علاجاً لزوجها المصاب بمرض مزمن، جعله غير قادر على إعالة عائلته.
«الإمارات اليوم» رافقت السيدة (أم محمد) في رحلة عملها وكفاحها لتوفير لقمة العيش، حيث تواجه مشقة كبيرة على مدار ساعات عملها اليومي، فبنيتها الجسدية هي وطفلها لا تتحملان مثل هذه المهنة، إلا أن ذلك أهون بكثير من مرارة أوضاعهما المعيشية القاسية، حسب تعبيرهما.
وتقول (أم محمد)، لـ«الإمارات اليوم»، وملامح التعب ظاهرة على وجهها: «إن الأوضاع المعيشية لأسرتي صعبة للغاية، فزوجي حالته الصحية متردية، ولا يتمكن من العمل بسبب فقدانه البصر، وإصابته بمرض مزمن، فلا يتوافر لدينا مصدر دخل يساعدنا على مواصلة الحياة». وتضيف: «لم أقف مكتوفة اليدين أمام ذلك، فلن أرضى أن أطلب حاجة أسرتي من أحد، ولا أقبل أن يحرم طفلاي من الطعام، وزوجي من العلاج، فكان لابد من البحث عن مصدر دخل، لتأمين متطلبات عائلتي، ليشعروا بحياة كريمة كغيرهم». وتتابع: «أخرج من منزلي يومياً الساعة السابعة صباحاً حتى السابعة مساء، حيث أجوب كل المناطق لجمع الحجارة من ركام المنازل المدمرة، أو الموجودة بين البيوت بعد أن أتلفها أصحابها، وبعد امتلاء العربة بالحجارة أتوجه لبيعها إلى مصانع الطوب التي تعيد تدويرها مرة أخرى، حيث يشتري مني صاحب المصنع حمولة كل عربة بثمانية شواكل». وتشير إلى أنها تتمكن من جمع الحجارة ونقلها عبر العربة ثلاث أو أربع مرات طوال 12 ساعة متواصلة، مبينة أنها تحظى في نهاية اليوم بعائد مادي يراوح بين 25 و30 شيكلاً. وبعد أن تنهي (أم محمد) عملها الشاق، وخلال عودتها إلى منزلها، تشتري ما يحتاج إليه طفلاها من طعام، وتوفر علاج زوجها، لتضع رأسها على وسادتها، وهي مطمئنة، بعد أن رزقها الله بما تسد به رمق عائلتها. وتشعر (أم محمد) بالسعادة والرضا بسبب العائد الذي تحصل عليه، رغم خطورة ومشقة عملها، وتقول: «عندما أعود في نهاية اليوم إلى منزلي، وأشاهد طفليَّ فرحين بما وفرته لهما، أشعر بسعادة لا حدود لها لأنني تمكنت من إدخال الفرحة إلى قلبي طفليَّ، وإعانة زوجي، فالكد والتعب لكسب لقمة العيش، أفضل من التسول وطلب الحاجة». وتعيش عائلة أم محمد أبومحسن في بيت متواضع، مسقوف بألواح الصفيح، ولا تتوافر فيه مقومات الحياة من أثاث ومستلزمات العيش الكريم، فالمنطقة التي تقطن فيها مهمشة من قبل الحكومة، وتفتقر إلى مشروعات البنى التحتية، وشبكات المياه والصرف الصحي.