مناهضة كبار السن ظاهرة تثير القلق في بريطانيا
يعترف أكثر من ثلث الشعب البريطاني بأنه أبدى التمييز ضد الآخرين بسبب أعمارهم، وفقاً لبحث جديد حول التعامل اليومي مع كبار السن، وأوضحت الدراسة أن أولئك الذين هم في الثلاثينات من العمر هم الأكثر تمييزاً. ووجد تقرير «أيجيست بريتن»، الذي شمل 4000 من البالغين في المملكة المتحدة، وقام بتحليل آلاف التغريدات والتدوينات في المملكة المتحدة، أن هناك واحداً من بين كل 30 شخصاً، اعترف بالتمييز بانتظام ضد أي شخص يزيد عمره على 50 عاماً، وقال أكثر من واحد من بين كل 10 أشخاص، إنهم لا يعلمون إن كانوا مناهضين لكبار السن أم لا.
ووجد الباحثون أن «العجوز الصغير» و«العجوز اللدود»، وغيرهما من العبارات الأكثر استخداماً على وسائل التواصل الاجتماعي. ومن بين المصطلحات الشائعة الأخرى «السيدة / السيد في سن معينة». وقالت كارول فوردرمان، التي عملت مع مؤسسة «صن لايف» في البحث: «يوضح التقرير أننا أمام عبارات وسلوكيات تشير إلى أن الحياة بعد منتصف العمر قد تكون مروعة، وأنها تتجه إلى الأسوأ،» موضحة: «هذا غير صحيح، لكن هذه المدرسة الفكرية غير المنطقية ستستمر ما لم نسلط الضوء على هذا النوع من اللغة، والتأثير الذي يمكن أن يحدثه».
مناهضة كبار السن باتت تثير قلق خبراء الصحة العقلية، مع وجود دليل على أنه يمكن أن تؤثر في الصحة العقلية للأشخاص المستهدفين، إذ يُسرع هذا السلوك ظهور علامات الخرف ويقصّر من العمر المتوقع. لكن التقرير وجد أن 40% من البريطانيين الذين تزيد أعمارهم على 50 عاماً يتعرضون للعنف اللفظي بشكل منتظم، مع واحد من كل ثلاثة في العمل، وواحد من كل 10 في وسائل النقل العام، وواحد من كل سبعة أثناء التسوق.
مذنبون بشدة
الأشخاص الذين بلغوا الثلاثينات من العمر مذنبون بشدة في استخدام اللغة العُمرية، مع اعتراف نصفهم تقريباً بأنهم كانوا ينفرون من كبار السن في مرحلة ما. لكن في حين أن أكثر من نصف الذين تجاوزوا الـ50 من العمر الذين شملهم الاستطلاع، يعتقدون أن اللغة العمرية غير مقصودة، يقول 68% من المستطلعة آراؤهم إن هذه العبارات التمييزية جعلتهم يشعرون بأنهم أقل قيمة، فيما قال 60% إنها تجعلهم غير سعداء، و52% باتوا يفضلون العزلة.
وقالت فوردرمان: «بالنسبة لأكثر من ثلثي أولئك الذين تزيد أعمارهم على 50 عاماً، يشعرون بأن تعرضهم للتمييز على أساس العمر أمر غير مقبول»، موضحة: «الحياة بعد الـ50 مختلفة، ويمكن أن تكون أفضل مرحلة على الإطلاق، فهي أقل إرهاقاً وأقل منافسة وأكثر حرية وأكثر سعادة، والحياة في أي عمر جميلة، لذا فقد حان الوقت للتوقف عن استخدام اللغة العُمرية عن قصد أو غير قصد».
ووجد التقرير أن ساوثهامبتون كانت المدينة الأكثر تمييزاً ضد كبار السن في المملكة المتحدة، حيث أقرّ 46% من المستطلعة آراؤهم بأنهم مارسوا التمييز ضد شخص ما على أساس العمر، وبريستول الأقل بـ20% فقط. ويعتقد نحو نصف المشاركين ممن هم أكثر من الـ50، في ويست ميدلاندز ويوركشاير، أن مشكلة الشيخوخة تزداد سوءاً، أكثر من أي منطقة أخرى في المملكة المتحدة.
ورحبت إيما توينينج، من مركز الشيخوخة، بالتقرير قائلة: «هذه العبارات الخفية والمؤذية موجودة في كل مكان، من البرامج التلفزيونية التي نشاهدها وهي تضم شخصيات مُسنة ولكن عزيزة، وكريمات الوجه المضادة للشيخوخة التي نشتريها، إلى وسائل الإعلام التي تركز على عبء شيخوخة السكان في بريطانيا»، وأضافت الباحثة: «تشير الدلائل إلى أن هذا السرد المجتمعي يؤثر سلباً في تجاربنا الشخصية المتعلقة بالشيخوخة، وربما في صحتنا ورفاهيتنا».
وقالت مديرة مؤسسة «أيج» الخيرية، كارولين أبراهامز: «يجب ألا نقبل استخدام اللغة العُمرية لتصبح مثل أي شكل آخر من أشكال التمييز»، وتوافقها شيللي هوبكنسون، التي تعمل في مؤسسة «إندبندنت أيج»، قائلة: «جزء من المشكلة أن الناس غالباً لا يدركون أن اللغة التي يستخدمونها يمكن أن تكون مؤذية لفئة عُمرية معينة، أو تسبب اعتداء على الآخرين».
فضيحة وطنية
وأكد المدير التنفيذي لمؤسسة «كير انجلند»، مارتن جرين، أن المملكة المتحدة «مناهضة لكبار السن فعلياً وبشكل مؤسسي»، وقال جرين، وهو أيضاً رئيس «المركز الدولي لتوقعات العمر»، إن مناهضة كبار السن في بريطانيا «فضيحة وطنية» تجب ملاحقة مرتكبيها في المحاكم، وأضاف أن «لجنة المساواة وحقوق الإنسان» يجب أن «تشعر بالخجل الشديد» بسبب فشلها في متابعة أكبر عدد ممكن من قضايا التمييز على أساس العمر عبر المحاكم، مثل غيرها من قضايا التمييز، مثل العنصرية وغيرها.
إلى ذلك، شككت اللجنة العليا لحقوق الإنسان في مزاعم جرين، لكن أرقامها تشير إلى أن ثماني من المخالفات الـ27 في أغسطس 2018، كانت تتعلق بالعمر. وقال جرين: «تتجاهل اللجنة فيلاً في غرفة صغيرة»، متابعاً «على الرغم من أنني شخصياً لفت انتباهها عدة مرات، بحيث لا يمكنني إلا أن أفترض أن اللجنة باتت جزءاً من المشكلة، إنه سلوك مؤسسي ضد فئات عمرية معينة مثل بقية المجتمع».
وبين تقرير صادر عن الجمعية الملكية للصحة العامة أن المواقف القائمة على التمييز العنصري موجودة عبر الأجيال، ما يؤثر في الصحة والرفاهية. وقال كبير مديري السياسات في «أيج يوكاي»، كريستوفر بروكس، إن كبار السن غالباً ما يتعرضون لمعاملة تمييزية عبر الخدمات العامة والخاصة في الرعاية الصحية والاجتماعية، إذ «تنخفض معدلات العلاج بشكل غير متناسب للأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 70 عاماً، في مجالات مثل الجراحة والعلاج الكيميائي وعلاجات مشاكل النطق»، موضحاً أنه «في مجال التوظيف، وجد استطلاع أجرته (يو غوف) في عام 2017، أن 36% ممن تزيد أعمارهم على 55 عاماً، شعروا بأنهم لا يحصلون على حقوقهم في العمل بسبب سنهم».
تمييز
قال ربع كبار السن في إنجلترا إنهم واجهوا في الآونة الأخيرة تمييزاً بسبب العمر، كما كشف باحثون، في دراسة أخرى، أن التمييز قد يكون له أثر كبير في صحتهم. ويقول الخبراء إن مع نمو عدد السكان الأكبر سناً، من المهم فهم تأثير هذا السلوك السلبي، وإيجاد طرق للتصدي للتمييز وآثاره، لمساعدة الناس على البقاء بصحة جيدة مع تقدمهم في السن.
«هذه قضية جوهرية يبدو أن لها تأثيراً كبيراً في الصحة والرفاهية» تقول المؤلفة الرئيسة للدراسة، سارة جاكسون، من جامعة كوليدج بلندن وتضيف «إنها دعوة للعمل من أجل الاستراتيجيات».
التهديد والمضايقة
قال مراقبون وخبراء إن قضايا، مثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وضغوط الإسكان، أسهمت في زيادة التمييز على أساس العمر، رغم أن العديد من كبار السن يعاني أيضاً من مشكلات مالية واجتماعية. وقال أستاذ الصحة العامة في كلية لندن للصحة والطب الاستوائي، مارتن ماكي: «نحن بحاجة إلى تحدي هذه الأفكار التي تفيد بأن كبار السن بخير، وأنهم سرقوا رفاهية الجيل الحالي».
وقام باحثون في الصحة العامة بتحليل بيانات من دراسة سابقة للشيخوخة في إنجلترا، ونظر الباحثون في ردود أكثر من 7700 مشارك تزيد أعمارهم على 50 عاماً، على أسئلة حول عدد المرات التي شعروا فيها بأنهم تعرضوا للتمييز، وما إذا كانوا يعتقدون أن العمر كان عاملاً.
ومن أمثلة التمييز الذي حدث أخيراً، التعرض للتهديد أو المضايقة، العام الماضي، وأيضاً التعرض للتمييز من قِبل الأطباء أو في المستشفى. وكان الذكور والأقل ثراءً أكثر المتورطين في تعنيف كبار السن. وبمجرد أخذ هذه العوامل في الاعتبار، وُجد أن أولئك الذين قالوا إنهم عانوا أخيراً شكلاً واحداً على الأقل من أشكال التمييز العُمري، هم أكثر عرضة لوصف صحتهم بأنها سيئة، مقارنة بأولئك الذين لم يتعرضوا للتمييز.
وتشير النتائج، أيضاً، إلى أنه كلما زاد عدد الحالات التي يتعرض فيها الأشخاص للتمييز، زادت فرص الإبلاغ عن الحالة الصحية السيئة. ويبدو أن العمر قد يلعب دوراً محورياً في تدهور الحالة الصحية، على الأقل جزئياً. عندما نظر الفريق في بيانات 5995 من المشاركين، تم جمعها بعد ست سنوات من الدراسة الاستقصائية، وُجد أن أولئك الذين أبلغوا عن التمييز العُمري كانوا أكثر عرضة للإبلاغ عن تدهور في الصحة.
ويقول الباحثون إن ظاهرة مناهضة كبار السن، تؤثر سلباً في الأشخاص، إذ يجدون صعوبات في تبني أسلوب حياة صحي، مثل الذهاب إلى صالات الرياضة، خوفاً من التمييز وعدم الحصول على رعاية جيدة، وحتى التوتر، الأمر الذي قد يؤثر في الجسم. لكن الخبراء يقولون إن الآلية يمكن أن تسير في الاتجاه الآخر، فأولئك الذين يعانون حالة صحية سيئة، وربما يعانون ضعفاً أكبر، قد يتعرضون لمزيد من التمييز المرتبط بالعمر.
العزلة والانطواء قد يُزيدان المشكلة سوءاً. أرشيفية
تمييز مؤسسي
قالت كبيرة المسؤولين القانونيين في اللجنة العليا لحقوق الإنسان، ريبيكا هيلسنراث، إنه لا ينبغي أن يعامل أي شخص بطريقة مختلفة بسبب عمره، وإن المدير التنفيذي لمؤسسة «كير انجلند»، مارتن جرين، مخطئ تماماً في القول إننا لا نأخذ التمييز على أساس السن على محمل الجد، متابعة: «قوتنا أننا لا ننظر إلى القضايا منفصلة، ونعمل على تحسين حياة الجميع، من خلال معالجة المشكلات التي تؤثر في مجموعات مختلفة من الناس، في مجالات مثل الرعاية الصحية والعمل ومستويات المعيشة».
وقالت الرئيسة التنفيذية لـ«إندبندنت أيج»، جانيت موريسون: «هناك ممارسات تمييزية باتت جزءاً من الثقافة المحلية والمواقف الشعبية، وهناك تمييز مؤسسي في كل قطاع ضد المسنين»، متابعة: «يتعين البدء في محاربة التمييز العُمري، نحتاج إلى تحدي وصمة العار بالطريقة نفسها التي يتم بها تحديها مع الآفات الاجتماعية الأخرى، نحن بحاجة إلى أن نكون أكثر حزماً مما نحن عليه حالياً».
ويوافق آخرون على أن التمييز ضد كبار السن كان سائداً في المجتمع البريطاني. ولأن الشيخوخة واقع في المملكة المتحدة، فقد بات من الأهمية للمجتمع والاقتصاد أن يُعامل الناس على قدم المساواة.
• «ساوثهامبتون» كانت المدينة الأكثر تمييزاً ضد كبار السن في المملكة المتحدة، حيث أقرّ 46% من المستطلعة آراؤهم بأنهم مارسوا التمييز ضد شخص ما على أساس العمر، وبريستول الأقل بـ20% فقط.
• 01 من بين كل 30 شخصاً، اعترف بالتمييز بانتظام ضد أي شخص يزيد عمره على 50 عاماً.
• 01 من بين كل 10 أشخاص يقول إنه لا يعلم إن كان مناهضاً لكبار السن أم لا.