«قطار النوبة».. رحلة تنطلق كل عيد أضحى من الإسكندرية إلى أسوان
في إطار تقاليد اجتماعية وثقافية مميزة يختص بها «النوبيون المصريون»، تنطلق كل عام قبيل عيد الأضحى رحلة «قطار النوبة» التي تبدأ من مدينة الإسكندرية حتى أسوان، وتشرف عليها جمعيات نوبية ممثلة لـ44 بلدة تم تهجيرها بعد بناء السد العالي إلى ما سمي بمنشية النوبة بمحافظتي أسوان والأقصر، وسط أجواء جماعية احتفالية تشمل المشاركة بالأغاني التراثية النوبية والرقص وإقامة المسابقات، وإحياء مظاهر الثقافة النوبية.
وقالت الناشطة النوبية وفاء العشري لـ«الإمارات اليوم» إن هذه «الرحلات بدأت منذ الستينات بقرار من الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، بعد تهجير النوبيين من قراهم لإقامة السد العالي، وانتقالهم إلى منشية النوبة أو ما سمي بـ(النوبة الجديدة)، حيث هاجر البعض من المنشية إلى القاهرة والإسكندرية والدلتا لأسباب متباينة، واعتبرت الدولة هذه الرحلة نوعاً من التعويض، أو رمزاً للعودة، بينما اعتبر النوبيون أن العودة إلى البلدات الجديدة التي يتواجد فيها أهلهم وثقافتهم نوعاً من استرجاع ذكرياتهم وأجواء ثقافتهم التي افتقدوها بعد التهجير».
وقال الشاعر والكاتب النوبي رامي يحيى لـ«الإمارات اليوم» إنها تجربة فريدة للنوبيين، عشتها مرة واحدة، وسافرت في قطار قشاش خصص لنا، يتم توزيعه علي الجمعيات النوبية المختلفة، كل جمعية تشتري عربة أو أكثر حسب المسافرين المنتمين إليها، وتتوزع الذكريات ما بين استلام التذاكر في الجمعيات، ورحلة القطار التي تمتد أكثر من 15 ساعة، وطقوس الاستقبال والاحتفال بنا من قبل الأهل في منشية النوبة».
وقال الناشط الاجتماعي طارق كاسو، الذي شارك في رحلة هذا العام لـ«الإمارات اليوم» إن «رحلة قطار النوبة ليست سفرية، وإنما رحلة انتماء وعودة للجذور يتمناها كل نوبي، فاجتماعات الجمعيات النوبية الـ44 للإعداد للسفر بهجة، وإعداد الطعام للرحلة في البيوت استعداداً لتبادله في القطار بهجة أخرى، واللقاء في المحطة استعداداً للسفر حيث يتقابل المئات من النوبيين هو عيد في حد ذاته، ورحلة القطار وتفاصيلها حكاية، واستقبالنا هناك من أهالينا وإقامتنا وقضاؤنا العيد بعاداتنا وثقافتنا ثم عودتنا تتويج لهذا كله، هي أيام من العمر لا تنسى».
وتابع كاسو أن «الرحلة تبدأ من الإسكندرية حيث تستعد لها جميع الأسر النوبية المشاركة، وبقدر ما تكون الرحلة شاقة بقدر ما تكون ممتعة، وحجم المشقة ليس متعلقاً بالمسافة فقط وإنما بطبيعة القطار، فنحن لا نمنح قطاراً ممتازاً أو متميزاً وإنما قطار عادي، وحين تبدأ الرحلة نكون مهمومين بشيئين تنظيميين: تخزين الحقائب بما تحمله لأهلنا من هدايا في الجنوب، وتسكين العائلات في منتصف القطار والشباب والرجال في العربات الطرفية». وضحك كاسو أن «أصعب مهمة تواجهنا في القطار أننا في كل محطة من الإسكندرية لأسوان، ومروراً بكل محطات الصعيد، نتعرض لهجوم كاسح من المسافرين الذين لا يعرفون القصة ويعتقدون أنه قطار عادي، ويريدون الركوب، ونقنعهم بلا ملل أنه قطار خاص بالنوبيين، فيقتنعون بعد جهد». وقال كاسو إن «كل عربة في القطار النوبي تكون مخصصة لنادٍ، وكل نادٍ مخصص لقرية من القرى الـ44، ويكون لكل عربة مشرفان أو ثلاثة مسؤولون إدارياً عن كل ما يتعلق بها، وفي حين يكون القطار بمثابة عائلة واحدة مسافرة، تعتبر كل عربة بيتاً منفصلاً.
وحول ما يجري داخل القطار أثناء الرحلة قال كاسو إن «الرحلة تبدأ باستعادة الذكريات من الأجيال الأقدم للأحدث، ثم تقام حفلة سمر نوبية ممتدة تقدم فيها الأغاني النوبية، خصوصاً تلك التي تحمل الحنين إلى الماضي والفقرات التراثية، ثم تقام المسابقات الثقافية على مدى اليوم التي يشارك فيها الشباب، وتكون عربات القطار مهيأة عبر زخرفتها بالرسوم والتصاوير النوبية والبالونات لتتناغم كل عناصر الرحلة، وتضفي جواً من البهجة والسرور الذي لا ينسى».