جرأتها وحكمتها جعلتاها شخصية نافذة
نانسي بيلوسي.. المرأة القوية التي وقفت في وجه ترامب
عام 2007، صنعت السياسية الديمقراطية، نانسي بيلوسي، التاريخ كأول رئيسة لمجلس النواب الأميركي. وفي 2019، ظلت تقود جهوداً حثيثة لسنّ قوانين جديدة، وعدد كبير من التحقيقات في مخالفات محتملة للرئيس، دونالد ترامب. إنه تتويج لرحلة مثيرة لشخص نشأ كأصغر طفل في عائلة غارقة في سياسة المدن الكبرى، على الساحل الشرقي. استطاعت أن تصنع لها اسماً سياسياً في أكثر الزوايا ليبرالية، في كاليفورنيا، وأن تهيمن على سياسة الحزب الديمقراطي لنحو عقد ونصف العقد.
نشأت بيلوسي (79 عاماً)، في كنف أسرة سياسية، بمدينة بالتيمور في ولاية ميريلاند، حيث كان والدها، توماس داليساندرو جونيور، عمدة للمدينة. فقد كانت الفتاة الأصغر والوحيدة في العائلة. وإذا ما أصبح أحد الأشخاص سياسياً في بالتيمور، منتصف القرن الماضي، فهذا يعني نجاحاً لسياسة الديمقراطيين. أدارت بيلوسي الشؤون السياسية لعائلتها، بما في ذلك الرد على اتصالات خطوط الهاتف الثمانية في المنزل.
رئيس مجلس النواب في الكونغرس وظيفة مفصلة في الدستور الأميركي. وتأتي في المرتبة الثانية بالنسبة للرئاسة، قبل نائب الرئيس مباشرة؛ على الرغم من أنه من غير المرجح حدوث شغور لكلا المنصبين. ويعكس مكتبها الضخم، في مبنى الكابيتول، مكانة الوظيفة، مع شرفة خاصة تطل على نصب واشنطن التذكاري.
وعلى عكس مجلس الشيوخ، يتمتع حزب الأغلبية في مجلس النواب، بسلطة مطلقة تقريباً بشأن العملية التشريعية.
تحدد رئيسة المجلس، ونوابها، ورؤساء اللجان، مشروعات القوانين التي يتم التصويت عليها. ومن عام 2009 إلى 2011، عندما أحكم الديمقراطيون السيطرة على الكونغرس والبيت الأبيض، سنّ الكونغرس حزمة تحفيز للاقتصاد بقيمة 840 مليار دولار في أعقاب الانهيار الاقتصادي في عام 2008. وأيدت بيلوسي تشريعاً خاصاً بالمناخ والتجارة، والذي لم يتجاوز مجلس الشيوخ ليصبح قانوناً؛ إضافة إلى الإصلاح المالي ومشروع قانون يحظر التمييز بين الجنسين في الأجور. كما ضغطت بشدة من أجل الحصول على قانون الرعاية بأسعار معقولة، المسألة التي أصبحت معركة حاسمة لرئاسة باراك أوباما.
دعم نسائي
بيلوسي امرأة في حزب وصل إلى السلطة بفضل مشاركة ودعم النساء. وكان 58% من الذين صوّتوا لمصلحة الديمقراطيين، في مجلس النواب، من النساء، لذا وصلت 89 امرأة إلى المؤسسة التشريعية (من أصل 235 عضواً ديمقراطياً). ويمثل ذلك علامة فارقة عن الفترة التي دخلت فيها بيلوسي الكونغرس، للمرة الأولى عام 1988، عندما كانت واحدة من 24 امرأة فقط، في مجلس النواب البالغ عدد مقاعده 435 مقعداً.
في أعقاب هجمات الـ11 من سبتمبر، عارضت بيلوسي بشدة غزو العراق، تماماً كما عارضت الحرب السابقة على بغداد على خلفية اجتياحه الكويت. تهكّم الجمهوريون على خطوة الديمقراطيين، وقالوا إنهم حكموا بأنفسهم على أنهم حزب «غير مهم»، عندما اختاروا بيلوسي كأول امرأة تقودهم في مجلس النواب في عام 2002، وبعد ذلك كرئيسة لمجلس النواب.
ومن بين أشياء أخرى، كانت لبيلوسي الجرأة على وصف الرئيس بوش الأب بأنه «عديم الذوق»، وقالت بعد مجيء ابنه، إنها ستقول الأسوأ بحقه. ووصف مؤلف رواية «الألوان الأساسية»، جو كلاين، انتخاب الزعيمة الديمقراطية بأنه «نوع من المفارقة التاريخية السياسية التي ينبغي للحزب تجنبها».
بعد ذلك، أصبحت بيلوسي مرة أخرى الهدف المفضل لهجمات الجمهوريين، بعد إنقاذها تشريع الرئيس أوباما للرعاية الصحية أثناء تأجيله. ولكن لا يوجد الكثير ممن يسمونها الآن مفارقة تاريخية، أو يتهمونها بتهميش حزبها.
شحذ المهارات
ضمن العديد من الانتخابات والمعارك التي لم تحظَ بشعبية، لعبت بيلوسي دوراً فعالاً في سيطرة الديمقراطيين مرة أخرى على مجلس النواب ووصولهم إلى أغلبية مريحة. والآن، بعد التوصل إلى توافق في الآراء بين الديمقراطيين المنقسمين بشدة في مجلس النواب، أصبحت بيلوسي تعد أقوى امرأة في التاريخ الأميركي، وأقوى رئيسة لمجلس النواب.
وفي ذلك تقول بيلوسي: «هذا يبدو جيداً، أنا لا أعتقد ذلك أمراً شخصياً، لكنني أعتبره مجاملة لجميع النساء، فبصفتي أول رئيسة للمجلس، أردت بالتأكيد أن أثبت أننا يمكن أن ننجز مهمة شغلت الآخرين طوال قرن». وظلت بيلوسي تشحذ المهارات اللازمة لإنجاز المهمة منذ نحو 68 عاماً، عندما حضرت أول تجمع للحزب الديمقراطي مع والدها.
لم يتم انتخابها لمنصب عام إلى أن بلغت 47 عاماً، لكنها نشأت في منزل سياسي عريق في حي إيطالي بمدينة بالتيمور. فقد كان والدها، توماس داليساندرو، عضواً في الكونغرس، ومن ثم أصبح رئيس بلدية بالتيمور. وكان الوالد مؤيداً قوياً لبرنامج العدالة الاجتماعية الذي وضعه الرئيس، فرانكلين روزفلت، وكان مؤمناً بقوة الحكومة في تحسين حياة الأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدة أكثر من غيرهم.
راقبت بيلوسي تلك الممارسة السياسية التي اتبعها والدها، وكانت بمثابة دروس حملتها معها إلى المدرسة، لتخبر زملاءها في الفصل كيف يمكن لآبائهم أن يجعلوا النظام يعمل لمصلحتهم. أخبرت بيلوسي مواطنيها، في عام 2001، «أود أن أخبركم بكيفية الحصول على خدمة جيدة في مستشفى قريب، وكيفية الحصول على وظيفة بأجر مقبول، أعتقد أن هذا هو ما يعنيه أن أكون ديمقراطية».
درّبها والدها، أيضاً، على فن التسوية؛ ولم تُفعّل بيلوسي هذه المهارات إلا بعد سنوات من زواجها من رجل أعمال، وانتقالها إلى سان فرانسيسكو لتصبح مندمجة في سياسة الحزب الديمقراطي، فضلاً عن تنشئة خمسة أطفال.
اكتسبت بيلوسي سمعة طيبة من خلال تشكيل الدوائر الانتخابية وجمع التبرعات. وساعدت تلك المواهب في دفعها إلى قيادة الحزب إقليمياً. وفي عام 1987، تمكنت من الفوز بمقعد في الكونغرس، احتفظت به خلال 10 انتخابات، وفازت بأغلبية كبيرة.
بمجرد وصولها إلى واشنطن، حافظت بيلوسي على التوازن المالي لحزبها نيابة عن أعضاء آخرين بالكونغرس، وجلبت أكثر من 100 مليون دولار على مر السنين، ولكن، أيضاً، ضمت أصدقاء جدداً كان لهم فضل في صعودها إلى قمة مجلس النواب.
يعتبر بعض المراقبين أن بيلوسي صريحة لحد الإزعاج، وفي بعض الأحيان، كانت على ما يبدو تخرج عن المزاج العام لأميركا. فقد عارضت بقوة غزو العراق، ما دفع «نيوزويك» إلى وصف قيادتها بأنها تجعل «التجمع الانتخابي الديمقراطي يبدو أكثر تشاؤماً».
ليس لديه أيّ منهما
بعد فوز جورج بوش الابن في الانتخابات الرئاسية عام 2004، شنت بيلوسي هجوماً شرساً على الرئيس المنتخب على صفحات صحيفة «سان فرانسيسكو كرونسيل»، وقالت «بوش زعيم غير كفء، ولا يمتلك القدرة على التقييم أو الخبرة»، وتابعت «الأمر ليس شخصياً، ولكن قدرة الرئيس على القيادة ليست متوافرة أبداً. ومن أجل اتخاذ قرارات صائبة، يجب أن تملك حسن تقدير، ولكي يكون لديك حسن تقدير، يجب أن تكون لديك المعرفة والخبرة. وبوش ليس لديه أيّ منهما».
بيلوسي نشأت في كنف أسرة سياسية بمدينة بالتيمور في ولاية ميريلاند. أرشيفية
احتكار العمل السياسي
قضت نانسي بيلوسي سبعة عقود في العمل السياسي في ما يبدو احتكاراً واضحاً، بالنسبة لمنتقديها؛ وهناك من يشك في وصف بيلوسي بأنها أقوى رئيس مجلس نواب في تاريخ أميركا الحديث. ويشير لاري ساباتو، وهو عالم سياسي في جامعة فرجينيا، إلى سام ريبورن، الذي كان يسيطر على الكونغرس، منتصف القرن الماضي، وتيب أونيل، الذي واجه رونالد ريغان.
شغلت بيلوسي وستيني هوير المركزين الأول والثاني، في مجلس النواب، لأكثر من 12 عاماً، ما أدى إلى احتكار الصفوف العليا من سلّم القيادة. إنها أطول فترة شغل فيها الشخصان أعلى المناصب في المؤسسة التشريعية، منذ الخمسينات، عندما كانت السلطة أقل تركيزاً بكثير داخل القيادة.
بالإضافة إلى ذلك، تتمتع بيلوسي بسمعة جيدة في مكافأة أصدقائها ومعاقبة أعدائها. تميل بيلوسي لفرض ولائها الشخصي في محاولة لترسيخ نفوذها في الحزب، ما قد يؤدي، أيضاً، إلى إثارة السخط بين أولئك الذين لا تحبذهم، خصوصاً إذا حُرموا من فرص التأثير.
هذا الاستياء يشعر به معظمهم، لكن فترة ولاية بيلوسي الطويلة أغضبت، أيضاً، بعض المرشحين الأصغر سناً في الدوائر الديمقراطية إلى حد كبير، ورأوا في بيلوسي رمزاً للحرس القديم للحزب، وامتنعوا عن تأييدها.
في أبريل، على سبيل المثال، اشتكى المرشح الديمقراطي عن ولاية ماساتشوستس، لوري تراهان، عدم وجود خطة واضحة لتحديد خليفة بيلوسي. ومن بين المرشحين الجدد في الدوائر الديمقراطية، الذين لن يؤيدوا بيلوسي، جهانة هاي، وأسكاندريا كورتيز، ورشيدة طليب.
تجربة عائلية مفيدة
قبل أن تترأس مجلس النواب الأميركي، اهتمت نانسي بيلوسي بمنزل يضم خمسة أطفال، في سان فرانسيسكو. في ذلك الوقت، كانت مجرد أم عادية تحاول كبح جماح أطفال عنيدين، باستخدام مزيج من الحب والشدة وحيل الأمهات التقليدية.
وقد تكون بيلوسي استفادت من مسؤولياتها العائلية، إذ أهّلتها لمنصب القائد لحزب عريق. وهي اليوم، ربما أقوى امرأة في التاريخ الأميركي وأول من حمل مطرقة رئيس المجلس. وبذلك، تأمل بيلوسي أن يبدأ المجتمع باعتبار الأبوة والأمومة «ميزة ذهبية» في أي سير ذاتية محترفة.
لكن بيلوسي تُصر على أن والديها لم يكونا أهم مصدر لقوة شخصيتها؛ إذ تقول: «لقد صاغني أطفالي حقاً». وتزوجت من بول بولوسي، في عام 1963. وبعد مرور عام، أنجبا طفلهما الأول، وبحلول نهاية عام 1970، كان لديهما خمسة (أربع بنات وولد). إنجاب خمسة أطفال، خلال فترة ست سنوات، حوّل مهارات بيلوسي التنظيمية إلى مهارات عالية. فقد أقامت نظاماً داخلياً مُحكماً، إذ حضّر الأطفال شطائرهم الخاصة وعبأوا وجباتهم الخفيفة، وقام أحد الأطفال بتنظيف مائدة العشاء وجهّز طفل آخر أطباقاً للفطور في صباح اليوم التالي.
24
امرأة، فقط، انتُخبن
لعضوية مجلس النواب،
البالغ عدد مقاعده
435 مقعداً، في 1988.
58 %
من الذين صوّتوا
لمصلحة الديمقراطيين،
في مجلس النواب،
من النساء.
- تتمتع بيلوسي
بسمعة جيدة في
مكافأة أصدقائها
ومعاقبة أعدائها.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news