علماء النفس مجندون للتعامل مع المرض
«القلق المناخي».. مشكلة صحية جديدة تهدد الشباب والأطفال
خلال الأسابيع القليلة الماضية، وجدت كلوفر هوغان نفسها تبكي خلال النهار، وتستيقظ في الليل في حالة هلع. ونشأت الشابة، البالغة من العمر 20 عاماً، في ولاية كوينزلاند بأستراليا، في منطقة محاذية للحياة البرية، ومع التقلبات الأخيرة، اضطرت هوغان لإخراج الضفادع من مرحاض المنزل، وتفادي الثعابين المعلقة في السقف. إنه التغير المناخي المخيف.
لقد تسببت حرائق الغابات التي اجتاحت وطنها، خلال الأسابيع الماضية، في خسائر فادحة، وتقول الفتاة التي تعيش في لندن حالياً «وجدت نفسي غارقةً في البكاء، وأنا أرى صوراً مروعة تماماً لما يحدث في أستراليا. إنه أمر ساحق ومخيف».
وتضيف هوغان أن أسوأ خبر سمعته هو نفوق 500 مليون من الحيوانات المحترقة أثناء اندلاع الحرائق في الغابات، وتتابع «كانت تلك هي اللحظة التي شعرت فيها بقلبي ينقسم إلى شطرين، لقد شعرت بالذهول الشديد».
وفي حين أن من المستحيل تجاهل التأثير البدني لأزمة المناخ، بات الخبراء أكثر قلقاً بشأن نتيجة أخرى أقل وضوحاً، لحالة الطوارئ المستمرة والمتصاعدة، والضغط الذي تفرضه على الصحة العقلية للناس، خصوصاً الشباب.
ويحذر علماء النفس من أن التأثير يمكن أن يتضاعف بالنسبة للعدد المتزايد من الناس الذين تغمرهم الحقيقة العلمية للانهيار البيئي، ولأولئك الذين عاشوا أحداثاً مناخية مؤلمة، غالباً على خط المواجهة المناخية، جنوب الكرة الأرضية.
عواقب وخيمة
قضى الدكتور باتريك وليامز، وهو عالم نفسي في جامعة أكسفورد، حياته المهنية في علاج صعوبات الصحة العقلية الشائعة، بما في ذلك القلق والاكتئاب والصدمات النفسية. ثم بدأ شيء جديد يحدث، حينها بدأ علماء المناخ والباحثون، العاملون في أوكسفورد، في التوجه إليه لطلب المساعدة.
يقول وليامز «هؤلاء هم الأشخاص الذين كانوا يواجهون في الأساس مجموعة كبيرة من المعلومات السلبية والانطباعات المُحبطة، في عملهم، وكلما زاد انخراطهم في القضية، أدركوا أكثر ما يتوجب القيام به، وشعروا أن الأمر أكبر من قدراتهم لإحداث تغيير مهم، يمكن أن تكون عواقب ذلك وخيمة للغاية»، متابعاً «إنه القلق والإرهاق ونوع من الشلل المهني».
وبدأ العالم النفسي بالبحث في الموضوع، وأدرك أن الأمر لا يقتصر على العلماء والباحثين: «فهناك حاجة كبيرة بين الآباء، على سبيل المثال، الذين يطلبون الدعم بشأن كيفية التحدث مع أطفالهم حول هذا الموضوع».
وعندما بدأ وليامز بالتركيز على الشباب، افترض أن معظم الأشخاص الذين يعانون هم مراهقون، أو على الأقل بدأوا الدراسة الثانوية، لكنه سرعان ما اكتشف مستويات مثيرة للقلق من الضغوط المرتبطة بالبيئة والقلق لدى الأطفال الأصغر سناً.
ويقول «أكثر ما فوجئت به هو كيف يبدأ الشباب في الوعي والقلق»، ويوضح الباحث: «كانت ابنتي تبلغ من العمر ستة أعوام، فقط، عندما سألتني: هل سنفوز في الحرب ضد تغير المناخ؟ وقد شعرت بالقلق من هذا السؤال»، متابعاً «لقد أظهر لي كيف يجب أن أستعد كأب، حتى أتمكن من الاستجابة بطريقة مفيدة».
نتائج عكسية
ويقول وليامز إنه لا توجد وسيلة لحماية الشباب تماماً من واقع أزمة المناخ، ويرى أن ذلك ستكون له نتائج عكسية، حتى لو كان ممكناً. وبدلاً من ذلك، يجب على الآباء التحدث مع أطفالهم حول مخاوفهم، ومساعدتهم على إمكانية اتخاذ إجراءات، مهما كانت صغيرة، إذ يمكن أن يحدث ذلك فرقاً.
كانت لحظة مهمة لوليامز عندما أدرك أن التعامل مع «القلق المناخي»، ومعالجة أزمة المناخ، كانا مرتبطتين بشكل جوهري. وفي ذلك يقول الباحث «الشيء الإيجابي من وجهة نظرنا كعلماء هو أننا سرعان ما أدركنا أن علاج القلق المناخي مرتبط بعلاج مشكلة تغير المناخ، ويجب أن نتحرك لفعل شيء يساعد».
هذا بالتأكيد له صدى عند الفتاة الأسترالية، كلوفر هوغان، التي أطلقت «قوة الطبيعة»، وهي مبادرة تهدف إلى مساعدة الشباب على إدراك قدراتهم على إحداث التغيير. وتستهدف المبادرة الأشخاص الذين تراوح أعمارهم بين 11 و24 عاماً، من خلال دورة تدريبية عن الأزمة المناخية، لمساعدتهم في التغلب على القلق، وتمكينهم من المشاركة واتخاذ الإجراءات والمواقف.
وتقول هوغان: «هذه هي البداية فقط»، وتضيف: «سنشهد أزمة مناخ واسعة النطاق في كل بلد حول العالم، لذلك يتعلق الأمر بتطوير قدراتنا على التكيف، من أجل الاستمرار، ولكن بطريقة تُعزز المبادرة الفردية». وإلى جانب القلق من التغيرات المناخية، والخوف من أن النظام الحالي يدفع الأرض إلى الحافة، يُحذر الخبراء، أيضاً، من الارتفاع الحاد في الصدمات الناجمة عن تجارب الكوارث المرتبطة بالمناخ.
قلق مشترك
وفي جنوب الكرة الأرضية، تركت العواصف الشديدة، وحرائق الغابات، والجفاف، والأمواج الساخنة، بصماتها، ليس فقط على الأجساد، بل أيضاً على الصحة العقلية لملايين البشر.
بالنسبة إلى الناشطة الكينية في مجال المناخ، إليزابيث واثوتي، فإن تجربتها مع القلق بشأن المناخ لا تتعلق بالمستقبل بقدر ما هي متعلقة بما يحدث الآن، وتقول: «الناس في البلدان الإفريقية يعانون القلق البيئي بشكل مختلف، لأن تغير المناخ بالنسبة لنا يتعلق بالتأثيرات التي نشهدها الآن، واحتمالات تفاقم الوضع».
وتضيف واثوتي، أن القلق المشترك الذي تسمعه بين الطلاب هو «لن نموت بفعل الشيخوخة، ولكن سنموت بسبب تغير المناخ». وتعمل الناشطة مع الشباب من خلال مبادرة «الجيل الأخضر»، التي أسستها لتقف على آثار القلق البيئي بشكل مباشر.
إن الأحداث المناخية القاسية يمكن أن تخلق الفقر، ما يؤدي إلى تفاقم مشكلات الصحة العقلية، وتقول واثوتي إنها رأت أن الإجهاد والاكتئاب وإدمان الكحول والمخدرات، هي بعض الآثار الجانبية للقلق المناخي والصدمات النفسية، في بلدها.
حالة الطوارئ
أدى اهتمام الخبراء النفسيين بآثار أزمة المناخ على الإنسان إلى تشكيل مجموعات للبحث، ومعالجة العدد المتزايد من الأشخاص المحاصرين في الأزمة، من أجل المساعدة على الانتقال من الخوف والركون إلى العمل. ولكن حجم حالة الطوارئ له تأثيره، وفقاً للعالم باتريك وليامز، الذي أنشأ مجموعة «علماء نفس المناخ»، المتخصصة في القلق المناخي، ويقول إنه وزملاءه ليسوا بمنأى عن الآثار النفسية للأزمة: «هذا شيء عالمي، لدرجة أننا مررنا جميعاً في مجموعتنا بالحزن واليأس المتصلين بالمناخ، ونتحدث عن ركوب الموجة بين الأمل واليأس»، متابعاً «إنه أمر واقعي تماماً بالنسبة لنا».
نصائح للآباء
تذكر أنك لست بحاجة إلى أن تكون خبيراً في المناخ، ومن الجيد استكشاف التعلم مع أطفالك. وإذا كان طفلك يسأل أسئلة لا يمكنك الإجابة عنها فوراً، فيجدر الإجابة بالقول: «يا له من سؤال عظيم! اسمح لي أن أفكر في ذلك حتى أتمكن من الإجابة عنه بشكل صحيح».
- من الأفضل أن تقول: «لا بأس أن تشعر بالقلق. إليك ما يمكن أن نفعله حيال ذلك»، بدلاً من القول «لا تقلق. كل شيء على مايرام». ولكن حاول دائماً دعم هذه المشاعر باقتراحات للعمل الإيجابي.
- حاول أن توازن بين خبر سلبي واحد وثلاثة أخبار إيجابية، واستعن ببعض الأمثلة من الأخبار الجيدة المتعلقة بالمناخ، مثل مشروعات الحفاظ على البيئة الناجحة.
- للأطفال الأصغر سناً، اجعلهم مندمجين محلياً، وشجعهم على المشاركة في النشاطات المدرسية.
- بالنسبة للمراهقين، شجعهم على البقاء على اتصال على مستوى أوسع، والانضمام إلى المجتمعات المحلية والحملات والمبادرات.
- حدد الأهداف العملية للأسرة، واحتفل بنجاحات عائلية متعلقة بالمناخ، ولو بقصاصة من الورق على باب الثلاجة.
- عزز رسالة مفادها أن الإجراءات الصغيرة يمكن أن تحدث فرقاً كبيراً.
طقس قاس
وجدت دراسة حديثة، أجرتها وكالة البيئة في المملكة المتحدة، أن الأشخاص الذين يتعرضون للطقس القاسي، مثل العواصف أو الفيضانات هم أكثر عرضة بنسبة 50% للمعاناة من مشكلات الصحة العقلية، بما في ذلك التوتر والاكتئاب، لسنوات بعد ذلك.
ووقّع أكثر من 1000 طبيب نفسي خطاباً مفتوحاً يظهر تأثير الأزمة في رفاهية الناس، ويتوقع «الصدمة الحادة على نطاق عالمي بسبب تقلبات الطقس القاسية والهجرة القسرية والصراع».
وتقول كارين نايت، وهي عالمة نفسانية موقعة على الرسالة، إن «الآثار الجسدية المرتبطة بالطقس القاسي ونقص الغذاء والصراع، تتشابك مع العبء الإضافي لتأثيرات الصحة العقلية، وهذا ما يهتم به علماء النفس بشكل خاص». وتضيف أن الخوف والصدمة «أثرا بشكل كبير في الصحة النفسية، خصوصاً عند الأطفال»، وتتابع «هذا مصدر قلق كبير لنا، ويجب أن يكون جزءاً من النقاش عندما نتحدث عن انهيار المناخ».
من جانبه، يقول رئيس رابطة علماء النفس الإكلينيكيين بالمملكة المتحدة، وأحد الموقعين على الخطاب، البروفيسور مايك وانغ، إن «التقاعس والرضا عن النفس هما من امتيازات الماضي، وعلماء النفس مستعدون لمساعدة الحكومات على حماية صحة مواطنيها ورفاهيتهم، بالنظر إلى أن عواقب تغير المناخ الاجتماعية والنفسية لا مفر منها».
• 500 مليون حيوان نفقت جراء حرائق الغابات في أستراليا.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news