مع تطور الذكاء الاصطناعي
الشاحنات الذاتية القيادة في أميركا تهدد السائقين بفقدان وظائفهم
طوال عقود من الزمن، تعمل الأجهزة الآلية على إعادة تشكيل الحياة من حولنا، خصوصاً في المصانع، حيث تحل محل العامل في صناعة السيارات وأجهزة التلفاز، ومستودعات الاستهلاك الضخمة، وتطور الأمر حيث أصبحت هذه الأجهزة تقوم بلحام التوربينات المستخدمة في المحركات النفاثة.
ومع تقدم الذكاء الاصطناعي، تستعد هذه الآلات لغزو أماكن العمل التي كانت في يوم من الأيام محصنة ضد الأتمتة. فقد كشفت دراسة، أجرتها جامعة أوكسفورد عام 2013، أن 47% من الوظائف في الولايات المتحدة أصبحت معرضة لخطر التشغيل الآلي، بناءً على تطور إمكانات الذكاء الاصطناعي والروبوتات الموجودة.
غزو الآلات
وسائل النقل هي أحد المجالات الرئيسة التي بدأت تشهد غزو الآلات. ولهذا السبب يبدي سائقو الشاحنات خوفهم على وجه الخصوص من احتمال انتشار السيارات الذاتية القيادة، التي تنطلق عما قريب في شوارع البلاد. ورغم كل هذه الضجة حول السيارات الأوتوماتيكية، فقد تبدأ الشاحنات المسيرة أوتوماتيكياً عما قريب في نقل البضائع على طول الطرق السريعة، دون وجود سائق في قمرة القيادة. وتعتبر القيادة الذاتية على الطرق السريعة أكثر وضوحاً وأمناً من القيادة في المدن المزدحمة، التي لا يمكن التنبؤ بما يجري في شوارعها، وهذه التقنية الجديدة تحمل وعداً بخفض تكاليف الوقود وزيادة الإنتاجية وتحسين السلامة.
حقيقة واقعة
النقل بالشاحنات الآلية أصبح حقيقة واقعة في المناجم النائية ومخيمات قطع الأشجار، وقد بنى الجيش الأميركي شاحنات آلية خاصة لنشر القوات في مناطق الحرب. وكشفت شركة فولفو، أخيراً، عن نموذج أولي لشاحنة كهربائية ذاتية القيادة لا تحتوي حتى على كابينة للسائق.
الخطوة الأولى
في صباح يوم مشرق، استقل السائق مات برونيك شاحنته، وأخرجها من الموقف، كانت الرؤية للطريق واضحة أمامه من خلال شاشة داخل قمرة القيادة، حيث يستطيع أن يرى التقاطع 75 المؤدي إلى جنوب شرق فلوريدا، وعلى سطح قمرة القيادة كانت هناك ست كاميرات وثلاثة حساسات رادارية ترسل المعلومات إلى جهاز كمبيوتر موجود خلف مقعد برونيك، ومتصل بقاعدة تشغيل في منطقة جاسونفيل بفلوريدا على بعد 300 ميل. وكان صاحب شركة ستارسكي روبوتيكس، ستيفن سيلتز أكماشر، وهي شركة روبوتات صغيرة يعمل فيها برونيك، يجلس في الخلف. كان الاثنان على وشك بدء التشغيل الآلي التجريبي لهذه الشاحنة، التي يبلغ وزنها 16 طناً، ويعملان على ضبط طريق سيرها. بعد 10 دقائق ظهر بوضوح على الشاشة أمامهم الوقت الذي سيبدآن فيه قيادة السيارة آلياً. حرك برونيك زراً صغيراً أحمر بحجم حبة البندق موجوداً على اللوحة الأمامية، وشغل مفتاحاً، وابتسم قائلاً: «لقد بدأنا، إنها تعمل». رفع برونيك يديه عن عجلة القيادة، التي ظلت تتجه يميناً ويساراً، لتصحيح مسار الشاحنة، مثلما يفعل السائق في الحقيقة. دواسة الوقود في الأسفل ظلت تعمل وحدها، ترتفع للأعلى تارة.. وأخرى للأسفل.
قبل فترة، طرح أكماشر على نفسه سؤالاً: «ماذا لو كنت تستطيع قيادة الشاحنة عن بعد؟»، ألا تكون هذه طريقة أفضل لتشغيل أسطول كبير من الشاحنات؟ لقد كانت بداية خطة عمل تمخضت عنها شركة ستارسكي روبوتيكس، التي استطاعت أن تجمع - منذ ذلك الحين - أكثر من 20 مليون دولار، لتطوير النموذج الأولي للشاحنات الآلية.
قلق مشروع
وفي حين يمثل ذلك تقدماً لكثير من الناس، إلا أن البعض الآخر يشعر بالقلق، بشأن ما يلوح في الأفق من فقدان للوظائف. يقول رجل الأعمال ومؤلف كتاب عن الأتمتة، أندرو يانغ، إن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يحل محل ملايين البشر شبه المهرة في الصناعات، من الوجبات السريعة إلى البيع بالتجزئة. ليست هناك وظيفة محصنة ضده، حتى في مجالات ذوي الياقات البيضاء، مثل المحاسبة والتأمين والصيدلة. ويضيف يانغ: «يتحدث الناس عن هذا الأمر كما لو أنه غير حقيقي، ويعتقدون أنه إن حدث فسيحدث في المستقبل، لكننا نحن في خضم هذه التجربة».
مهنة مجزية
تعتبر مهنة قيادة الشاحنات، في معظم الولايات الأميركية، هي المهنة الأكثر شيوعاً، حيث يمارسها أكثر من مليوني شخص يقودون شاحنات ثقيلة ومقطورة. ويحتل سائقو الشاحنات، التي تسافر لمسافات طويلة، مكاناً بارزاً في الثقافة الشعبية - الأسطورة الرومانسية للطريق المفتوح- بكل حريته وألقه. وبعد كل شيء، يحصل العاملون في هذه الصناعة على مردود طيب أكثر من أي طبقة عاملة أخرى، ويستطيعون فوق ذلك السفر بحرية عبر البلاد في آلات قوية، ويحددون ساعات عملهم بأنفسهم. ويحقق سائق الشاحنة متوسط دخل يبلغ 42 ألف دولار في السنة، أعلى من متوسط الأجر القومي. ويكسب بعض سائقي الشاحنات أكثر، حيث تدفع شركات الطرود والشركات الخاصة، مثل «وول مارت» لسائقيها من 60 إلى 70 ألف دولار في السنة، بالإضافة إلى بعض المزايا.
دور محدود للسائق
في حين ظل هدف أكماشر هو تطوير شاحنات تسير دون سائق، ويمكنها نقل البضائع على الطرق السريعة، إلا أنه لايزال يرى دوراً للسائقين، الذين سيتعاملون مع بعض الحالات في الطرق الصعبة، على غرار قبطان السفينة الذي يوجه الناقلة في الميناء، ثم يعود إلى المنزل لعائلاته. وتستخدم ستارسكي روبوتيكس محطة «عمليات عن بعد» في بلانتيشن بفلوريدا، لكي يستطيع السائقون قيادة شاحناتهم عن بعد، وهي تقنية يمكن استخدامها في المستقبل لتشغيل شاحنات روبوتية، تعمل في الطرق السريعة، وتربط مراكز التوزيع.
عقبات على الطريق
السلامة هي السبب الرئيس وراء الرغبة في الانتقال من القيادة اليدوية للقيادة الأوتوماتيكية. في عام 2016، توفي أكثر من 4300 شخص في حوادث شملت شاحنات كبيرة، بزيادة 28% على عام 2009. وجميع حوادث الطرق تقريباً ناتجة عن خطأ بشري. ومع ذلك، فإن السلامة والمسؤولية القانونية ومخاوف الجمهور بشأن القيادة الذاتية تجعل الكثير من الناس يتشككون في الأتمتة التي ستحل وشيكاً في الشاحنات أو غيرها من مجالات النقل. حتى ولو كان صاحب شركة ستارسكي روبوتيكس، ستيفن سيلتز أكماشر، على حق بأن الشاحنات الآلية هي المستقبل، فهناك الكثير من العقبات التي لا يمكن اكتشافها على الفور، إحدى هذه العقبات أن أداء المركبات ذاتية القيادة يتدنى في ظروف الشتاء، لذلك من المرجح أن تتحاشى أولى الشاحنات الآلية الولايات الأقل دفئاً والمكتظة بالسكان عبر الجنوب والغرب.
كما أنه ليس من الواضح ما إذا كانت هذه الشاحنات ستسير وحدها طوال الطريق من دون سائق يراقب الوضع عن كثب. وهناك اقتراح بأن يوجد سائق يتناوب مع أنظمة القيادة الذاتية، بحيث ينام في الظهر على امتدادات الطريق السريع الطويلة ويعمل في الليل بدلاً من النظام الآلي.
الخوف من كل جديد
يعتقد تقرير، صادر عن المنتدى الدولي للنقل في العام الماضي، أن الشاحنات دون سائق قد تقلل الطلب على السائقين في أوروبا والولايات المتحدة إلى النصف، بحلول عام 2030. ويقول تقرير آخر صادر عن البيت الأبيض، عام 2016، إن التشغيل الآلي للشاحنات يمكن أن يغير أو يلغي وظائف لسائقين، يعملون على 3.1 ملايين سيارة وشاحنة وحافلة.
ولعقود من الزمن، حقق التقدم التقني مستويات لا يمكن تصورها من الثروة والتقدم المادي، بدءاً من الزراعة الآلية إلى أتمتة المصانع والحوسبة السحابية. لقد غير هذا التقدم وتيرة مهن تستطيع الآلات، الآن، القيام بها بشكل أفضل أو أرخص.
ويشير المتفائلون إلى التحول الذي حدث منذ أكثر من قرن في الولايات المتحدة، حيث كان الناس يزاولون الزراعة في ذلك الوقت، ثم انتقلوا إلى الإنتاج والخدمات الصناعية. وتم تعويض من كان يمارس مهنة الزراعة بوظائف جديدة مجدية.
ويجادل رجل الأعمال ومؤلف كتاب عن الأتمتة، أندرو يانغ، الذي يسعى للحصول على ترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة عام 2020، بأن المجتمع ببساطة غير مستعد للقضاء بسرعة على الوظائف اليدوية. ويشمل ذلك ملايين من سائقي الشاحنات، الذين يخشون عدم العثور على وظائف جديدة بأجور لائقة، وذلك بسبب افتقارهم إلى المهارات والتعليم، لاسيما عندما يتم تطبيق عمليات الأتمتة على صناعات البيع بالتجزئة، وغيرها من قطاعات الخدمات.
- الذكاء الاصطناعي يمكن أن يحل محل ملايين البشر شبه المهرة في الصناعات.. من الوجبات السريعة إلى البيع بالتجزئة.
- تعتبر القيادة الذاتية على الطرق السريعة أكثر وضوحاً وأمناً من القيادة في المدن المزدحمة التي لا يمكن التنبؤ بما يجري في شوارعها، وهذه التقنية الجديدة تحمل وعداً بتخفيض تكاليف الوقود وزيادة الإنتاجية وتحسين السلامة.
- كشفت دراسة، أجرتها جامعة أوكسفورد عام 2013، أن 47% من الوظائف في الولايات المتحدة أصبحت معرضة لخطر التشغيل الآلي، بناءً على تطور إمكانات الذكاء الاصطناعي والروبوتات الموجودة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news