نساء في المكسيك يختفين من الحياة العامة تعبيراً عن الاحتجاج
يتوقع أن تشهد معظم مناطق المكسيك هدوءاً نسبياً في التاسع من هذا الشهر، حيث تزمع ملايين النساء والفتيات في هذا اليوم الانسحاب من الحياة العامة، احتجاجاً على العنف الذي يتعرضن له في كل مكان من البلاد. ويجيء هذا الاحتجاج تحت وسم #يوم من دوننا. ويتمثل في انسحاب النساء والفتيات لمدة 24 ساعة من المدارس، وأماكن العمل، وتعليق وجودهن في المتاجر والمواصلات العامة، وحتى استخدام الإنترنت. ويجد هذا الاحتجاج الدعم من الحكومة والكثير من جهات العمل. وفي بيان، حث مجلس تنسيق الأعمال في المكسيك الشركات على السماح للعاملات بالبقاء في المنزل، على أمل أن يدعم هذا النشاط حلولاً للمشكلة.
وتشهد المكسيك الكثير من حوادث العنف ضد النساء. ففي 9 فبراير 2020، أي قبل أيام من عيد الحب، قُتلت إنغريد إسكاميلا، البالغة من العمر 25 عاماً، على يد شريكها. وبعد أيام من ذلك، تعرضت فاطمة الدريجوت أنتون، البالغة من العمر سبع سنوات للتعذيب والقتل، ما أثار الكثير من الغضب، وخرج آلاف المتظاهرين إلى الشوارع احتجاجاً على عمليات القتل هذه. وخارج القصر الرئاسي في المكسيك، دعا المتظاهرون إلى اتخاذ إجراءات حكومية ملموسة ضد «وباء» قتل الإناث في البلاد.
ظاهرة شائعة
وتعتبر وفاة إنغريد وفاطمة مجرد مثالين فقط لظاهرة شائعة للغاية في هذا البلد. ففي كل يوم في المكسيك، تتعرض 10 نساء على الأقل للقتل على أساس النوع. وتنجح التحقيقات في كشف أقل من 5% فقط من تلك الجرائم، بينما يلف الغموض ما تبقى منها.
الدعوات إلى العمل تزداد يوماً إثر يوم؛ وتثير الاحتجاجات الانتباه إلى فشل الحكومة المكسيكية في وضع أي خطة لمنع قتل الإناث، وكذلك السلوك الخاطئ لوسائل الإعلام في تغطية هذه الحوادث، حيث إنها توفر مساحة كبيرة لشهادة المعتدي، وعدم الاحترام الكافي لحياة الضحية وجسمها.
وتتبع المكسيك سلوكاً تمييزياً عند النظر في جرائم قتل النساء. واتبعت 17 دولة أخرى في أميركا اللاتينية سلوكاً مماثلاً، في الوقت الذي ينبغي فيه أن تترتب على هذه الجرائم عقوبات مغلظة. الشهر الماضي ناقشت الحكومة المكسيكية إلغاء هذا التمييز من قانون العقوبات، على الرغم من أن المدعي العام أبلغ عن ارتفاع بنسبة 137% في جرائم قتل الإناث بالبلاد على مدى السنوات الخمس الماضية، أي أكثر بأربع مرات من جرائم القتل الأخرى. وفي مواجهة رد الفعل على التعليقات التي تلقي باللوم في قتل النساء على الفساد والسياسات الاقتصادية، أقر الرئيس المكسيكي، أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، في نهاية المطاف، بأنه لا يوافق على التعديلات المقترحة على قانون العقوبات المتعلق بقتل النساء، ولم يتم تنفيذ تلك التعديلات.
جرائم قتل الإناث ليست شائعة في المكسيك فقط، لكنها منتشرة في جميع أنحاء المنطقة. ويصعب جمع البيانات العالمية بسبب الاختلافات في معايير إعداد التقارير والبيانات. ومع ذلك، قام مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة بتجميع البيانات لعام 2018، عن النساء اللائي قُتلن على يد شريك أو أحد أفراد الأسرة، وكشفت البيانات أن النساء الإفريقيات يتعرضن للقتل بمعدل 3.1 لكل 100 ألف امرأة، وتحتل الأميركتان المرتبة الثانية في ما يتعلق بقتل النساء بمعدل 1.6 لكل 100 ألف امرأة. ويفيد تقرير صادر عام 2016 بأن 14 دولة في أميركا اللاتينية من أصل 25، تتميز بأعلى معدلات قتل للإناث. وأعلنت اللجنة الاقتصادية لأميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، في نوفمبر 2019، أنها تعمل على نظام لتسجيل قتل الإناث، يشمل أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، وهذا النظام يمكن أن يوحد البيانات المستقبلية.
وعلى الرغم من تباين معدلاتهما على نطاق واسع، فإن السلفادور (تراوح معدلات قتل الإناث بين 6.1 و13.9 لكل 100 ألف امرأة)، وهندوراس (بين 5.1، و32.7 لكل 100 ألف امرأة)، تقعان ضمن البلدان الخمسة الأولى على مستوى العالم من حيث معدلات قتل النساء. وفي مناطق الحروب أو النزاعات الأخرى، كما هي الحال في بلدان المثلث الشمالي، فمن الصعب تحديد عدد جرائم قتل النساء أو ضحايا النزاعات. وتشهد البرازيل أكبر عدد من ضحايا العنف النسائي سنوياً (أكثر من 1200 جريمة قتل عام 2018، ما يجعل معدلها يصل إلى 1.1 لكل 100 ألف امرأة)، ولكن كثيراً ما يتم استبعادها من تحليل البيانات لأن نظام تسجيلها وتخزين البيانات الخاصة بقتل النساء، من بين الأسوأ في العالم. وشهدت كولومبيا زيادة على مدار العامين الماضيين في عدد جرائم قتل النساء، حيث تشهد الآن جريمة قتل امرأة واحدة كل يومين. وكانت الأرجنتين ثالث أكبر دولة في عدد النساء اللاتي يتعرضن للقتل في 2018 (255 امرأة)، أي بمعدل 1.1 لكل 100 ألف امرأة.
وتشهد تشيلي انخفاضاً في معدلات قتل الإناث، مقارنة بالبلدان الأخرى 45 جريمة قتل إناث في عام 2019. واحتلت احتجاجات النساء العام الماضي ضد العنف عناوين الصحف، بعد إطلاق الهتاف «المغتصب في طريقكن»، حيث يشير الهتاف الى تواطؤ الحكومة - وتحديداً النظام القضائي – في مثل هذه الجرائم المستمرة بسبب تقاعس الحكومة عن العمل ضد الجناة وضد هذا «الوباء» ككل. وهذا شعور شائع، كما يتضح من الاستخدام الواسع النطاق للأنشودة في أميركا اللاتينية وحتى في أوروبا.
كولومبيا شهدت زيادة على مدار العامين الماضيين في عدد جرائم قتل النساء، حيث تشهد الآن جريمة قتل امرأة واحدة كل يومين.
تثير الاحتجاجات الانتباه إلى فشل الحكومة المكسيكية في وضع أي خطة لمنع قتل الإناث، وكذلك السلوك الخاطئ لوسائل الإعلام في تغطية هذه الحوادث، حيث إنها توفر مساحة كبيرة لشهادة المعتدي، وعدم الاحترام الكافي لحياة الضحية وجسمها.
أبواب أميركا مغلقة أمام المهاجرات
يعد العنف ضد النساء عاملاً أساسياً في إجبار النساء والفتيات على الهجرة من بلدان المثلث الشمالي الثلاثة: هندوراس والسلفادور وغواتيمالا، والبحث عن ملاذ آمن في الولايات المتحدة. وكشفت دراسة أجرتها جامعة واشنطن، عام 2017، حول الهجرة من هذه البلدان، أن زيادة العنف بين عامي 2011 و2016، تزامنت مع زيادة المهاجرين للضعف تقريباً لأميركا.
ومع وجود هذه المأساة التي تعيشها النساء في هذه البلدان، يضع المسؤولون الأميركيون العقبات أمام المهاجرين.في أواخر عام 2018، وصف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قافلة المهاجرين من أميركا الوسطى والمتجهة شمالاً عبر المكسيك للوصول لأميركا، بأنها «غزو» من قبل «أعضاء العصابات، وبعض الأشخاص السيئين للغاية». وادعى المسؤول السابق في إدارة الهجرة والجمارك، ديفيد وارد، أن المجموعة تحمل معها مرض الجدري والجذام والسل. لكن الحقيقة هي أن هؤلاء المهاجرين قدموا بسبب الخوف.
وفي وقت سابق من هذا الصيف، رفع اتحاد الحريات المدنية الأميركي دعوى ضد وزير العدل الأميركي، آنذاك، جيف سيشنز، لرفعه بشكل غير قانوني عتبة الخوف أمام المهاجرين، وتجاهله أن هناك علاقة مباشرة بين العنف القائم على الجنس، والهجرة القسرية.
أم تطالب بالعدالة لابنتها دون جدوى
عام 2016، لقيت الفتاة ماريا دي جيسس جيمس زاموديو، حتفها بعد أن ألقاها أحدهم من نافذة بالطابق الخامس في بناية بمكسيكو سيتي. وكانت ماريشوي، كما يطلق عليها أصدقاؤها وعائلتها، تبلغ من العمر 19 عاماً، وتدرس بالجامعة لتصبح مهندسة. ومنذ ذلك الحين، لم تتوقف والدتها يسنيا زاموديو عن المطالبة بالعدالة لطفلتها. تقول زاموديو في مقطع فيديو: «لدي كل الحق في حرق وكسر كل شيء أصادفه، لن أطلب إذناً من أي شخص، لأنني أفعل ذلك انتقاماً لابنتي». أعيد نشر الفيديو مرات عدة على صفحات «تويتر» و«فيس بوك»، بين 18 و21 فبراير، وانتشر أكثر من 1.2 مليون مرة. وتمضي زاموديو في رسالتها على وسائل التواصل الاجتماعي، قائلة: «قبل أن يقتلوا ابنتي، قتلوا العديد من الأخريات. وماذا عسانا جميعاً أن نفعل؟ أن نجلس في المنزل، ونبكي ونعمل على ماكينة الخياطة؟ ليس أكثر من هذا أيها السادة، انتهى الأمر، سنكسر الصمت الآن». تواصل صدى صوت زاموديو وكفاحها من أجل ابنتها ماريشوي مدة أربع سنوات، ضد استمرار الإفلات من العقاب وانعدام العدالة.
وصنف ممثلو الادعاء في مكسيكو سيتي وفاة الفتاة على أنها جريمة قتل، ولم تتم إعادة تصنيفها حتى سبتمبر من العام الماضي، على أنها قتل للنساء. ومع ذلك، لم يتم اعتقال أي شخص على خلفية مقتلها.