الطبلاوي: مقرئ القرآن الذي أحبه الرؤساء.. وتعرض لمحاولة اغتيال
شيّعت مصر، أول من أمس، مقرئ القرآن الكريم الأبرز في الجيل الحالي، محمود محمد الطبلاوي، عن عمر ناهز الـ86 عاماً، بعد أن وافته المنية أثناء تناوله الإفطار الثلاثاء الماضي مع أسرته، بعد عمر قضاه بين أضواء الشهرة كقارئ موهوب للقرآن الكريم، وكواليس صنع القرار السياسي في مصر والعالم الإسلامي.
اتسمت جنازة الفقيد الراحل ببساطة المظهر، حيث تمت الصلاة عليه في الشارع أمام منزله بحي العجوزة في القاهرة، في ظل حضور محدود من أفراد الأسرة، وممثلين عن نقابة المقرئين، التي شغل موقع أمينها العام في السنوات الأخيرة، وذلك بسبب إجراءات حظر التجمع الخاصة بـ«كورونا».
ولد الطبلاوي عام 1934 في ميت عقبة التابعة لمحافظة الجيزة، في أسرة لها امتدادات بمحافظتي المنوفية والشرقية، وحفظ القرآن الكريم في «الكتاب»، وبدأ التلاوة في سن الـ12، نظير أجر لم يتعد الـ10 قروش، وحاول الالتحاق بالإذاعة المصرية تسع مرات، ولم يوفق إلا في المرة الـ10 عام 1970، بسبب إصرار الإذاعة على تعلمه الموسيقى.
ووصف الكاتب محمود السعدني الطبلاوي في كتاب «ألحان السماء» بأنه «عبقري التلاوة»، ووصفه الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب بأنه «يمتلك النغمة المستحيلة».
اقترب الطبلاوي عبر تلاوته المميزة للقرآن الكريم من الرؤساء والزعماء، والساسة وصناع القرار، في مصر، والعالمين العربي والإسلامي، واعتبرت سفرياته الخارجية في أحايين كثيرة جزءاً من الدبلوماسية الشعبية المصرية.
وسلط سكرتير الرئيس المصري لشؤون المعلومات السابق الدكتور مصطفى الفقي، في كتابه «دهاليز السياسة وكواليس الدبلوماسية» الأضواء على كواليس زيارة الطبلاوي للهند في السبعينات لتلاوة القرآن في سرادقات عامة هناك، والتي جاءت تالية لزيارة القارئ الشهير عبدالباسط عبدالصمد، عندما كان الفقي وقت الزيارتين دبلوماسياً هناك، وأحدثت الزيارة أثراً هائلاً بين الهنود المسلمين، الذين كانوا لا يملكون منع دموعهم تأثراً بالقراءة، وأشار الفقي إلى أن هذه الزيارات كانت تعطي ثقلاً إضافياً لدور مصر الخارجي.
كشف الطبلاوي في أحاديث إعلامية متطابقة عن سماح الملك السعودي الراحل، خالد بن عبدالعزيز آل سعود، له بتلاوة القرآن الكريم داخل الكعبة الشريفة، وأن الملك الراحل منحه قطعة من الكسوة الشريفة، ظل يحتفظ بها حتى وفاته. وقال الطبلاوي في حوار له مع الإعلامي أسامة كمال في قناة «الناس» إن الملك السعودي الراحل قال له توافقاً مع هذه الواقعة إن «القرآن الكريم نزل في الجزيرة العربية، وطبع في اسطنبول، وتلي في مصر»، بما اعتبره الطبلاوي إشادة ضمنية بمسيرته.
وكشف الكاتب الصحافي وحيد رأفت لـ«الإمارات اليوم» تفاصيل علاقة الطبلاوي بالرئيس الراحل أنور السادات، التي رواها له في حوارات صحافية، مشيراً إلى أن «الطبلاوي أخبره بأن السادات التقاه في زيارة لشقيقه عصمت في مستشفى المعادي، فعاتبه على قوله في برنامج تلفزيوني إنه من (ميت عقبة)، لمعرفة السادات بوجود جذور منوفية للطبلاوي، فرد عليه المقرئ الشهير، الذي عُرف باللباقة وسرعة البديهة، بأنه سيظهر في برنامج تلفزيوني ثانٍ ويقول إنه من صفط جذام، مركز تلا محافظة المنوفية، وإنه يتشرف بكونه منوفياً».
وروى رأفت أن الطبلاوي «كان إنساناً بسيطاً، يحب أفلام إسماعيل ياسين، ونجيب الريحاني، وعلي الكسار، واسمهان، وسعاد محمد، ولا يحب صوت عبدالحليم حافظ»، كما نقل عنه ذلك في الحوارات.
في الاتجاه ذاته، دافع الطبلاوي عن الرئيس الراحل حسني مبارك، حتى بعد اندلاع ثورة 25 يناير، وبعد رحيل مبارك عن السلطة، معتبراً أن خلفية موقفه «إنسانية وليست سياسية». وقال الطبلاوي في حوار تلفزيوني لقناة «الحياة» في 2015 إن المشكلة «التي نسبها الكثيرون لأوضاع ما قبل 25 يناير 2011 لم تكن في مبارك، وإنما في شخوص حوله، مدللاً على ذلك بوقفة إيجابية لمبارك معه، حين اشتبك مع مسؤولي الديوان، الذين رفضوا تقديم طعام خاص لمقرئ مريض في جنازة ابن علاء مبارك، حيث وقف الرئيس السابق مع الطبلاوي وزملائه، ونهر مسؤولي الديوان طالباً منهم تنفيذ كل طلباتهم».
الجدير بالذكر أن الطبلاوي تعرض لمحاولة اغتيال غامضة، عبر تقديم فنجان قهوة دس فيه السم من قبل أحد خصومه، لكنه لسبب غامض أحجم عن شرب القهوة، بعد أن مد يده إليها مرات عدة، فالتقطها أحد الحضور الذي توفي على الفور بعد شربها، كما كشف هو بنفسه هذا السر في نهاية حياته، في حوار مع الإعلامية إيمان الحصري لبرنامج «مساء دي مي سي» بقناة «دي مي سي».
تجدر الإشارة أيضاً إلى أن الطبلاوي اعتزل عالم التلاوة في سن الـ84، وتفرغ للدفاع عن المقرئين الذين بلغ عددهم 8000 شخص، فترشح لموقع النقيب خلفاً للشيخ أبوالعنين شعيشع، ونجح في رفع معاشاتهم، وتقديم خدمات لهم.