آلاف السكان في جنوب إفريقيا يكافحون من أجل هواء نقي
تعتبر جنوب إفريقيا سابع أكبر منتج للفحم، في العالم، وتنتج نحو 90% من الكهرباء من هذا المصدر الملوث. ووجدت دراسة أجرتها «غراوند وارك»، أن آلاف الأشخاص يموتون، كل عام، في جنوب إفريقيا، من عواقب تلوث الهواء من محطات الطاقة التي تعمل بالفحم. والأسباب الأكثر شيوعاً للوفاة هي التهابات الجهاز التنفسي السفلي، والالتهاب الرئوي، والسرطان، وأمراض القلب.
والوضع يعتبر مأساوياً، بشكل خاص، في منطقة «إيمالاليمي»، وهي بلدة تعدين، يسكنها أكثر من 400 ألف نسمة. وتحت الفصل العنصري، كانت المدينة تسمى «ويتبانك»، والآن معظم سكانها السود فقراء، في الغالب، مثل أي وقت مضى. وتقدر البطالة بين الشباب بنسبة 50%، ولا تحصل العديد من الأسر على مياه الشرب، كما أن الرعاية الطبية سيئة للغاية.
«إيمالاليمي» محاطة بمناجم الفحم ومحطات الطاقة ومصاهر المعادن، ومنازل الناس المتاخمة لأكوام الفحم السوداء الشاهقة. وتتقاطع المناظر الطبيعية مع خطوط الكهرباء، بينما قوافل عربات النقل الثقيلة تتحرك ذهاباً وإياباً، بين المناجم ومحطات الطاقة. وتُلوث المياه العادمة الحمضية، التربة، وتسمم العديد من الأنهار والبحيرات القريبة، في حين يعلو ضباب رمادي دائم سماء البلدات، وحتى في ليلة صافية، نادراً ما تكون النجوم مرئية.
مشكلة قديمة
يقول شون، وهو طفل يبلغ من العمر 13 عاماً، بينما يلعب بهاتفه الذكي، إنه لا يحتاج إلى هذا الشيء. وهذا «الشيء» هو جهاز تنفس أخضر، بجانبه على الأريكة. ويضطر شون إلى ارتداء القناع كلما واجه صعوبة في التنفس. وتم تشخيص حالته بحساسية شديدة بسبب تلوث الهواء؟ ويقول والد شون، كالفين هلابانغواني: «لقد واجه هذه المشكلة منذ أن كان طفلاً صغيراً».
ويقول عامل المنجم، البالغ من العمر 32 عاماً، إن طريقة تنفس ابنه أثناء نومه، أثار قلق والديه، لسنوات. ويتفاقم قلقهما هذه الأيام بسبب الخوف من إصابة ابنهما بفيروس «كورونا». وشون عرضة للإصابة، بشكل خاص، بسبب حالته، وهو واحد من بين أكثر من 10 آلاف شخص، يصابون بالتهاب الشعب الهوائية أو الربو، كل عام، في جنوب إفريقيا، وفقاً لدراسة أجرتها المنظمة البيئية «غراوند وارك».
معاناة مزمنة
يقول هلابانغواني إن المنطقة التي تعيش بها عائلته، سُجل فيها أكبر عدد من الحالات. ويبدو أن عائلته ليس لديها خيار سوى قبول المعاناة المزمنة كجزء من الحياة في فوسمان، وهي بلدة متداعية في مبومالانجا. والمنطقة هي قلب صناعة تعدين الفحم، في جنوب إفريقيا، حيث يتم استخراج وحرق معظم الرواسب، لتوليد الكهرباء.
وينام سكان فوسمان ونوافذهم مغلقة، لكن الغبار السام يتمكن من اختراق نوافذ وجدران أكواخهم. وكل صباح، تكون الأسطح والشوارع مغطاة بطبقة سوداء من غبار المعادن. ويقول هلابانغواني: «يؤكد الأطباء أن ابني يمرض بسبب الهواء السيئ، لكنني لست متأكداً». إنه متردد في انتقاد صناعة الفحم، لأنه يعمل ميكانيكياً في المنجم القريب. وقام ببناء ملحق لمنزله الصغير، ويمكنه أيضاً تحمل تكاليف مولد، لإمداد كوخه بالتيار الكهربائي الذي ينقطع باستمرار.
وتقول بروميس مابيلو (44 عاماً): «كل من لديه عمل، يجد نفسه في هذه المعضلة»، متابعة «لا أحد يعض اليد التي تطعمه». وأصبحت مابيلو ناشطة بيئية، في فوسمان، لأن ابنها ليفا مريض، أيضاً، ولم يكن قادراً على العيش من دون بخاخ الربو، منذ أن كان عمره ثماني سنوات. وتقوم مابيلو بجمع البيانات في البلدات لمنظمة «فوكاني» البيئية، وتلخص الوضع العام بكلمتين: «الفحم يقتل».
جنون الفحم
ولدى مابيلو صورة على هاتفها الذكي، تظهرها في تظاهرة أمام بوابة براندنبورغ، في برلين، «إن حركاتنا الاحتجاجية مترابطة في جميع أنحاء العالم، ويجب أن نحارب جنون الفحم في كل مكان»، موضحة «لكنني لا أعتقد أن هناك مكاناً في العالم أسوأ من هنا».
وأكد تقرير لمنظمة «غرينبيس» البيئية شكوكها، فقد أظهر تقييم لبيانات الأقمار الاصطناعية، في خريف 2018، أنه لا توجد منطقة أخرى في العالم أكثر تلوثاً بثاني أكسيد النيتروجين، مثل فوسمان والبلدات المجاورة.
تفشّ كارثي
تقول الناشطة البيئية، بروميس مابيلو، إن الكثير من الناس في مبومالانجا يشتبهون في تعرضهم للتسمم البطيء، لكن معظمهم لا يعرفون كيف يكافحون هذا التسمم، «حالياً، يجب على المنطقة أن تصارع الفيروس التاجي، وفي أماكن مثل إيمالاليمي، مع عدم كفاية البنية التحتية الطبية، سيكون تفشي المرض كارثياً».
مستشفى المقاطعة في وسط المدينة غير مستعد للوباء، والواقع أنه مثقل بالأعباء. ويقول محمد خان، وهو طبيب يعمل في المستشفى منذ 13 عاماً: «في الوقت الحالي، سنحتاج إلى المزيد من الموارد لوقف الزيادة في أمراض الرئة المزمنة»، متابعاً «لقد خرجنا للتو من اجتماع أزمة، والمستشفى لم يكن به مياه جارية لمدة أسبوع، والأمور لم تكن بهذا السوء من قبل».
قليل من الاهتمام
حتى في زمن جائحة «كورونا»، تستمر معركة السكان ضد تلوث الفحم، بلا هوادة. وأبدت حكومة جنوب إفريقيا اهتماماً ضئيلاً بتعزيز الطاقة المتجددة. وتقول الناشطة بروميس مابيلو، إنها تواصل هي والكثيرون في المنطقة، الاعتماد على شركة الكهرباء المملوكة للدولة. وتضيف: «لأن سياسيينا الفاسدين يمكن أن يحققوا ثروات بفضل شركة الكهرباء، فإن مثل هذه الممارسات ستؤدي إلى موت المزيد من الناس في المنطقة، بسبب تلوث الهواء، ونحن أيضاً، نحتاج إلى تحول في استهلاك الطاقة».