استخدم ضد المعارض نافالني والجاسوس سكريبال
«نوفيتشوك».. غاز مثير للجدل يقتل بسرعة وبصمت دون اكتشافه
بعد عامين من ظهوره إلى السطح، في أعقاب حادث التسمم الذي تعرض له الجاسوس الروسي السابق سيرغي سكريبال، وابنته يوليا سكريبال، في بريطانيا، عاد غاز الأعصاب «نوفيتشوك» إلى دائرة الضوء مرة أخرى، لكن هذه المرة كان ضحيته هو زعيم المعارضة الروسية الناشط في مكافحة الفساد، أليكسي نافالني. فما هذا الغاز المثير للجدل الذي يعود تاريخه إلى الحقبة السوفييتية؟ وما طبيعته واستخداماته وعمله؟
كيف تم تطوير غاز «نوفيتشوك»؟
ظل الاتحاد السوفييتي السابق والولايات المتحدة يتنافسان في تطوير هذا الغاز خلال الحرب الباردة، عندما كان السباق لتطوير أسلحة دمار شامل على أشده بين الدولتين، في 25 مارس 1983 أصدرت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي ومجلس الوزراء السوفييتي، مرسوماً سرياً يوجه معهد الأبحاث «غوس نلوخت» في موسكو لتطوير نسخ ثنائية من عناصر الجيل الرابع من هذا الغاز، وكان الأساس المنطقي وراء هذه الخطوة هو اللحاق بالولايات المتحدة في هذا المجال، التي كانت لديها بالفعل ثلاث ذخائر كيماوية ثنائية قيد التطوير.
نقاش الكونغرس
وعلى عكس الولايات المتحدة، حيث يصبح تطوير العوامل الكيماوية الثنائية موضع نقاش علني في الكونغرس، كان الاتحاد السوفييتي يطور غاز الأعصاب في سرية تامة، جزءاً من برنامج يحمل الاسم الرمزي «فوليانت». أحد الأسباب الرئيسة للسرية هو تطوير هذه الغازات التي تشبه مكوناتها المواد الكيماوية الصناعية العادية، بحيث لا يتم اكتشافها باستخدام معدات الكشف الكيماوي الخاصة بحلف شمال الأطلسي (ناتو)، في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي. المواد الكيماوية المستخدمة في صنع هذا العنصر أقل خطورة بكثير من العامل نفسه، وبالتالي يمكن أيضاً التحايل على اتفاقية الأسلحة الكيماوية، وهي معاهدة للحد من الأسلحة دخلت حيز التنفيذ في أبريل 1997 ووقّعت عليها 192 دولة.
أول سلاح كيماوي طوره علماء برنامج «فوليانت» اتخذ الاسم الرمزي «نوفيتشوك»، الذي يعني باللغة الروسية «القادم الجديد».
وكتب خبير الأسلحة الكيماوية، جوناثان تاكر، في كتابه «حرب الأعصاب: الحرب الكيماوية من الحرب العالمية الأولى إلى القاعدة»، أن الجيش السوفييتي خطط لإنتاج ما يصل إلى ستة أنواع من سلائف «نوفيتشوك» الثنائية بمصنع بافلادور الكيميائي في شمال كازاخستان، ومع ذلك، وبينما كان هذا العنصر قيد التطوير، كان لابد من هدم مبنى إنتاج معدات الحرب الكيماوية في عام 1987، قبل أن تدخل اتفاقية الأسلحة الكيماوية المرتقبة حيز التنفيذ، وفي ما بعد بدأ إنتاج عناصر «نوفيتشوك» بمعاهد البحوث في أوزبكستان وروسيا.
كيف يؤثر عنصر «نوفيتشوك» في جسم الإنسان؟
الكثير مما نعرفه عن «نوفيتشوك» جاء من كتابات العالم، فيل ميرزايانوف، وزميله ليف فيودوروف، اللذين كانا مرتبطين سابقاً بمعهد تطوير الأسلحة الكيماوية في الاتحاد السوفييتي، وظهرت هذه الكتابات عام 1992، وأشارا إلى أن غاز الأعصاب هذا أكثر فاعلية بـ10 مرات في قتل الناس من نظيره الأميركي المعروف باسم «في إكس».
ومثله مثل غازات الأعصاب الثنائية الأخرى، تمتص الرئتان والجلد «نوفيتشوك» ليدخل إلى الجهاز العصبي، ما يؤدي إلى الشلل، وتمنع غازات الأعصاب عمل إنزيم «أستيل كولينستراز»، وهو إنزيم يحفز على استرخاء «أستيل كولين» وبعض استرات الكولين الأخرى التي تعمل كناقلات عصبية، ونتيجة لذلك تدخل العضلات في حالة تقلص وتشنج غير منضبط، وهي علامة على الشلل أو النوبة، ويمكن أن يصبح قاتلاً إذا امتدت مثل هذه الحالة إلى عضلات القلب والجهاز التنفسي، بعض الأعراض الأخرى التي تسببها غازات الأعصاب، تتمثل في اتساع حدقة العين والتعرق وآلام الجهاز الهضمي.
متى تم استخدام «نوفيتشوك» وغازاتالأعصـاب الأخرى في الماضي؟
لم يتم استخدام «نوفيتشوك» في أي حرب عامة أبداً. في مارس 2018 تم استخدامه سماً لاستهداف الجاسوس الروسي سكريبال، وابنته، في مدينة سالسبوري في إنجلترا، لكنهما نجَوَا، وفي وقت لاحق اتهمت الحكومة البريطانية روسيا بمحاولة قتلهما، لكن روسيا نفت الاتهامات وألقت باللوم على بريطانيا بدلاً من ذلك في تسممهما.
بعد ثلاثة أشهر من ذلك، أصيب المواطنان البريطانيان، تشارلي رولي ودون ستورجس، بالتسمم بغاز الأعصاب نفسه، وبينما ماتت ستورجس، استعاد رولي وعيه بعد يومين، ويبدو أن أحدهما كان يمسك بزجاجة عطر استخدمت في تنفيذ الهجوم الأول. وفي نوفمبر 2019 أضافت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية هذا الغاز إلى قائمة السموم المحظورة، في واحد من أول التعديلات الرئيسة على المعاهدة منذ توقيعها في التسعينات.
حالات تم فيها استخدام غازات الأعصاب
استخدمت الحكومة العراقية غازات الأعصاب عام 1988 ضد السكان الأكراد، وفي عام 1994 توفي ثمانية أشخاص وأصيب 500 عندما وقع هجوم بغاز السارين في ماتسوموتو باليابان، علاوة على ذلك وقع هجوم بغاز السارين عام 1995 في مترو أنفاق طوكيو، ما أسفر عن مقتل 12 شخصاً وإصابة 50 آخرين، وأخيراً في أبريل 2018، أدت غازات الأعصاب المستخدمة خلال هجوم نُفذ في مدينة دوما السورية، إلى مقتل ما يقرب من 50 شخصاً.
عوامل عدة تجعل «نوفيتشوك» أشد الغازات فتكاً
أولاً، ذكر الكيميائيون السوفييت أن هذه المادة الكيماوية هي الأقوى التي تم تركيبها على الإطلاق، حيث تبلغ فاعليتها بين ست و10 مرات أعلى من مادة «في إكس»، وهي المادة الكيماوية التي تم استخدامها لقتل الأخ غير الشقيق لرئيس كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، أو غاز السارين، وهو الغاز الذي يُزعم أن الحكومة العراقية استخدمته في عام 1989، والذي استخدمته الحكومة السورية في أبريل الماضي، وبالتالي فإن أي جرعات، حتى ولو منخفضة للغاية، من مسحوق أو سائل من هذه المادة التي يظل تركيزها الدقيق غير معروف، تصبح مميتة للغاية.
الأمر الأكثر إثارة للقلق أن غاز «نوفيتشوك» تم تصميمه بحيث لا يمكن اكتشافه بوساطة وسائل الحرب الكيماوية الخاصة بـ«الناتو»، حيث يتحايل على أي معدات حماية تابعة لهذا الحلف. ويسهل ذلك من استخدامه ضد قوات «الناتو» من دون أن يخشى الاتحاد السوفييتي (أو روسيا) أي عقاب أو رد فعل.
عالِم الكيمياويات، البروفيسور جاري ستيفنز، يقرّ بأن الكشف عن آثار غاز «نوفيتشوك» سيكون صعباً للغاية، ومن الصعب أيضاً تنظيفه، لأن الجهة التي تريد إزالته لا تستطيع أن تحدد أياً من كيمياويات «نوفيتشوك» بالضبط تلك المادة التي تريد معالجتها. وتتمثل مهمة «نوفيتشوك» في: القتل بسرعة وبصمت ومن دون كشف، وعلى ما يبدو، كما حدث في بريطانيا، فقد نجح هؤلاء الكيميائيون في مهمتهم.
تحقيق شامل
دعت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشليه، موسكو إلى إجراء أو التعاون مع «تحقيق شامل وشفاف ومستقل ومحايد»، بشأن الهجوم المفترض بغاز الأعصاب «نوفيتشوك»، الذي تعرّض له المعارض البارز أليكسي نافالني.
وأفادت باشليه، في بيان، بأن «عدد حالات التسمم، أو غير ذلك من الاغتيالات، المستهدفة لمواطنين روس حالياً وسابقاً، سواء ضمن روسيا نفسها أو على أراض أجنبية، على مدى العقدين المنصرمين، يثير القلق البالغ».
وشددت على أنه «يتحتم على السلطات الروسية التحقيق بشكل كامل بشأن الجهة المسؤولة عن هذه الجريمة، التي تعد خطيرة للغاية وارتكبت على الأراضي الروسية».
وقالت: «هذا يثير العديد من الأسئلة، لماذا استُخدمت مواد مثل هذه؟ من يستخدمونها؟ كيف حصلوا عليها؟».
غاز «نوفيتشوك» تم تصميمه بحيث لا يمكن اكتشافه بوساطة وسائل الحرب الكيماوية الخاصة بـ«الناتو»، حيث يتحايل على أي معدات حماية تابعة لهذا الحلف.
خلال مارس 2018، تم استخدام «نوفيتشوك» سمّاً لاستهداف الجاسوس الروسي سكريبال، وابنته، في مدينة سالسبوري في إنجلترا، ولكنهما نَجَوَا، وفي وقت لاحق اتهمت الحكومة البريطانية روسيا بمحاولة قتلهما، لكنّ روسيا نفت الاتهامات وألقت باللوم على بريطانيا بدلاً من ذلك في تسممهما.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news