باحث: سارتر أشعل حملة الهجوم الصحافي على عبدالناصر
كشف باحث مصري مقيم في فرنسا أن فيلسوف الوجودية، جان بول سارتر، هو الذي أشعل حملة الهجوم الصحافي على الزعيم الراحل جمال عبدالناصر في الأوساط الصحافية والثقافية المصرية في السبعينات. وبين الباحث أن شعلة البداية كانت مقالاً للكاتب الكبير توفيق الحكيم، كلفته بكتابته رفيقة سارتر في المسيرة الثقافية والحياة، سيمون دي بوفوار، ثم تلقف سارتر بعدها الخيط ليقنع الحكيم بأن يكون المقال كتاباً يحمل العنوان نفسه، وهو «عودة الوعي»، وأبدى مثقفون مصريون استغرابهم لعلاقة سارتر بالحملة، نظراً للحفاوة التي استقبله بها عبدالناصر في مصر، واعتبار عبدالناصر سارتر «فيلسوف التغيير الثوري».
تحريض
وقال مدير مركز دراسات الشرق الأوسط، أحمد يوسف، في حلقة لبرنامج «النقاش» على فضائية «فرانس 24»، الثلاثاء الماضي، بمناسبة الذكرى الخمسين لرحيل عبدالناصر إن «كتاب (عودة الوعي) الذي أصدره توفيق الحكيم، وهاجم فيه عبدالناصر كان في الأصل فكرة كلفت بها رفيقة سارتر سيمون دي بوفوار الحكيم بكتابتها، لينتشر في مجلة (الأزمنة الحديثة)، وإن سارتر التقط الخيط منها ليقترح على الحكيم نشره بعد ذلك في كتاب ليحدث أثراً أكبر وأوسع من الدائرة الصحافية، الأمر الذي مثل قنبلة في العالم العربي، لما اشتمل من نقد عنيف ضد عبدالناصر، الذي كان هو وذكراه من المقدسات في العالم العربي»، ووصفت بوفوار مقال الحكيم بأنه «رؤية توجع القلب، لكنها جراحة لابد منها».
وكان كتاب الحكيم «عودة الوعي»، الذي انتقد فيه عبدالناصر، وثورة يوليو 1952، واعتبره رداً على كتابه «الوعي المفقود» الذي وصفه مراقبون بناموس الثورة المصرية، بداية لحملة واسعة ومتواصلة على عبدالناصر، ومنجزات وخط يوليو 1952، شارك فيه مجموعة من الكتاب أبرزهم ثروت عكاشة، وجلال الدين الحمامصي، وصالح جودت، وتصدى للرد عليهم مجموعة مقابلة كان أبرزهم الصحافي الراحل، حسنين كروم.
وأثارت تأكيدات ارتباط سارتر بحملة الهجوم على عبدالناصر حالة من الاستغراب في الأوساط الناصرية بسبب العلاقة القوية بين الرجلين.
موقف مثير للدهشة
وقال مؤرخ المقاومة الشعبية الكاتب الصحافي محمد الشافعي لـ«الإمارات اليوم» إن «موقف سارتر وسيمون بوفوار المهاجم لعبدالناصر مثير للدهشة، فقد استقبلتهما مصر الناصرية بأذرع مفتوحة، واعتبرت مصر سارتر فيلسوف التغيير الثوري في العالم وقتها، وشملت زيارة سارتر ودي بوفوار، التي استمرت 16 يوماً، جولة في قرية (كمشيش) التي كانت تشهد، بلغة مصر الناصرية وقتئذٍ، معركة بين الفلاحين والإقطاع، كما تصدر اسم سارتر وبوفوار الصحف والمجلات المصرية، بوصفهما من مناصري العالم الثالث».
وتابع أن «لقاء ناصر وسارتر وبوفوار استمر 3 ساعات كاملة، تضمن اشادة بمنجزات يوليو كالسد العالي، والإصلاح الزراعي، كما تضمن نقاشاً موسعاً لواقع حقوق الانسان في مصر، بعد أن أثار سارتر تساؤلات حولها. فلماذا بعد هذا كله، حث سارتر الحكيم على الهجوم بضراوة على كامل التجربة.
أثر الحكيم على عبدالناصر
وقال الشافعي: «أما بالنسبة لتوفيق الحكيم فقد كان أبرز من أثر في تكوين عبدالناصر الفكري، حيث كان كتاب (الوعي المفقود) عن (البطل التاريخي الذي يخلص مصر) أحد محفزات عبدالناصر للاشتراك في ثورة يوليو». في المقابل، اعتبر الحكيم من كتاب الثورة، ومنح عبدالناصر الحكيم قلادة الجمهورية عام 1958، وجائزة الدولة التقديرية عام 1961، وكان يستقبله في «أي وقت وبغير تحديد موعد»، بحسب ما ذكر الحكيم في حديث صحافي لـ«الأهرام» في 15 مارس 1965.
كما وفر عبدالناصر الحماية لتوفيق الحكيم، حين اعترض عبدالحكيم عامر على كتابه «بنك القلق»، وحماه مرة أخرى حين اصطدم بوزير المعارف، إسماعيل القباني، ووصل الأمر الى إقالة الوزير بسبب هذا الصدام.
الجدير بالذكر أن الهجوم على جان بول سارتر، الذي اتخذ موقفاً مناصراً للثورة الجزائرية، جراء ازدواجية مواقفه، ليس جديداً، حيث انتقدته الصحافية المصرية عايدة الشريف في كتابها «شاهد على ربع قرن»، وكشفت عن عدم ارتياحه لحمل أطفال غزيين علم فلسطين أثناء استقبالهم له في زيارته لمصر، كما انتقده أيضاً المفكر الأميركي الفلسطيني إدوارد سعيد، الذي صرح بأن سارتر غير «متعاطف مع النكبة الفلسطينية»، وكان انطباع سعيد سيئاً عنه في اللقاء الوحيد الذي جمعهما.
- لقاء ناصر وسارتر وبوفوار استمر ثلاث ساعات كاملة، تضمن إشادة بمنجزات يوليو كالسد العالي، والإصلاح الزراعي، كما تضمن نقاشاً موسعاً لواقع حقوق الإنسان في مصر، بعد أن أثار سارتر تساؤلات حولها.
- موقف سارتر وسيمون بوفوار المهاجم لعبدالناصر مثير للاندهاش، فقد استقبلتهما مصر الناصرية بأذرع مفتوحة، واعتبرت مصر سارتر فيلسوف التغيير الثوري في العالم وقتها.