زواج لا يُلزم المرأة بالعيش مع عائلة زوجها
ارتباط غير تقليدي بين الأزواج يثير نقاشاً ساخناً في الصين
أثار نوع جديد من الزواج، يُدعى «ليانغ تو هون» أو «زواج الجانبين»، جدلاً محتدماً في الصين، وهو ترتيب يختار فيه الزوج والزوجة البقاء مع عائلتيهما الأصليتين بعد الزواج، لحمل الألقاب العائلية لكل منهما، ولمواصلة حمل الأسماء العائلية لكل جانب، عادة ما يكون للزوجين طفلان، أحدهما يأخذ لقب الأب وتتم تربيته بشكل أساسي من قبل عائلته، بينما يذهب الطفل الآخر إلى جانب الأم.
علاوة على ذلك، قبل إقامة حفل الزفاف، لا يتعين على العريس تقديم هدايا خطوبة للعروس، التي لا تقدم شيئاً بدورها، وهذا يأتي في تناقض حاد مع الزيجات الصينية التقليدية، ومنذ آلاف السنين من التاريخ الصيني دأب العريس على تقديم هدايا خطوبة للعروس وعائلتها، قبل الزواج، ثم تقدم عائلة العروس مهراً، ويُنظر إلى الزواج من دون مهر أو هدايا خطوبة، على أنه عار في المجتمع الصيني، حتى اليوم.
وتقليدياً، بعد حفل الزفاف يتم نقل العروس إلى عائلة العريس، ومن المتوقع أن تبقى مع عائلة زوجها، وتعتني بحماتها ووالد زوجها، وتصبح في الأساس جزءاً من عائلة زوجها، ومع ذلك فإن التحضر وتحرير المرأة والتطور الاجتماعي، قد غيرت هذا التقليد العريق، ويمكن للزوجة الآن اختيار عدم العيش مع عائلة الزوج، وبمجرد أن تتزوج المرأة لايزال يُنظر إليها من قبل الكثيرين على أنها تابعة لأسرة الرجل، ووفقاً لمثل صيني فإن الابنة المتزوجة مثل «الماء المنسكب».
والشابة الصينية، تشو باي، من سكان مدينة جياشينغ، بمقاطعة تشجيانغ، متزوجة بهذه الطريقة منذ أربع سنوات، وكان والدا تشو مترددين بخصوص زواج طفلتهما الوحيدة، وذهابها إلى عائلة أخرى، لذلك قررا اختبار «زواج الجانبين»، إذ لم يكن على تشو أن تنتقل وتعيش مع عائلة زوجها، وفي الثقافة الصينية التقليدية يمكن للولد، فقط، أن يحمل اسم العائلة، لكن بسبب سياسة الطفل الواحد، فإن العديد من المولودين بعد الثمانينات، بما فيهم النساء بالطبع، باتوا الطفل الوحيد في أسرهم، وغالباً ما يُنظر إلى الطفلة الوحيدة بعد بلوغها على أنها الدعامة الاقتصادية والراحة العاطفية للوالدين، وفي هذا السياق إذا تزوجت فسينقطع خط عائلة أجدادها.
شرط أساسي
وتخلّت الصين عن سياسة الطفل الواحد، عام 2015، وقال الأستاذ في جامعة تشجيانغ للدراسات الدولية، الدكتور تشاو تشونلان، الذي أجرى بحثاً ميدانياً حول «زواج الجانبين»، في القرى بمقاطعة تشجيانغ شرق الصين، إن الشرط الأكثر أهمية وضرورة من هذا الزواج هو إنجاب طفلين، بحيث يمكن لكل أسرة أن تحصل على وريث واحد لممتلكات الأسرة، ويستمر خط الأسرة ولقبها، وفي الصين تحدث معظم هذه الزيجات في القرى الغنية بمقاطعتي جيانغسو وتشجيانغ، حيث يعيش الناس بالقرب من بعضهم، والعائلات الغنية على حد سواء، وتتمتع النساء بمكانة اجتماعية واقتصادية عالية، لذلك في هذه المجالات، عندما ترغب المرأة في الزواج فإنها لا تحاول فقط العثور على شخص يمكنه المشاركة في عبء الأسرة، مثل تربية الأطفال ورعاية الوالدين المسنين، لكن أيضاً تسعى جاهدة لإيجاد طريقة للحفاظ على استقلاليتها، واستمرار ألقاب عائلاتها الأصلية، وحماية ممتلكاتها من أن يأخذها الرجل من خلال الزواج.
لدى تشو طفلان، ويحمل أحدهما اسم عائلتها، فيما يحمل الآخر اسم عائلة زوجها، وقالت إن الطفلين تساءلا لماذا لديهما ألقاب مختلفة، فأجابت الأم: «لأن لقبا الأم والأب جميلان، لذلك نريد أن يكون لكما اثنان»، وأكدت أنهما عاملا الطفلين على قدم المساواة رغم اختلاف اللقبين، لكن ليست معظم العائلات متناغمة مثل عائلات تشو، وقالت إن صديقة لها انفصلت أخيراً بسبب مشكلة تتعلق بلقب طفلها.
وأوضحت تشو أن صديقتها قبل أن تتزوج كانت وزوجها قد توصلا إلى اتفاق على أن ينجبا طفلين، الأول يحمل اسم الزوج والثاني اسم الزوجة، لكن عندما أنجبت الطفل الأول (ولد) غيّرت الزوجة رأيها، وأرادت أن يلقب الصبي باسمها، ووعدت بدفع 5 ملايين يوان كتعويض لأسرة الزوج، لكن الرجل لم يوافق، فتشاجرا كثيراً بخصوص هذا الأمر وانتهى بهما الأمر إلى الطلاق.
مكانة اجتماعية
أشار تشونلان إلى أنه بصرف النظر عن سياسة الطفل الواحد، فإن هذه الظاهرة لها علاقة كبيرة بالمكانة الاجتماعية المتزايدة للمرأة المحلية، وفهم أفضل لقيمة الذات، متابعاً: «عندما أنظر إلى أبي وأمي، أعتقد أن والدي ليس مراعياً لهذه الدرجة ولا يهتم بوالدتي كثيراً، ويمكنني الشعور بالتفاوت في الوضع الأسري بينهما».
وتقول تشو إن عائلة والدتها الأصلية تسكن بعيداً عن مدينة جياشينغ، وبما أن أمها تزوجت بأبيها، فقد كان «يُنظر إليها على أنها جزء من عائلة زوجها ولم يكن بإمكانها العودة كثيراً، رغم أنها كانت تفتقد والديها»، متابعة: «منذ عامين، توفي جدّاي على التوالي، وعلى الرغم من أن أمي أرادت قضاء المزيد من الوقت في الاعتناء بهما، إلا أنها لم تستطع البقاء هناك لفترة طويلة».
ولم تعامل زوجة خال تشو جديها بشكل جيد، لذلك كانت والدتها قلقة للغاية، وتؤكد تشو أنها اختارت «زواج الجانبين»، حتى يتسنى لها أن تقرر بحرية الأسرة التي تريد العيش معها (عائلتها أو عائلة زوجها)، ومدة البقاء مع والديها، وقالت إن زوجها يحترمها و«سيفعل معظم ما طلبت منه القيام به»، بما في ذلك الأعمال المنزلية.
مكانة متساوية
تعتقد تشو أن أكبر ميزة لـ«زواج الجانبين» أنه لن يتم تجاهل صوتها، ويمكنها الحصول على مكانة متساوية مع زوجها، ووالداها وعائلة زوجها لا يعتبرونها تابعة لزوجها، وانتقلت، أخيراً، للعيش مع عائلة زوجها، وبما أن طفليها يحبان قضاء الوقت مع جدتهما، فهي تعيش هناك منذ أربعة أشهر، وقد تسبب هذا في أن تكون والدة تشو غير سعيدة بعض الشيء، وقد اتصلت بها مرات عدة لإعادة الطفلين.
وتقول تشو: «يريد كلا الجانبين قضاء المزيد من الوقت معهما، وحماتي تعامل أطفالي بشكل جيد للغاية، وعلمتهم بطريقة مستقلة جداً، لذلك يحبها أطفالي».
إيجابيات وسلبيات
يقول المحامي في شركة «زيجيانغ» للمحاماة، يانغ هويلي، إن النوع الجديد من الزواج سببه الحياة العصرية المتسارعة، حيث لا يملك الأزواج الصغار الطاقة أو الوقت لرعاية أطفالهم، ويتعين عليهم الاعتماد على والديهم، وأضاف هويلي أن الاعتماد على عائلات الأبوين هو أيضاً نتيجة ضعف القدرة على العيش المستقل لبعض الآباء والأمهات الذين لديهم طفل واحد.
ومع ذلك، هناك بعض المزايا في هذا الترتيب، ونظراً إلى أن العريس لا يحتاج إلى تقديم هدية خطوبة باهظة الثمن لعائلة العروس، ولا يتعين على العروس دفع مهر، فإن ذلك يقلل العبء المالي على كلا الجانبين، ويحفز المزيد من الشباب على الزواج، وفقاً للمحامية الشابة، يانغ هونغ، التي تقول إن «زواج الجانبين»، يساعد في التخفيف من مشكلة الشيخوخة التي تواجه المجتمع الصيني، من خلال تشجيع الأزواج على إنجاب طفلين.
وأضافت أنه مع حمل طفلَي الأسرة الجديدة اسمَي عائلتين مختلفتين، فإن ترتيب الزواج الجديد يمكن أيضاً أن يمنع نزاعات الوراثة وتربية الأطفال، وفي ذلك يقول المحامي، دو هويلي، إن «زواج الجانبين» يسبّب ضغطاً نفسياً أقل على العريس، الذي يجب أن يعيش مع عائلة العروس بعد الزواج، لأن عائلته الأصلية أقل رفاهية، وبالتالي لديه استعداد أقل لتحمل مسؤولية الأسرة.
وأوضح هويلي أنه في هذا النوع من الزواج، حيث يرتبط الزوجان من دون عبء مالي، فإن العلاقة تعاني ضغوطاً نفسية أقل، خصوصاً من جانب الرجل، لكن هناك أيضاً جوانب سلبية. وقال هويلي إنه في حين أن هذا النوع الجديد من الزواج يمكن أن يقرّب الرابطة بين الأزواج وعائلاتهم الأصلية، فإن الأسرة الجديدة ستتأثر، وقد تُقوض العلاقة الحميمة بين الزوجين، وفي كثير من الحالات اندلعت الخلافات بين الأزواج والزوجات، بسبب الخلافات حول قضايا مثل تخصيص وقت الإقامة بشكل غير متساوٍ بين الجانبين.
اعتماد مفرط
قال مدير معهد أبحاث قانون الزواج والأسرة التابع لجمعية القانون الصينية، وي شياو تشون، الذي يعيش في تشجيانغ، منذ أكثر من 10 سنوات، إن «زواج الجانبين» يعزز إلى حد ما المساواة بين الجنسين، ويعزز الوضع الاجتماعي للمرأة، ومن جانب الرجل لا يحتاج إلى تقديم هدايا خطوبة، ما يقلل بشكل كبير من أعبائه المالية.
ومع ذلك، جادل وانغ جاوهوا، وهو محامٍ كبير يعيش في جيانغسو، منذ سنوات، بأنه في مثل هذه الزيجات غالباً ما يكون لدى الشركاء شعور أقوى بالانتماء إلى عائلاتهم الأصلية، وغالباً ما يعتمد آباؤهم عليهم بشكل مفرط.
وفي هذا السياق، كلما كان هناك خلاف بينهما، ستعود الزوجات إلى آبائهن بحثاً عن الراحة، ما يتسبب في مشكلات جديدة بين الأزواج الصغار، وأضاف المحامي أنه يتعامل مع نحو 40 حالة طلاق، كل عام ونصف العام، وهذه الحالات تتعلق بـ«زواج الجانبين»، والسبب الرئيس هو مشاركة الآباء الواسعة في زواج أطفالهم.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news