المرصد

«احنا آسفين يا ترامب»

لم يكن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب يهزل حين قال في مطلع ولايته الثانية عام 2017 إن «الصحف والفضائيات ومختلف وسائل الإعلام ستنهار إذا اختفى هو من المشهد».

كان ترامب على حق، ويقيم حجم تأثيره الشخصي دون نرجسية، فقد كان بالفعل حديث الصباح والمساء، وكانت تصريحاته الوقود الذي تعمل به وسائل الإعلام الأميركية، بغض النظر عن محتوى سياسات الرجل المتشددة وتصريحاته.

فطبقاً لصحيفة «الشرق الأوسط»، فإن نسبة متصفحي «واشنطن بوست» على موقعها الإلكتروني، انخفضت بنسبة 26% في يناير 2021 مقارنة بالشهر ذاته في العام 2020، كما انخفضت بالقياس ذاته مشاهدة «نيويورك تايمز» 17%، و«سي إن إن» بنسبة 45%.

تمثل ظاهرة قراءة ومشاهدة «الأكثر استفزازاً» واقعاً في عالم اليوم، حيث لم يعد المحتوى الأكثر نفعاً أو قيمة هو الأكثر طلباً، وإنما المحتوى الأكثر صخباً والأبهر صورة.

كان أخطر ما في الظاهرة الترامبية على الصعيد الإعلامي ليس صخبه واستعراضاته واستفزازاته التي لا تنتهي، ولا إطاحته رسمياً بكامل النظام الاعلامي القديم، واعتماده على «تويتر» فقط، الذي كان لديه عليه 47 مليون متابع، بحسب كتاب «جنون الإعلام» لهاوراد كيرتز، وإنما لترتيبه طريقة حياة أميركية كاملة على الصعيد الاعلامي، تجعل مواطنه ينتظر كل مساء «حدث الرئيس» المختلف، في بلد تلعب فيه صيغة التفضيل «الأكثر» و«الأعلى» دوراً كبيراً في أسلوب حياة أبنائها.

وسط هذا الشعور بالافتقاد، بشرت محطة «فوكس نيوز» جمهورها، وعلى لسان مستشار الرئيس الأميركي السابق جاستون ميللر، بعودة ترامب قريباً الى قلب المشهد الاعلامي الأميركي. وقال ميللر في تفصيله للخبر المفاجأة إن «ترامب سيظهر عبر منصته الخاصة في عالم التواصل الاجتماعي خلال شهر أو شهرين، وإن المنصة ستجتذب عشرات الملايين، وسيكون بمقدورها إعادة تحديد شروط المباراة». وأضاف ميللر الذي تعمد أن تكون صياغته للخبر مثيرة للخيال، إن «هذه الخطوة ستكون التذكرة الأكثر سخونة في وسائل التواصل، الجميع ينتظر ليشاهد ماذا سيفعل ترامب. لقد التقى بممثلي شركات كثيرة، وأجرى مفاوضات مع فرق مختلفة، المنصة ستكون كبيرة والكثيرون يريدون أن يظفروا بالصفقة».

وكعادة كل خبر اقترن بترامب، توالت تساؤلات الصحف والمواقع والمحطات، لماذا موقع تواصل وليس صحيفة أو فضائية؟ وهل مدة شهرين أو ثلاثة كافية لإعداد موقع يليق برئيس أميركي؟ وهل الحفاظ على الموقع بعد إطلاقه ضد التهكير سهل؟ وهل سيكون الموقع موجهاً لأميركا أم للعالم؟

التصريح السابق على محدوديته أثار أيضاً شيئاً من النوستالجيا، لـ«خناقات الرجل» في الشارع الأميركي، فلم يكتم خصومه قبل أنصاره تشوقهم للحظة سماع «الرئيس الكاريزمي» من جديد، خصوصاً أن تأثيره هذه المرة لن يتخطى الكلمات، على الأقل سيكون صخبه في أقصى حالاته أقل وطأة من خبر «كورونا» الذي تسيد النشرات والتحليلات.

تويتر