الموظفون الحكوميون متهمون بتعقيد حياة الناس بسبب «كورونا»
الفرنسيون منزعجون من الإغلاقات والإجراءات المثيرة للجدل
تعقّدت الإجراءات الروتينية في فرنسا، خلال الوباء، وسئم الفرنسيون بشكل متزايد من الوضع، بسبب عمليات الإغلاق المتكررة. وأثناء ثلاث عمليات إغلاق في البلاد، مازالت مستمرة في بعض المناطق، على مدى الأشهر الـ13 الماضية، حصلت أشياء كثيرة، من بينها فرصة نادرة لنحو 5.6 ملايين موظف حكومي لعرض قدراتهم لتعقيد حياة الناس.
ومع الإعلان عن إغلاق باريس للمرة الثالثة، في مارس، لمحاولة السيطرة على انتشار فيروس «كورونا»، تم التوصل إلى آليات غريبة ومثيرة للجدل. وكانت النسخة الكثيفة المكونة من صفحتين من «الشهادة» سيئة السمعة، وهي نموذج حكومي يتم استكماله في أي وقت يغادر فيه الشخص المنزل؛ معقدة للغاية لدرجة أنها جعلت المتحدثة باسم وزارة الداخلية كاميل شايز، حائرة وهي تحاول شرح مضمونها وكيفية عملها.
وتحولت الوثيقة إلى كابوس حقيقي، وإجراء إجباري أكثر صعوبة من أي وقت مضى؛ إذ يتعين التحقق من الخانات الـ15، بما فيها الإجابة عن أسئلة مثل: هل خططت أن تمشي كيلومتراً واحداً مع كلبك، كحد أقصى مسموح به، أو ما يصل إلى 10 كيلومترات مع أطفالك؟ وهل يُسمح لك بـ11 كيلومتراً إذا أخذت الأطفال وحيوانات أليفة؟ وماذا لو أراد أحدهم أن يمشي مسافة 10 كيلومترات، ولم يكن طفله في العمر المناسب؟ وكيف تحصل على حلاقة عند مصفف الشعر، وخدمة عند بائعي السجائر الإلكترونية. إضافة إلى خدمات متنوعة مثل منافذ ألعاب الفيديو، والشوكولاتة التي تعتبر متاجر أساسية. في حين تعتبر متاجر الأحذية، وصالونات التجميل، ومحال الملابس، والمتاجر الكبرى غير أساسية، وهي مجبرة على الإغلاق.
ولاحظ رئيس الوزراء السابق، جورج كليمنصو، أن فرنسا «بلد خصب للغاية: أنتم تزرعون الموظفين لتنمو الضرائب». واعترفت المتحدثة باسم وزارة الداخلية، كاميل شايز، بأن شهادة التنقل خلال الإغلاق «وثيقة معقدة»، لكنها أشارت إلى أن المسافات المسموح بها لكل نشاط لا تحتاج إلى تفسير. وجادلت بأن كيلومتراً واحداً، على سبيل المثال، كان مجالاً كافياً للكلب للتبول.
ومع ذلك، بدا الأمر بعيداً عن تسوّق «الضرورة»، إذ سمحت الوثيقة بـ30 كيلومتراً وأكثر من ذلك للمشتريات «المُرخصة».
تنازل للناخبين
ستُجرى انتخابات رئاسية بعد عام من الآن، في فرنسا، لذلك كان لابد من تعديل القيود، عن طريق تنازل للناخبين، يتمثل في ساعة إضافية قبل حظر التجول لتناول وجبة إضافية. إلى ذلك، يبدو أن الفرنسيين سئموا من الوضع، ويتعين على الرئيس إيمانويل ماكرون إيجاد توازن دقيق بين كبح الفيروس وعدم دفع الجمهور الغاضب، بالفعل، إلى ثورة صريحة ضد مزيد من القيود على الحركة. وقد شتتت عمليات الإغلاق النسيج الاجتماعي للحياة، الذي وصلته طاولة الطعام، وأصبح التذمر والضحك، بما في ذلك إزاء البيروقراطية، في الذروة. وعلى الرغم من الطموح الإصلاحي للرؤساء المتعاقبين، إذ تحدث الرئيس الراحل جاك شيراك عن «بدانة الدولة»، في عام 1986، فقد زاد عدد الموظفين بأكثر من مليون، في الـ30 عاماً الماضية، ويمثل الآن 22% من القوة العاملة بأكملها.
خدمات الرفاهية
ومع ذلك، فإن الخدمات التي تقدمها الدولة الفرنسية لا يمكن مقارنتها بتلك المتوافرة في الولايات المتحدة. ومثال على ذلك، لا يدفع شخص تعرّض لحادث نجم عنه دخول المستشفى مرتين، وفحص كامل للدماغ واختبارات أخرى، سوى 250 دولاراً. وتعمل الرعاية الصحية الشاملة الفرنسية، بشكل جيد، كما تفعل في دولة الرفاهية. وتوجد خيام مجانية لاختبار «كوفيد-19»، في جميع أنحاء باريس. وأدّت عمليات الإغلاق المنظمة بإحكام إلى منع الوباء من التفاقم.
ولم يتضح كيف أسهمت كل هذه التدابير في السيطرة على الفيروس التاجي؛ فقد مات أكثر من 100 ألف شخص، في فرنسا، وأصيب أكثر من خمسة ملايين شخص. ويبدو أن التعقيدات البيروقراطية الغريبة في البلاد، لم تسهم في إعادة الحياة إلى طبيعتها. ويطالب الكثيرون بتكريس جهود الدولة للتوصل إلى لوائح تسهم في تسريع اللقاحات لعدد أكبر من الناس. ولم تتمكن فرنسا، حتى الآن، من تلقيح سكانها. والمكتبات مفتوحة، الآن، على الرغم من إغلاقها في أول حجر عام. وجميع المطاعم والحانات والمقاهي ظلت مغلقة، إلى وقت قريب. وأعطى ماكرون الضوء الأخضر لبعض التخفيف من القيود، في بداية الشهر.
احتجاج وطني
وعلى إحدى اللافتات المعلقة على باب صالون تجميل مغلق كتبت عبارة «على عكس مصففي الشعر يبدو أننا لسنا ضروريين للرفاهية»، وتحت العبارة كُتب «ظلم!». أما بالنسبة لمحال الملابس الداخلية، التي تعتبر غير ضرورية ويطالها إغلاق صارم، فقد شرع أصحابها في احتجاج وطني يتضمن إرسال سراويل داخلية، كل يوم، إلى رئيس الوزراء جان كاستكس، من جميع أنحاء فرنسا. وفي غضون ذلك، تساءل فرنسيون عن المنطق وراء سماح الحكومة بفتح بعض المحال وإغلاق أخرى.
وتتبنى الدولة الفرنسية نهجاً يعتمد على تحليل وتوقعات الموظفين العموميين المدربين تدريباً عالياً، والذين تم إعدادهم في مدارس النخبة. ولايزال هناك سؤال يسيطر على أذهان الكثيرين: لماذا تبدو هذه القواعد تعسفية؟
انتهاك القواعد
تضمّن الإغلاق الثاني قواعد أكثر مرونة من الإغلاق الصارم الذي فُرض في مارس وأبريل، لكن تقارير وسائل الإعلام الفرنسية أظهرت التزاماً أقل صرامة بالقواعد هذه المرة.
واعترف 60% من المشاركين في استطلاع، نُشر يوم الخميس الماضي، بانتهاكهم قواعد الإغلاق. وكان ذلك أعلى بنسبة 27% مما كان عليه في الربيع. وأظهر الاستطلاع، الذي نشرته مؤسسة «كونسولاب» وأجراه معهد الاستطلاعات الفرنسي «إيفوب»، أن 24% تجاوزوا الحد الأقصى لمدة ساعة واحدة للنزهات الرياضية، بينما زار 23% أقاربهم، و20% الأصدقاء. ولتضييق الخناق على المخالفين، نشرت وزارة الداخلية مزيداً من عناصر الشرطة في كل مكان، تقريباً، مع نقاط تفتيش ثابتة، بما في ذلك في محطات المسافرين والمطارات؛ وكذلك في المتنزهات والحدائق والشوارع. وطُلب من الشرطة اتخاذ إجراءات صارمة ضد «التجمعات الخاصة، والتجمعات في الأماكن العامة، وإغلاق المؤسسات التي تستقبل الجمهور، وكذلك التنقلات الفردية التي لا تتوافق مع الأسباب المصرح بها للسفر».
وفي غضون ذلك، تم تعزيز فحوص «كوفيد-19»، في باريس، حيث أفادت المستشفيات أن مرضى الوباء يشغلون 90% من أسرّة العناية المركزة. وأصدرت الشرطة 65 ألف غرامة منذ بداية عمليات الإغلاق، في 30 أكتوبر، من بينها 20 ألف غرامة في منطقة باريس وضواحيها، وفقاً لوزارة الداخلية.
شهادات موقعة
على عكس سويسرا وبلجيكا، حيث لم يكن الناس بحاجة إلى حمل شهادات موقعة؛ وألمانيا، حيث صدرت القواعد من قبل الحكومات المحلية، كان الإغلاق في فرنسا صارماً وبيروقراطياً وغريباً. وامتثل الفرنسيون، في البداية إلى حد كبير، رغم سمعتهم بأنهم غير منضبطين. وبمجرد فرض الإغلاق على المستوى الوطني في مارس، توقفت الحياة، على سبيل المثال، في قرية فيالاس الجبلية.
وقال بائع الكتب، دومينيك، إن القرية كانت مثل مدينة أشباح في الغرب الأميركي. وتلقت الحكومة المحلية مكالمات من قرويين يخبرون عن جيرانهم بانتهاك قواعد الحجر العام. وكان معظم الناس يتجمعون في المنزل لأنهم كانوا خائفين. وبالطبع، نظراً لأن العديد من المنازل كانت متباعدة أصلاً، لم يكن ذلك كثيراً من التغيير. وظل مخبز القرية مفتوحاً، وكذلك متجر البقالة الصغير، ومتجر السجائر، وجميعها «محال أساسية»، وفق التصنيف الحكومي.
ولكن بعد أيام قليلة ظهرت أشكال جديدة من الحياة الاجتماعية. وتجمع مجموعة من القرويين في المقهى الوحيد، محافظين على مسافة التباعد الاجتماعي. وفي الساعة 5:30 كل مساء، كان الناس يغنون الترانيم من نوافذهم المفتوحة أو شرفاتهم. وتجاذب الناس أطراف الحديث أثناء انتظارهم في الطابور لدخول المتاجر التي لاتزال مفتوحة، ويُسمح فقط لعميلين بالدخول في كل مرة.
أسباب مقبولة
خلال الشهر الماضي، لم يُسمح بالخروج خارج المنزل إلا ضمن دائرة نصف قطرها 10 كيلومترات. ولم يُسمح بأي رحلات تزيد على 10 كيلومترات إلا لأسباب جوهرية. ومع ذلك، بدءاً من الأسبوع الماضي، يتم رفع هذا القيد ويسمح بالسفر داخل فرنسا لأي سبب من الأسباب. ويُسمح أيضاً بالسفر بين مناطق فرنسا بحرية. وبينما ينتهي التقييد على الحركة وقاعدة 10 كيلومترات، وعدم الحاجة إلى «شهادة» للخروج من المنزل بين الساعة 6 صباحاً و7 مساءً؛ يظل حظر التجول سارياً بعد الساعة 7 مساءً، ويتطلب التنقل الخارجي بعد هذا الوقت تقديم سبب أساسي وشهادة. ووضعت الجهات المسؤولة قائمة الأسباب المقبولة على الإنترنت.
• الخدمات التي تقدمها الدولة الفرنسية لا يمكن مقارنتها بتلك المتوافرة في الولايات المتحدة. ومثال على ذلك، لا يدفع شخص تعرّض لحادث نجم عنه دخول المستشفى مرتين، وفحص كامل للدماغ واختبارات أخرى، سوى 250 دولاراً.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news