بسبب ارتفاع سعر المعدن الأصفر
البحث عن الذهب في المناجم ملاذاً من الفقر لآلاف العائلات بغرب إفريقيا
تعج المنطقة الواقعة على طول نهر غامبيا بالكثير من المنقبين عن الذهب القادمين من جميع أنحاء غرب إفريقيا، معظم هؤلاء كانوا مزارعين سابقين وفقراء جاؤوا إلى هنا بهدف جمع المال وتغيير حياتهم للأفضل، وتحولت قرى مثل بانتاكو، إلى مستوطنات كبيرة يعيش فيها آلاف الأشخاص، نشأت فيها أسواق تبيع كل شيء يتعلق بالتنقيب مثل الفؤوس والخوذ وحتى المشروبات، إضافة إلى الحاجات الضرورية المستخدمة بصورة يومية.
خلال توقفه في مالي في طريقه إلى ليبيا، تخلّى الرجل الإفريقي بكري جامح عن خططه لركوب السفينة والسفر إلى إيطاليا، حيث يعيش أخاه هناك، ورأى جامح أنه يتعين عليه تأجيل لم شمله مع أخيه والعودة إلى البحث عن الذهب. ومما أسهم في تغيير رأي جامح هو لقاؤه مع أحد السنغاليين الذي استطاع أن يحصل على نحو 15 غراماً من الذهب من خلال التنقيب. وهذا الرجل من مواطني مدينة كيدوغو الواقعة جنوب شرق السنغال، حيث اتجهت القرى، ذات التقاليد العريقة للبحث عن الذهب، وتحولت إلى مدن مترامية الأطراف تنتشر فيها المناجم.
ولكن من النادر العثور على ثروات كبيرة، وظل جامح الذي جاء أصلاً من غامبيا، يبحث عن الثروة منذ 15 عاماً بعد أن تخلّى عن العمل في التنقيب عن النفط في المناطق التي تمت إزالة الأحراش منها في قرية بانتاكو. ويمكن أن يمضي معظم العاملين في المناجم أسابيع عدة أو حتى أشهراً دون أن يحصلوا سوى على قطع صغيرة جداً من الذهب، التي يمكن أن تساعدهم على شراء الطعام لبضعة أسابيع خلال انهماكهم في هذا العمل، ومن النادر أن تساعد هذه الاكتشافات عن الذهب إلى التخلص من الفقر بصورة شاملة. وقاد حظ جامح السعيد ذات مرة إلى الحصول على 85 غراماً من الذهب، سافر بعدها فوراً إلى بلده وقدمها لأمه.
ويعمل جامح رئيساً على مجموعة تنقيب عن الذهب، ويمضي يومه تحت خيمة من القماش البلاستيكي لحمايته من المطر، ويشرف على روتين العمل المنظم بصورة جيدة، والذي يتمثل في حفر الشبان حفرة يصل عمقها إلى 15 متراً لتكسير الصخور الموجودة في الأسفل، وتعبئتها في أكياس الأرز التي يعاد استخدامها مراراً وتكراراً، ويتم سحبها إلى الأعلى من قبل فريق من الرجال مستخدمين بكرات ضخمة.
ويتم تفريغها بجانب مكان التنقيب، وتتخصص النساء العاملات في تكسير قطع الصخور إلى قطع أصغر، ومن ثم يتم طحنها إلى قطع صغيرة يسهل من خلالها العثور على قطع الذهب فيها. ولا يحصل أحد من هؤلاء العاملين على راتب محدد، ويتم منح جزء من هذه الصخور الصغيرة إلى الشخص الذي أسس مكان التنقيب، ومساعديه، ورئيس مجموعة التنقيب، ويتم توزيع البقية بين العمال الذين استخرجوا هذه الصخور ويأخذونها إلى ديارهم على أمل العثور على أي كمية من الذهب داخلها كي يقوموا ببيعها.
ويقول جامح «يعتمد البقاء على كيفية تكاتف فريق العمل، أي دعم أفراد طاقم العمل لبعضهم بعضاً وتوزيع الحصص في ما بينهم بصورة عادلة». ويضيف «تتمكن من العيش والبقاء استناداً لما تعثر عليه من ذهب، وإذا كان لديك قائد مجموعة طيب سيعيش جميع العاملين حياة هانئة وسعيدة. وبالطبع فإننا نعاني جميعاً هنا، إذ ليس هناك أي طعام أو ماء، ولن يأتي أي شخص ليقدم لنا مالاً لشراء الماء، ولكننا نستطيع البقاء عن طريق التشارك في ما نملكه».
واشتهرت مدينة كيدوغو بالتنقيب عن الذهب منذ 2000 عام تقريباً، حيث وصلت حديثاً شركات التنقيب إلى المنطقة، وشجعت الحكومة هذه الشركات على الاستثمار. وكان التنقيب عن الذهب في السابق وسيلة لدعم مداخيل المنقبين، ولكن ارتفاع أسعار الذهب شجع المزارعين الفقراء على الاعتماد على البحث عن الذهب كمصدر رزقهم، خصوصاً أولئك الذين جاؤوا من خارج البلد.
وتعمل المناجم بصورة متواصلة تقريباً من الصباح حتى منتصف الليل، ويعمل العمال على فترتين يومياً. ويغادرون بانتاكو لديارهم لبضعة أسابيع فقط لقضاء مناسبات الأعياد والمناسبات الدينية أو عندما يتعذر العمل نتيجة الأمطار الغزيرة، التي تغرق المكان بالماء.
وتقول هوا سيسي التي وصلت إلى قرية بانتاكو مع زوجها عام 2012 «لا يوجد تضامن بين الناس هنا، الجميع يتميزون بالأنانية، وإذا كنت تملك المال، فستكون حياتك جيدة ومريحة، ولكن إذا لم تكن تملك المال فستواجه صعوبات جمة»، وتسترسل «كل ما تستطيع القيام به هو أن تأخذ هذه القطع الصخرية وتحاول العثور على بعض الذهب، حتى لو كانت كمية الذهب صغيرة جداً، فإنها ستساعدك على الاستمرار»، وتستدرك «ولكن الحياة صعبة جداً في الديار أيضاً، ولذلك ليس هناك مجال للرجوع إلى هناك، ولا تستطيع العمل في أي شيء كي تكسب رزقك. ولكن إذا حصلت على بعض المال هنا فسأعود وأنشئ عملاً خاصاً بي»
وفي المناجم يتواصل الصخب الناجم عن ضربات الفؤوس وهي تقطع الصخور وطنين أحزمة محركات آلات الطحن، ويعمل الرجال الذين يديرون هذه الآلات في جو من سحب الغبار المتواصل داخل ورشات من الصفيح التي تحوي العديد من البراميل المملوءة بالمواد الكيماوية الخطرة مثل الزئبق المستخدم لتسريع عملية فصل الذهب عن الصخور.
ووفق ما يقوله الباحث بمعهد دراسات الأمن السنغالي بولين موريس توباني المقيم في داكار، يتم استخدام 3.9 أطنان من الزئبق من أجل التنقيب عن الذهب في قرية كيدوغو سنوياً، الأمر الذي يسهم في تدهور صحة عمال المناجم.
ويمكن أن يسبب الزئبق مشكلات صحية مثل ضعف العضلات، وضعف الرؤية إضافة إلى مشكلات في السمع. ويقول توباني إنه على الرغم من أن الذهب يجلب دخلاً مهماً إلى المنطقة، حيث تم إنتاج نحو 4.2 أطنان من الذهب بلغت قيمتها نحو 86.6 مليار فرانك سنغالي أي ما يعادل 111 مليون جنيه إسترليني عام 2018، إلا أنه يؤدي إلى زيادة التصحر وفقدان التربة، ويضع الأمن الغذائي في خطر.
ويضيف «تخلّى المجتمع المحلي عن ثقافة صيد الأسماك كي يشارك في التنقيب اليدوي عن الذهب، وهذا ما يؤدي إلى تعرض الأمن الغذائي للخطر، وهناك علاقة لهذا النوع من التنقيب عن الذهب مع تهريب البشر، وكذلك المخدرات وأحياناً العنف»، ويقول إن هذا التنقيب عن الذهب يجب تنظيمه وإخضاعه أكثر إلى الاستثمارات الحكومية.
وفي هذا الوقت يعتقد جامح أن المناجم ستواصل النمو، بالنظر إلى أن الأشخاص الذين يأتون للعمل فيها أكثر من الذين يغادرونها. ويقول جامح إن العاملين هنا غير راضين عما يحصلون عليه. ويضيف «لا يقول أحد إنه أصبح لديه ما يكفيه. ويقول البعض إنه كان يريد المغادرة منذ زمن، ولكنه لايزال بحاجة إلى المزيد من الذهب».
ويقول البعض إن لديه 1000 ولكنه يريد 2000 وآخرون يقولون لدينا 2000 ولكننا نريد 4000 ولا أحد يرضى بما لديه «إنها طبيعة البشر». ويعتقد جامح أن «هناك الكثير من الناس الذين يملكون الكثير هنا، ولكنهم لا يعرفون كيف يتصرفون بما يمتلكون بشكل جيد، فبدلاً من بناء بيت في وطنهم يشترون درّاجة نارية، ويلجأون لإشباع ملذاتهم الشخصية حتى تتبدد هذه الأموال، فيبيعون الدرّاجة النارية ويبدأون من الصفر».
• تحوّلت قرى مثل بانتاكو، إلى مستوطنات كبيرة يعيش فيها آلاف الأشخاص، نشأت فيها أسواق تبيع كل شيء يتعلق بالتنقيب مثل الفؤوس والخوذ.
• اشتهرت مدينة كيدوغو بالتنقيب عن الذهب منذ 2000 عام تقريباً، حيث وصلت حديثاً شركات التنقيب إلى المنطقة، وشجعت الحكومة هذه الشركات على الاستثمار.
الآثار السيئة للزئبق المستخدم في التنقيب
يتم استخدام الزئبق في التنقيب، وفصل فلزات الذهب عن التراب، والرواسب الأخرى بصورة بدائية في السنغال والعديد من دول العالم الثالث، دون استخدام أجهزة وقاية كافية لحماية العمال أو البيئة المحيطة بمكان التنقيب. وينجم عن هذه العملية انتشار كميات كبيرة من الزئبق في البيئة أو في التراب والمياه القريبة من مكان التنقيب.
وأثارت المعلومات التي تم التوصل إليها حديثا الكثير من القلق لأنها تفيد بأن القرويين يمكن أن يتعرضوا لخطر الزئبق ليس عن طريق تناول الأسماك التي تعيش في جداول مائية ملوثة بالزئبق فقط وإنما عن طريق أكل المحاصيل المزروعة في أراضي ملوثة أيضاً، ويتعرض الأطفال للخطر أيضاً خلال لعبهم بالتراب الملوث بالزئبق.
الزئبق المستخدم في التنقيب يؤدي إلى أثار مضرة بالعمال والبيئة. أرشيفية
النساء يعملن في التنقيب
بالنظر إلى أن التنقيب عن الذهب في غرب إفريقيا يتم عن طريق استخدام تقنيات بدائية تتطلب الكثير من العمالة، لذلك يتم تشغيل النساء بأعداد كبيرة في هذا المجال، حيث يقمن بمهام مختلفة مثل تكسير الصخور التي يتم جمعها لتفتيتها وإخراج قطع الذهب منها، وجمع المياه، بالإضافة إلى كونهن مسؤولات عن أعمال تحضير الطعام للعمال.
إلا أن النساء العاملات في مجال التنقيب عن الذهب عادة لا يحصلن على حصص متساوية مع الباقين كما أنهن لا يشاركن في وضع خطط البحث والتنقيب، أو حتى البحث عن المواقع الجديدة. وبالنظر إلى استخدام وسائل بدائية في التنقيب عن الذهب، كأعمال تكسير الصخور التي يتم استخراجها تتعرض النساء لفترات طويلة لغبار السيليكا المضر، ما يسبب لهن أمراضاً تنفسية، مثل التهاب الشعب الهوائية المزمن، إضافة إلى مرض السل. وتعتبر النساء ماهرات في الأعمال التي تتطلب الدقة، مثل البحث عن قطع الذهب.
وتخشى النساء العاملات في التنقيب عن الذهب من البطالة أو عدم العثور على الصخور التي تحوي الذهب، ما يحرمهن من المصدر الوحيد للدخل الذي يعتمدن عليه في الإنفاق. وتقول ماريا داو العاملة في مجال التنقيب عن الذهب «نحن نساعد الرجال في غسل الصخور التي تحوي الذهب، ونستفيد دوماً من الحصول على بقايا الحصى التي تحوي الذهب فعادة ما نعثر فيها على بعض الذهب الذي نستفيد منه كدخل لنا».
النساء يعملن في تكسير الصخور للبحث عن الذهب. أرشيفية
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news