يوجونغ امرأة قوية الشخصية.. صعبـة المراس.. متغطرسة.. تتطلع لحكم كوريا الشمالية
ليس هناك شك في أنها أقوى وأهم شخص في كوريا الشمالية، إنها يو جونغ، الشقيقة الصغرى للزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون. يقول الخبير في شؤون كوريا الشمالية الذي يدير موقع «مراقبة قيادة كوريا الشمالية»، مايكل مادن: «أعتقد أن الزعيم كيم جونغ أون تولى منصب القائد، لأن البلاد بحاجة إلى رجل لإظهار السلطة، وأن أخته يو جونغ كانت العقل المدبر لهذه العملية».
تغير الدور
لقد تغير دورها الرسمي على مر السنين. رسمياً، هي في الرتب الوسطى من النظام السياسي والعسكري الذي لايزال تهيمن عليه أسماء الرجال الأكبر سناً والأكثر خبرة، لكن بالنسبة لأولئك الذين يتابعون الأعمال المبهمة لقيادة بيونغ يانغ، فإن يو جونغ كانت من المفترض أن تتولى قيادة البلاد. لا يوجد شيء واضح أو مؤكد في كوريا الشمالية، لكن يمكن أن ينتهي بها الأمر بسهولة لتصبح القائد الأعلى المقبل للبلاد.
عندما خلف كيم جونغ أون والده في عام 2011، لم تكن أخته معروفة إلا للقليل جداً خارج العاصمة. وهي الآن تدير علاقات بلادها مع أهم أعدائها، وتشرف على عملياتها الدعائية، وتُعتبر الوريث المفترض لأخيها. شاهد الكثيرون وجهها المتغطرس، الذي يتأرجح دائماً بين السخرية والابتسامة، وهي تقف إلى جانب شقيقها في زياراته إلى كوريا الجنوبية والصين وسنغافورة وفيتنام.
وعندما قابل كيم جونغ أون الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، كانت تسير على بعد خطوتين خلف شقيقها، وسلمت له القلم لتوقيع البيان، وعندما اتجهت الكاميرات نحو الزعيمين، شُوهدت وهي مختبئة عن الأنظار خلف شجرة، لكنها برزت في السنوات القليلة الماضية كقوة في حد ذاتها، كرئيسة دعاية ومتحدثة باسم ودبلوماسية البلاد، وصانعة سياساتها.
أقوى امرأة في البلاد
تحدث عنها عالم السياسة والمؤرخ سونغ يون لي، قائلاً «لقد هبت كيم يو جونغ لتدير دفة إدارة سياسة حكومة بلادها تجاه الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، بينما تجعل الرجال الذين يكبرونها مرتين في السن يرتعدون»، ويسترسل «على مدى السنوات الثلاث الماضية، ظلت يو جونغ رئيسة للرقابة، والمتحدثة باسم الدولة، ومصدر التهديد والحقد في بلادها. كل هذا يجعل منها واحدة من أقوى القادة في العالم المعاصر، حيث أصبحت السياسة الخارجية لبلدها في متناول يدها، مع إمكانية الوصول غير المقيد إلى شقيقها الذي يتحكم في الزر النووي».
استغراب
ويستغرب البعض كيف يحدث هذا في بلد تحكمه التقاليد الأبوية، حيث يُتوقع من النساء، بشكل عام، تربية الأطفال، وإدارة الأسرة، وترك الأعمال الجادة المتعلقة بالحرب والسياسة للرجال؟ وتكمن الإجابة في عمق تاريخ عائلة كيم، الأسرة التي حكمت كوريا الشمالية منذ إنشائها في عام 1948، باعتبارها السلالة الشيوعية الوحيدة في العالم التي يتوارث أفرادها الحكم. حتى في العصر الرقمي، لاتزال الدولة الأكثر قمعاً، وغير القابلة للاختراق في العالم، ومن المعروف أن من الصعب تحديد الحقائق الصعبة عن قادتها.
«الأميرة الحلوة»
نشأ كل من كيم جونغ أون، ويو جونغ مع والدتهما وشقيقهما الأكبر، جونغ تشول، في بيونغ يانغ، وتنعموا بالتدليل على يد الخدم، مع كل الألعاب التي يريدونها. كانت يو جونغ تجد كل التدليل من والدها ووالدتها اللذين أطلقا عليها لقب «الأميرة الحلوة»، وفقاً لطاهي السوشي الياباني، الذي كان يعمل لدى العائلة، والذي كتب لاحقاً مذكراته. تم إرسال الأطفال الثلاثة إلى المدرسة في سويسرا، حيث ظلت هوياتهم سراً عميقاً - تم تسجيل يو جونغ في عام 1996 في مدرسة ليبفيلد-شتاينهولزلي في برن تحت اسم مستعار، وأنها ابنة دبلوماسي كوري شمالي. وكانت في التاسعة من عمرها آنذاك، وكان شقيقها يكبرها بثلاث سنوات. توفيت والدتها عام 2004، عندما كانت يو جونغ في الـ17 من عمرها.
صاحبة العقل الراجح
قال كيم جونغ إيل ذات مرة لدبلوماسي روسي إن أبناءه «حمقى عاطلين»، لكنه أشار إليه بأن ابنته هي صاحبة العقل الراجح. يقول مايكل مادن: «لقد تعلمت السياسة أكثر من شقيقها، تعلمت كيف تعمل السياسة في كوريا الشمالية، وكيفية التعامل مع النخب، وكيف تتفاعل كوريا الشمالية مع الصين، ومع كوريا الجنوبية».
توفي كيم جونغ إيل فجأة في ديسمبر 2011 عن عمر يناهز 69 عاماً. وفي مقطع فيديو لجنازته، شوهدت يو جونغ يبدو عليها الشحوب والحزن، لكن وسائل الإعلام الحكومية لم تحدد هويتها، واعتقد العديد من المراقبين الأجانب أنها زوجة كيم جونغ أون خطأ في ذلك الوقت. بدأت يو جونغ في الظهور علناً في منتصف العشرينات من عمرها، بعد أن انضمت إلى أحد أهم مكاتب حكومة كوريا الشمالية، وهو قسم الدعاية والتحريض في عام 2012.
السؤال الذي حيّر الخبراء
السؤال الأكثر إثارة للفضول حول يو جونغ هو: هل ستصبح خليفة مناسباً لشقيقها؟ على الرغم من أنه ليس كبيراً في السن، إلا أن كيم يدخن ويشرب بكثرة، وكان يعاني زيادة الوزن منذ فترة طويلة. وهناك تقارير تتحدث عن أنه مصاب بالنقرس ومرض السكري. ومات كل من والده وجده بعد إصابتهما بنوبات قلبية، فإذا كان على وشك مفارقة الحياة، فمن سيتولى الأمر؟ ليس شقيقه الأكبر، جونغ تشول، بالطبع فهو من محبي الموسيقى المهووسين، الذين يهتمون بالقيثارات الكلاسيكية أكثر من السياسة. قبل ستة أشهر لم يكن هناك مرشح أقوى من أخته يو جونغ.
خليفة محتمل
لكن في نوفمبر الماضي، ظهرت ابنة الزعيم جو آي إلى جانب والدها في العلن، حيث وصفتها وسائل الإعلام الحكومية بـ«الحبيبة» و«الابنة المحترمة». على النقيض من ذلك، لم تصف وسائل الإعلام يو جونغ علناً بأنها أخت الزعيم. ويثير الظهور غير المتوقع لجو آي أسئلة عدة. لماذا تم تقديمها بهذه الطريقة، وليس شقيقها الأكبر غير المعروف اسمه؟ (لديها أيضاً شقيق أصغر منها مجهول الهوية)، وماذا يعني ظهورها الآن؟
تقول إحدى النظريات إن ظهور جو آي قد يكون رمزياً، ويهدف إلى ترسيخ مبدأ استمرار حكم كيم بشكل عام. وقد يكون تحذيراً خفياً من كيم لأخته، من عدم الاستيلاء على سلطته كأمر مسلم به، وتأكيد لزوجته بأنها الأم في سلالة بايكتو. وتعتقد المخابرات الكورية الجنوبية أن يو جونغ أنجبت طفلاً واحداً على الأقل قبل دورة الألعاب الأولمبية لعام 2018 بوقت قصير، ما يمنحها القدرة على تأسيس سلالتها الخاصة.
ولكن بعد ظهور جو آي عشرات المرات في غضون بضعة أشهر، هناك احتمال من أنها يتم إعدادها لتكون زعيمة كوريا الشمالية التالية. ماذا يعني هذا بالنسبة ليو جونغ؟ إن السياسة في كوريا الشمالية لا ترحم، وأولئك الذين كانوا قريبين من السلطة النهائية يمكن أن يجدوا أنفسهم فجأة ضحايا لها.
في عام 2017، قُتل الأخ الأكبر غير الشقيق لكيم، جونغ نام، الذي عاش في الخارج سنوات، وكان ينتقد أخيه بشكل معتدل. ليس هناك شك في أنه كان اغتيالاً بإذن من القائد الأعلى نفسه. وقبل ذلك بأربع سنوات، أمر كيم جونغ أون بإعدام عمه تشانغ سونغ ثايك. كان تشانغ أحد أقرب مستشاري كيم الشاب ووالده الراحل - كان الوصي على العرش إذا مات الرجل العجوز قبل أن يكبر الابن بما يكفي لتولي المنصب. بعبارة أخرى، كان له الدور نفسه الذي تلعبه الآن يو جونغ.
السلالة الحاكمة
تأسست كوريا الشمالية على يد كيم إيل سونغ، زعيم حرب العصابات المناهض لليابان، والثوري الذي ترعرع في كنف الاتحاد السوفييتي السابق، والذي، وفقاً لأسطورة النظام، أقام قاعدته على منحدرات جبل بايكتو، الجبل المقدس في كوريا. كانت شبه الجزيرة الكورية بأكملها مستعمرة لليابان خلال فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية، وبعد استسلام القوات الإمبراطورية اليابانية في عام 1945، تم تقسيمها إلى جزأين، شمال خاضع للإدارة السوفييتية، وجنوب يديره الأميركيون.
بعد وفاته في عام 1994، خلفه ابنه كيم جونغ إيل، الذي أنجب سبعة أطفال من أربع نساء، من بين سلسلة من الزوجات والمحظيات، لكن حبه الكبير، كان لراقصة تدعى كو يونغ هوي، رغم أنها لم تكن زوجته القانونية، كورية شمالية، وُلدت في اليابان، وأم لكيم جونغ أون ويو جونغ.
أكثر قوة وعدوانية
خلال قمتهما الثانية في فيتنام في عام 2019، أصر الرئيس الاميركي دونالد ترامب على صفقة «كل شيء أو لا شيء» بشأن نزع السلاح النووي، والتي بموجبها لن يتخلى كيم عن ترسانته النووية فحسب، بل عن مخزوناته من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية.
قال الزعيم الكوري الشمالي إنه يجب على الجانبين أولاً بناء الثقة من خلال سلسلة من الاتفاقيات الأقل وكانت الفجوة لا يمكن سدها. كان فشل قمة هانوي بمثابة صفعة لحكم كيم، الذي توارى عن الأنظار لأسابيع عدة. كانت هناك تكهنات بأن المسؤولين المتورطين في الكارثة، بمن في ذلك يو جونغ، قد أقيلوا، بل تم تطهيرهم. ولكن بحلول عام 2019، عادت يو جونغ لتصبح أكثر قوة وأفضل وضعاً، وأكثر عدوانية من أي وقت مضى.
وفي وقت لاحق من ذلك العام، شوهدت في سلسلة من الصور التي تم التقاطها على منحدرات جبل بايكتو. وظهر كيم وهو يركب عبر الثلج على حصان أبيض، وأخته بجانبه.
• يو جونغ تدير علاقات بلادها مع أهم أعدائها، وتشرف على عملياتها الدعائية، وتُعتبر الوريث المفترض لأخيها. شاهد الكثيرون وجهها المتغطرس، الذي يتأرجح دائماً بين السخرية والابتسامة، وهي تقف إلى جانب شقيقها في زياراته إلى كوريا الجنوبية والصين وسنغافورة وفيتنام.