عمال مناجم اليورانيوم في الولايات المتحدة يعانون «الإرث القاتل»

عندما كان آلان تسوسي في الـ14 من عمره، ذهب للعمل في مناجم اليورانيوم في جبال لوكاشوكاي، قرب بلدة كوف في ولاية أريزونا الأميركية. وكان هذا الشاب واحداً من الآلاف من بلدة النافاجوس، وهم سكان أميركا الأصليون الذين يعيشون في جنوب غرب الولايات المتحدة، والذين عملوا في المناجم بدءاً من أربعينات القرن الماضي. وكانوا يعملون دون استخدام الأقنعة أو أجهزة التهوية لإبعاد غاز الـ«رادون» القاتل عنهم، ولم يبلغهم أحد بأن الصخور التي يتعاملون معها كانت قاتلة.

وقالت كاثلين تسوسي، ابنة آلان «يمكن أن ترى الكثير من النساء والأطفال، في كوف، لأن المئات من الرجال الذين عملوا في المناجم ماتوا». وفي الفترة ما بين 1944 و1986، قام عمال المناجم باستخراج نحو 30 مليون طن من فلزات اليورانيوم، وهي مواد تستخدم لتطوير الأسلحة النووية، من منطقة «دانيا»، التي تمتد عبر شمال وغرب نيومكسيكو وشمال شرق أريزونا، وجزء من جنوب ولاية يوتا. وأُصيب هؤلاء العمال بأمراض تنفسية، مثل سرطان الرئة، والتليف الرئوي، وداء الرئة السليكي، بمعدلات مخيفة. وكان آلان الذي عمل في المناجم لثلاثة عقود من ضمن الضحايا، وتوفي بسرطان الرئة في عام 1985 عن عمر ناهز الـ47 عاماً.

وبعد مرور 40 عاماً على إغلاق آخر منجم في بلدة نافاجوس، لايزال عمال المناجم السابقون والأعضاء الآخرون من بلدة دانيا، الذين تعرّضوا لإشعاعات اليورانيوم، يكافحون من أجل تنظيف المخلفات النشطة إشعاعياً، وللحصول على تعويضات عادلة للأشخاص الذين تعرضوا للأمراض.

وفي يوليو الماضي، صوّت الكونغرس الأميركي لتمديد قانون التعويض لمن تعرضوا للإشعاع النووي، والذي من المفترض أن ينتهي في العام المقبل. ولا تغطي النسخة الأصلية للقانون من عملوا في صناعة اليورانيوم بعد عام 1971، وقدمت تغطية محدودة لمن تضرروا من الإشعاع، وهم الأشخاص الذين عاشوا بالقرب من مواقع اختبار الأسلحة النووية أو المناجم، ولكن إذا تم تمديد هذا القانون كجزء من مشروع أكبر على الإنفاق الدفاعي، يقول المناصرون للتمديد إنه سيقدم تعويضات تغير حياة من ساعدوا على بناء الترسانة النووية للولايات المتحدة، وعاشوا وسط مخلفاتها السامة.

تعديل مقترح

وتحدثت صحيفة الغارديان مع عمال المناجم في بلدة دانيا، وأبناء عمال المناجم، عن الإرث القاتل لازدهار صناعة اليورانيوم.

وقال المحامي فيل هاريسون، الذي ترعرع في بلدة كوف، حيث يتركز أكبر مناجم اليورانيوم «خلال الليل يمكنك رؤية أضواء مئات معسكرات عمال المناجم الموجودين في الجبال». ويدافع هاريسون، الذي توفي والده بسرطان الرئة وهو في الأربعينات من عمره، عن عمال المناجم منذ سبعينات القرن الماضي. وعمل في المناجم خلال مرحلة دراسته الثانوية، وانضم إلى والده في المنجم. وعمل هاريسون في ما بعد في بلدة توبا سيتي بولاية أريزونا. وساعد على إصدار النسخة الأصلية من قانون التعويض للمتضررين من الإشعاع النووي، وكذلك في صياغة التعديل المقترح، وقاد الوفود إلى واشنطن لممارسة الضغوط من أجل هذا الغرض.

وفي الوضع الحالي للقانون، يمكن أن يقدم كل من عملوا في مناجم اليورانيوم، وتعرضوا للإشعاع، للحصول على مبلغ 100 ألف دولار تعويضاً، لمرة واحدة. أما من كانوا يعيشون بالقرب من المنجم، وتضرروا جراء ذلك، فإنهم يحصلون على 50 ألف دولار، ولكن وفق هاريسون، فإن الحماية التي يوفرها هذا القانون «ضيقة للغاية».

الحصول على تعويض

يمكن أن يقدم من يعيشون بالقرب من مناجم اليورانيوم طلبات الحصول على تعويض، أيضاً، في أجزاء من أريزونا ويوتا، وكولورادو، ولكن أولئك الذين عاشوا على الجانب الآخر من الحدود في ولاية نيومكسيكو، حيث تم تصنيع واختبار أول قنبلة ذرية، لا يستطيعون ذلك. ولا يستطيع ذلك من عمل في المناجم أو معامل الفِلزات بعد عام 1971.

وكان هاريسون نفسه قد تمت معالجته من مرض في كليته، ولكنه غير مؤهل للحصول على تعويض. وكان عمله في المناجم لفترة قصيرة للغاية، ولم تكن مغطاة بالعلاج.

ويمكن أن يسمح التعديل المنتظر لمن عملوا بعد 1971 بتقديم طلبات الحصول على تعويض، وتعديل قائمة الأمراض، وتصنيفات العمل التي تكون مؤهلة للحصول على تعويض، ويمكن أن تقدم مبالغ تعويض أكبر. ويمكن أن يعمل التعديل على تعويض أشخاص كانوا يعيشون في مناطق تتجاوز كثيراً تلك التي كان يعيش بها الأشخاص الذين تأثروا باليورانيوم.

ويعمل هاريسون كمدافع عن المرضى في شركة رعاية صحية منزلية، تخدم عمال اليورانيوم السابقين، من خلال برنامج وزارة العمل، وتساعدهم في الوصول إلى التمريض المنزلي والمعدات الطبية. وتُنقذ هذه الخدمات حياة أفراد من بلدة دانيا، حيث يعاني ثلاثة أرباعهم انعدام الأمن الغذائي، ويكافحون من أجل الحصول على الرعاية التي يحتاجون إليها.

ممارسة الضغوط

وقال هاريسون «معظم أفراد مجتمعنا غير متعلمين، ولا يستطيعون القراءة»، وهم يعملون في مناجم اليورانيوم، غير مدركين للمخاطر، ويعتقدون أنهم سيتمكنون من توفير المصروفات لعائلاتهم، ولكنه يقول «أصبح هؤلاء الأشخاص يقترضون المال من أجل العلاجات الطبية للتخلص من الأمراض التي أصيبوا بها».

وخلال رحلة إلى واشنطن من أجل ممارسة الضغوط على الحكومة، في يوليو الماضي، قال هاريسون «إن من الإلزامي إجراء هذا التعديل في أسرع وقت ممكن. لقد فقدنا الكثير من أبناء مجتمعنا»، وهنالك كثيرون الذين ينتظرون التمويل كي يدفعوا تكاليف العلاج الطبي، مثل ليو مارتن، الذي كان يعمل في مناجم اليورانيوم سابقاً، وتم تشخيص مرض كلوي متقدم لديه. وفي أغسطس الماضي، قال مارتن لصحيفة الغارديان، إنه خطط لتقديم طلب الحصول على التعويض إذا صدر التعديل، ولكنه توفي في سبتمبر الماضي.

وتتذكر لينا كاسون، من بلدة فارمنغتون بولاية نيومكسيكو، كيف أن والدها كان يُحضر أوعية من الماء البارد، جمعها خلال عمله في مناجم اليورانيوم في خمسينات وستينات القرن الماضي. وبدا الأمر وكأنه ميزة سهلة لهذه الصناعة، ففي أعماق الأرض، على طول سلسلة جبال ليست بعيدة عن منزل طفولتها، انسابت المياه الباردة على جدران الكهوف، حيث كان والدها ورجال آخرون يعملون. وقالت كاسون «كانت المياه باردة جداً في المناجم، وكنا نظن أنها لذيذة، لكننا كنا نسمم أنفسنا».

• صوّت الكونغرس الأميركي لتمديد قانون التعويض لمن تعرّضوا للإشعاع النووي، والذي من المفترض أن ينتهي في العام المقبل.

• يمكن أن يقدم كل من عملوا في مناجم اليورانيوم، وتعرضوا للإشعاع، للحصول على مبلغ 100 ألف دولار تعويضاً لمرة واحدة.

مياه مشعة

تعتبر مياه الينابيع الطبيعية مورداً ثميناً لسكان بلدة دانيا، حيث لايزال 40% منهم يفتقرون إلى المياه الجارية في منازلهم. ولم يكن الماء الذي أحضره والد لينا كاسون إلى المنزل يستخدم للشرب فحسب، بل لغسيل الملابس. وساعدت كاسون والدتها في غسل ملابس عمل والدها في أحواض مملوءة ببخار مياه المناجم، التي كانت تفوح منها رائحة اليورانيوم المعدنية الحادة. ولاتزال كاسون تتعجب من عدم تحذير عمال المناجم من استخدام المياه المشعة. وتقول «كانت شركات المناجم تعرف مدى خطورة الأمر، ولكنها لم تبذل أي جهد على الإطلاق لحماية الناس والعائلات».

فواتير طبية متراكمة

عندما كانت كاثلين تسوسي في السابعة من عمرها، كانت تساعد جدتها في رعي قطيع الماشية في ريد فالي، بالقرب من بلدة كوف، بولاية أريزونا. وفي الصيف، كانوا ينقلون قطيعهم إلى جبال لوكاشوكاي، حيث كان الهواء أكثر برودة. وعندما يكون لدى تسوسي وقت للعب، كانت تركض فوق أكوام من فلزات اليورانيوم. وكانت عائلتها أيضاً تشرب الماء من تحت الأرض، وهي تتذكر الشاحنات التي كانت تحمل الفلزات، وهي مكشوفة، وتنقلها إلى المحطات، والمعامل التي تتولى طحنها.

وتم تشخيص سرطان الثدي لدى تسوسي في عام 2007، عندما كان عمرها 47 عاماً، وكذلك أربع من شقيقاتها وأمها أُصبن بسرطان الثدي أيضاً. وباعتبارها تعيش بالقرب من مناجم اليورانيوم، ومؤهلة للحصول على التعويض، فقد حصلت على تعويض قدره 50 ألف دولار. ولكن العلاج الكيماوي والإشعاعي، وخسارتها لعملها كمساعدة في مدرسة، نتيجة الآثار الجانبية لهذا العلاج، جعلها تنفق كل مبلغ التعويض. وعندما تنفد الأموال يتعين عليها التوقف عن الذهاب إلى الطبيب.

وفي يوليو الماضي، انضمت تسوسي إلى فريق المحامي فيل هاريسون، الذي يدافع عن عمال المناجم، في واشنطن، للضغط من أجل تعديل قانون التعويض لمن أصيبوا بالأمراض نتيجة اليورانيوم. وإذا نجح هذا التعديل، فإنها يمكن أن تحصل على 100 ألف دولار إضافية، الأمر الذي سيجعلها قادرة على دفع فواتير علاجها، ولكنها لم تقم بهذه الرحلة من أجل نفسها، وهي تقول «فعلت ذلك من أجل مجتمعي».

وبعد شهر من الرحلة إلى واشنطن، قالت تسوسي إن الشكوك تساورها من أن هذا التعديل لن ينجح، ولكنها قالت «أشكر الله كل يوم لأنني استيقظ وأرى الشمس».

وفي شهر مارس، اقترحت وكالة حماية البيئة إضافة منطقة المناجم في جبال لوكاشوكاي، التي لعبت فيها عندما كانت طفلة، إلى قائمة برنامج «سوبر فاند»، الذي تديره وكالة حماية البيئة.

معدات السلامة

منذ ما يقرب من 50 عاماً، قام ألبرت لي (83 عاماً)، من بلدة شيبروك قرب ولاية نيومكسيكو، ببناء منزل من غرفة واحدة لعائلته كنوع من الترشيد الاقتصادي. وأعاد لي استخدام المواد التي كانت وفيرة ومجانية، فجمع الرمال من معمل اليورانيوم المهجور على طول الطريق، ثم خلطها بعد ذلك بالخرسانة لبناء أساس متين.

وعمل لي في المناجم، ولكنه مثل الآخرين، عمل من دون معدات سلامة، ولم يلق أي تحذيرات من خطورة اليورانيوم. وقال ابنه روبرت «الحكومة لم تبلغهم ما يمكن أن يؤدي إليه اليورانيوم مستقبلاً».

ويقوم لي هذه الأيام بقيادة دراجة نارية وهو مقيد بخزان أكسجين (كلاهما من تقديم شركة محلية للرعاية الصحية المنزلية)، ويعاني تليفاً رئوياً، ولا يستطيع المشي أكثر من بضع خطوات.

وفي شهر يوليو، قام ألبرت وزوجته هيلين بدفن ابنته تشيريل، التي توفيت بعد أسابيع فقط من تشخيص مرض سرطان الرئة، والكلى، والبنكرياس، لديها. وتعتقد العائلة أن اليورانيوم هو سبب وفاة ابنتهم.

وتلقى ألبرت مبلغاً كتعويض عن مرضه، ولكن ابنته تشيريل، التي لم تكن تعيش في البلدات التي حددها القانون إثر إصداره بتغطيته الضيقة، لم تكن مؤهلة للحصول على التعويض.

الأكثر مشاركة