الولايات المتحدة قد تتخلى عنها في أي وقت 

أوروبا مطالبة بالاعتماد على نفسها في الدفاع عن أراضيها

صورة

يبدو أن أوروبا ستواجه تهديداتها وحدها قريباً. فقد أطلقت موسكو أول حرب برية كبرى في أوروبا، منذ الحرب العالمية الثانية، بهدف استعادة إمبراطوريتها في الحرب الباردة، والتي شملت بلداناً أصبحت الآن أعضاء في الاتحاد الأوروبي. وإذا تحولت الحرب في الشرق الأوسط إلى حريق أعظم، فقد تظهر موجات جديدة من المهاجرين إلى الاتحاد الأوروبي. كما تحولت أوروبا إلى مسرح للتنافس بين الولايات المتحدة والصين، حيث كانت حرب روسيا وأوكرانيا أول فصل من المنافسة بين النظام الذي يقوده الغرب، والكتلة التي تقودها الصين والتي تسعى إلى مراجعته أو تدميره. والمشكلة بالنسبة للأوروبيين، كما يعترف العديد من قادتهم ومفكريهم في أكثر من مناسبة، هي أنهم غير مستعدين غالباً لعالم تسوده القوة. فقد صُمم الاتحاد الأوروبي من أجل إبعاد شبح الحرب عن القارة، ويُثبت غياب الحرب واسعة النطاق في أوروبا بين عامي 1945 و2022 (ما أفضى إلى سلام طويل بشكل ملحوظ، وفقاً للمعايير التاريخية)، نجاح هذا المشروع.

ويعتقد الأوروبيون أن الحرب إذا استمرت فإن الأميركيين سيحافظون على سلامتهم دائماً. وكما قال رئيس السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أمام جمهور من جامعة جورج تاون في مارس: «كان الأمر وكأن الأوروبيين يقولون: إذا اندلعت الحرب، يرجى استدعاء الولايات المتحدة».

فشل جيوسياسي

ومن الناحية النظرية يعد الاتحاد الأوروبي البالغ عدد مواطنيه 450 مليون نسمة، أحد التكتلات الكبرى في العالم. ويأتي ناتجه المحلي الإجمالي الجماعي في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة، بزيادة عشرة أضعاف على ناتج روسيا. والعديد من أعضائه - خصوصاً أولئك القريبين جغرافياً من روسيا - لديهم وجهة نظر استراتيجية صارمة بشأن العالم. ولكن في العموم، لم تترجم أوروبا مواردها الاقتصادية إلى قوة جيوسياسية من النوع الذي قد يُبقي موسكو تحت السيطرة بمفردها، على سبيل المثال.

ولم تكن أي كتلة من الدول - على مدى السنوات الـ75 الماضية - أكثر ارتباطاً بالولايات المتحدة، مثل أوروبا. فقد ازدهر نصفها الغربي، ومنذ نهاية الحرب الباردة، ازدهر قسم كبير من نصفها الشرقي، في ظل أوسع روابط تجارية ومالية واستثمارية في العالم. وبوسع أوروبا أيضاً أن تعتمد على التزام الجيش الأميركي الصارم بالدفاع عنها، المضمّن في ميثاق حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي ظل يمتد لنحو 75 عاماً. وبالتعاون مع عدد قليل من الدول الأخرى، حددت الولايات المتحدة وأوروبا العديد من المؤسسات التي تشكل ما نسميه النظام الذي يقوده الغرب. وربما كان التحالف الأميركي الأوروبي حجر الأساس للنظام الذي يهيمن على العالم اليوم.

ولكن العصر الذي كان بوسع أوروبا فيه أن تعتمد على الولايات المتحدة، ربما يقترب من نهايته. فبغض النظر عمن سيفوز في الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر، فإن اهتمام واشنطن يتحول الآن إلى بكين، ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ. وإذا عاد الرئيس السابق والمرشح الرئاسي الحالي، دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، فمن الممكن أن تشكك الولايات المتحدة في التزامها مع حلف شمال الأطلسي، أو حتى تنسحب منه تماماً.

انتهت العطلة الطويلة

هناك شعور بأن عطلة أوروبا الطويلة في التاريخ انتهت بشكل ملموس في العواصم الأوروبية. فبعد الحرب الروسية الأوكرانية عام 2022، أعلن المستشار الألماني أولاف شولتز عما أسماه «تغيير العصور». وعلى نحو أكثر دراماتيكية، حذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أن أوروبا «قد تموت» إذا لم تتكيّف بسرعة كافية.

وبالتالي يصبح السؤال هو: هل تستطيع أوروبا ضمان أمنها واستمرار ازدهارها بدعم أقل من الولايات المتحدة، وتتعلم كيفية التعامل مع ما أسماه بوريل «الآلام المنسية في العالم» بمفردها؟ ويعني بها قسوة الحروب.

أوروبا ومعضلة ترامب

الواقع أن ترامب هدد بالانسحاب من «الناتو» مرات عدة عندما كان رئيساً، إلى الحد الذي جعل العديد من منتقديه يعتبرون أن المسألة تتعلق بموعد محدد للانسحاب، وليس الأمر ما إذا كان سيتخلى عن التحالف إذا أعيد انتخابه أم لا.

لكن يبدو أنه من غير المرجح أن ينسحب ترامب من «الناتو» على الفور، وفقاً لمقابلات مع مسؤولين سابقين في الأمن القومي وخبراء دفاع من المرجح أن يخدموا في فترة ولايته الثانية المفترضة، ولكن حتى إذا لم يترك المنظمة رسمياً، فإن هذا لا يعني أن «الناتو» سينجو من فترة ولاية ثانية لترامب سليماً.

ففي مقابل استمرار مشاركة الولايات المتحدة، لن يتوقع ترامب أن تزيد الدول الأوروبية إنفاقها على الحلف بشكل كبير فحسب، بل سيتعهد أيضاً بما وصفه أحد خبراء الدفاع المطلعين على التفكير داخل الدائرة الاستشارية للأمن القومي لترامب، دان كالدويل، بأنه «إعادة توجيه جذرية» لـ«الناتو».

وقال كالدويل لمجلة «بوليتيكو»: «لم يعد لدينا خيار حقاً»، مستشهداً بارتفاع الديون الأميركية، وتراجع التجنيد العسكري وقاعدة الصناعة الدفاعية التي لا تستطيع مواكبة التحدي من روسيا والصين. عن «فورين بوليسي»

• يعتقد الأوروبيون أن الحرب إذا استمرت فإن الأميركيين سيحافظون على سلامتهم دائماً. وكما قال رئيس السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أمام جمهور من جامعة جورج تاون في مارس: «كان الأمر وكأن الأوروبيين يقولون: إذا اندلعت الحرب، يرجى استدعاء الولايات المتحدة».

• من الناحية النظرية، يعد الاتحاد الأوروبي البالغ عدد مواطنيه 450 مليون نسمة، أحد التكتلات الكبرى في العالم. ويأتي ناتجه المحلي الإجمالي الجماعي في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة، بزيادة عشرة أضعاف على ناتج روسيا.

 


رسالة ماكرون للعالم الأوروبي

يقول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في رسالته للعالم الأوروبي: في سبتمبر 2017، قلت إن أوروبا لم تعد تتمتع بالطموح، ولم تعد تندفع إلى الأمام، إما بسبب الإجهاد أو عدم التقدم. لقد انتقلت تلك الروح البناءة التي كانت تتمتع بها أوروبا إلى أولئك الذين ينتقدونها. لقد اقترحنا بناء أوروبا أكثر اتحاداً، وأكثر سيادة، وأكثر ديمقراطية، حتى تتمكن من تحمّل ثقلها في مواجهة القوى الأخرى والتحولات في هذا القرن، ولتكون أكثر سيادة، حتى لا تسمح للآخرين بإملاء مصيرها وقيمها وطريقة حياتها. إننا نُنادي بأوروبا أكثر ديمقراطية، لأن أوروبا هي الأرض التي ولدت فيها الديمقراطية الليبرالية، ويتخذ الناس فيها قراراتهم بأنفسهم.

وفي ذلك الوقت، حددتُ جدولاً زمنياً مدته سبع سنوات، لكننا لم نحقق كل ما وضعناه نصب أعيننا، ويجب أن ندرك هذا جيداً، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بجعل أوروبا أكثر ديمقراطية. يجب أن نعترف بأن التقدّم كان محدوداً في هذا الصدد، أحياناً بسبب الإحجام عن تغيير المعاهدات، وتغيير القواعد، وتنظيمنا الجماعي، وحتى لو كانت هناك بعض الابتكارات في هذا المجال، فإننا لم نذهب بعيداً بما فيه الكفاية.

وفي سياق التحولات البيئية والتكنولوجية المستمرة والمتسارعة في السنوات الأخيرة والتي تعيد تشكيل الطريقة التي نعيش بها، ونُنتج بها بشكل أساسي، فقد واصلت أوروبا المضي قدماً. وهذا المفهوم للسيادة، الذي ربما بدا فرنسياً للغاية، قبل سبع سنوات فقط، أصبح أوروبياً تدريجياً. وعلى الرغم من هذه الأزمات المتقاربة غير المسبوقة، نادراً ما أحرزت أوروبا مثل هذا التقدّم الكبير، وهو ثمرة عملنا الجماعي. وقد تحقق كل هذا من خلال عدد من الخطوات التي اتخذناها في السنوات القليلة الماضية.

تويتر