احتكرها الرجال على مر الزمن لأنها تتطلب ظروف عمل أكثر قساوة

النساء يُقبلن على مهنة التعدين في المناجم الأسترالية

صورة

في غالبية الصباحات في أستراليا، تتجول حشود من العمال الذين يرتدون ملابس عمل عالية الوضوح وأحذية ثقيلة في مطار بيرث للوصول في رحلات مبكرة إلى مناجم خام الحديد والنحاس في بلبارا على بعد ساعتين شمالاً للعمل فيه. وحتى وقت قريب كانت هذه الرحلة التي تبلغ مسافتها 1000 ميل إلى المناطق النائية في غرب أستراليا حكراً على الرجال، ولكن لم يعد الحال الآن كذلك، حيث تسللت إلى الصناعة سلالة جديدة من عمال المناجم من الجيل «زد»، الذين لا يشبهون إلى حد كبير الصورة النمطية القديمة للرجال الأقوياء الذين يرتدون خوذات صلبة، ويغطون أنفسهم بالسخام.

فئة جديدة

وتنضم إلى هذه الصناعة الشابات بأعداد قياسية للعمل في المناجم في مختلف أنحاء أستراليا، تحت وطأة درجات حرارة تصل إلى 40 درجة، مدفوعات بإغراءات الرواتب الضخمة، وفي بعض الحالات فرصة تعزيز مكانتهن على وسائل التواصل الاجتماعي. وتقول سيينا مالون التي تبلغ من العمر 27 عاماً، وتدير موقعاً في منجم للفحم في وسط كوينزلاند: «المال رائع للغاية». وتحت الأرض والصخور في المناطق النائية توجد بعض أكبر رواسب الفحم وخام الحديد والليثيوم والذهب والمعادن الأخرى القابلة للتسويق في العالم.

لقد تخلت مالون خريجة العلوم الزراعية عن وظيفتها في مصنع للأسمدة في غيلونغ فيكتوريا قبل عامين، وتضاعف راتبها السنوي من 85 ألف دولار أسترالي إلى أكثر من 200 ألف دولار أسترالي (100 ألف جنيه إسترليني). وتصف مالون نفسها بأنها «الطفلة المثالية» للشابات في صناعة التعدين، بعد أن أصبح متابعوها أكثر من 174 ألفاً على «تيك توك». وقد أثبتت أيضاً أنه مصدر إضافي للدخل، حيث تدفع لها العلامات التجارية، بما في ذلك مكملات الصالة الرياضية، للترويج لبضائعها. وتضيف: «في البداية كنت أرغب في الحصول على الكثير من المتابعين، وأن أصبح مشهورة على (تيك توك)، ثم وصلت إلى 30 ألفاً ثم إلى 40 ألف متابع، وأدركت أن لدي فرصة لإثبات أن الشابات يمكنهن دخول هذه الصناعة وأنهن يجب ألا يتعرضن للتنمر والمضايقة لتحقيق النجاح».

ويتزامن الدفع المتجدد من قبل عمالقة التعدين لتجنيد المزيد من النساء مع سيل من المؤثرين في مجال التعدين الذين انطلقوا عبر «تيك توك» و«إنستغرام». ويراوح عمل هؤلاء الشابات ما بين سائقات للشاحنات وحفارات وكهربائيات وعاملات نظافة، حيث اكتشفن للمرة الأولى الحياة الحقيقية في مواقع المناجم النائية هذه. وتتمثل الشكاوى الشائعة في الحرارة الشديدة وقلة النوم والابتعاد عن الأصدقاء والعائلة لأسابيع.

ويُدير أحد الحسابات الأكثر شهرة على «تيك توك» عارضة الأزياء الإيرلندية والممرضة السابقة غرين غالاناغ البالغة من العمر 30 عاماً، التي توجت بلقب ملكة جمال إيرلندا في عام 2018، والتي اتخذت خطوة مهنية جريئة غير متوقعة العام الماضي عندما حصلت على وظيفة سائقة شاحنة في منجم في المناطق النائية في غرب أستراليا.

وتتضمن مقاطع فيديو مرحة تنشرها النساء العاملات في المناجم على «تيك توك» كيفية حفاظ العاملات على صحة شعرهن في الصحراء، فضلاً عن الشكاوى حول عدد الذباب الذي «يذهب مباشرة إلى عينيك أو أنفك أو أذنيك».

ومن بين المؤثرين المشهورين الآخرين آشليا، سائقة شاحنة قلابة تُعرف باسم «ذي سولتي بين آب» على وسائل التواصل الاجتماعي، وغوردان دوسيت، كهربائي شاب يعمل في منجم وكان متسابقاً سابقاً في برنامج «لوف آيلاند أوستريليا»، حيث ينشر تحديثات منتظمة ونصائح من المنجم في وسط كوينزلاند، وأخباراً عن الاستمتاع بثمار عمله في مواقع العطلات الساحرة المختلفة، وكما كان متوقعاً فإن حسابات وسائل التواصل الاجتماعي هذه لا تلقى استحساناً من شركات التعدين الكبرى، حيث يحرص العديد من هؤلاء المؤثرين على عدم الكشف عن اسم صاحب عملهم.

لكن المديرة المؤسسة لشركة التوظيف في مجال التعدين «إندستري ريسيوم أستريليا»، كيرستي سويل، قالت إنهم كانوا أيضاً فعالين في جذب المزيد من الشباب، خصوصاً النساء، إلى التعدين. وتضيف: «عندما بدأت العمل للمرة الأولى، كان معظم عملائي من الرجال في منتصف العمر، ونادراً ما كان لدينا أي عميلات. لقد تغير هذا على مدار السنوات الثلاث أو الأربع الماضية، ولاشك في أن وسائل التواصل الاجتماعي كان لها تأثير كبير».

البرنامج اليومي

كارين فوليرتون (25 عاماً)، تعمل في وظائف التعدين منذ يناير 2022. وتقول: «أستيقظ نحو الساعة الرابعة صباحاً، وأتوجه لتناول الإفطار، الذي يكون عادةً على شكل بوفيه على طراز المقصف، حيث توجد الكثير من الخيارات، وبعد ذلك أحزم غدائي وأتوجه إلى الحافلة للذهاب إلى الموقع». وتضيف: «في اليوم العادي يعقد طاقمنا اجتماعاً في نحو الساعة 5.30 صباحاً لمناقشة الأعمال اليومية، وبعد ذلك نذهب إلى آلاتنا ونبدأ، ثم نأخذ استراحة في نحو الساعة العاشرة صباحاً ثم نتناول الغداء في الساعة الواحدة ظهراً، وينتهي اليوم عادةً في نحو الساعة الخامسة مساءً ثم نركب الحافلة ونعود إلى المخيم».

ليست أموالاً سهلة

يعمل الموظفون الذين يتم ترحيلهم يومياً لموقع العمل لمدة 12 ساعة في اليوم مع نوبات ليلية منتظمة، ويعيشون في أكواخ جاهزة تسمى «دونغا» في قرى مؤقتة كبيرة على بعد رحلة بالحافلة من مواقع التعدين. وتختلف جداول العمل، ولكن عمال المناجم غالباً ما يعملون وفقاً لنمط أسبوعين من العمل وأسبوع إجازة. واكتسب العديد من عمال المناجم الشباب سمعة سيئة بسبب تورطهم في ديون بعد إهدار الكثير من أموالهم التي كسبوها بشق الأنفس، حيث إنهم عندما يعودون إلى ديارهم يعاقرون الخمور ويتعاطون المخدرات ويلعبون القمار ويلهون في علب الليل، لكن البعض منهم يمكنه شراء عقارات بعد أن يؤمن له صاحب العمل ثمن الرحلات الجوية والطعام والإقامة، لأنه يمكنهم توفير مبلغ كبير من المال.  عن «التايمز» اللندنية


الجانب المظلم للتعدين

لقد تضررت سمعة صناعة التعدين في غرب أستراليا بشدة قبل بضع سنوات عندما ظهرت سلسلة من الادعاءات بالتحرش الجنسي والاغتصاب والتنمر والتمييز على أساس الجنس، وكلها ممارسات مدفوعة بثقافة الشرب المفرط في قرى التعدين. وبعد تحقيق برلماني في الولاية، نُشر تقرير في يونيو 2022 خلص إلى أن التحرش الجنسي «تعتبره مؤسسات التعدين ممارسة مقبولة أو تتجاهله بشكل عام»، واتُهم رؤساء التعدين بالفشل في منع حدوث مثل هذا السلوك، أو عدم القيام بما يكفي حيال ذلك.

ولكن هذا التقرير غذى على العكس حملة لتوظيف المزيد من النساء في هذه الصناعة، وأصبحت النساء تشكلن حالياً 21% فقط من الموظفين، ويشكلن نسبة أقل من العاملين في الخطوط الأمامية في مواقع التعدين، لكن هذا يتغير بسرعة في الوقت الراهن. لقد حددت شركة بي إتش بي، أكبر شركة تعدين في العالم، هدفاً لتحقيق «التوازن بين الجنسين»، لكي يصبح ما لا يقل عن 40% من موظفيها من النساء بحلول العام المقبل.

وقد تمت الإشادة بمنجم خام الحديد العملاق في ساوث فلانك في بلبارا، والذي افتتح في عام 2021 وقد استوفى بالفعل هذه الحصة، باعتباره أحد أكثر المناجم تنوعاً بين الجنسين في العالم. وكما تقول عاملة المناجم سيينا مالون: «إنه وقت مناسب لتكوني عاملة في مجال التعدين».

رواتب مجزية

المال هو الموضوع السائد في هذه الصناعة، حيث يتفاخر بعض عمال المناجم بكيفية تمكنهم من مضاعفة دخلهم والحصول على رواتب مكونة من ستة أرقام، على الرغم من أنهم يعملون نصف العام فقط. وهناك أكثر من 100 ألف عامل «يتم ترحيلهم يومياً جيئة وذهاباً بالجو لموقع العمل في جميع أنحاء أستراليا، حيث يكسب معظم الموظفين ذوي الخبرة ما يعادل 88 ألف جنيه إسترليني سنوياً. وتبدأ رواتب الوظائف الأقل مهارة، مثل سائقي الشاحنات ومساعدي الحفارات وعمال النظافة، عادةً، بأقل من 100 ألف دولار أسترالي سنوياً، بينما يكسب الكهربائيون المؤهلون حديثاً نحو 150 ألف دولار أسترالي، ويمكن للمهندسين ومديري المواقع كسب ما يصل إلى 350 ألف دولار أسترالي. ويستطيع العمال أيضاً الحصول على مكافآت تبلغ نحو 15% من رواتبهم.

• يراح عمل هؤلاء الشابات ما بين سائقات للشاحنات وحفارات وكهربائيات وعاملات نظافة، حيث اكتشفن للمرة الأولى الحياة الحقيقية في مواقع المناجم النائية هذه.

• تخلت مالون خريجة العلوم الزراعية عن وظيفتها في مصنع للأسمدة في غيلونغ فيكتوريا قبل عامين، وتضاعف راتبها السنوي من 85 ألف دولار أسترالي إلى أكثر من 200 ألف دولار أسترالي (100 ألف جنيه إسترليني).

تويتر