اشتُهرت من قديم الزمان بإنتاج البخور بعطره الزكي المميز

شجرة اللبان مهددة بالانقراض مع توسع صناعات التجميل الغربية

إنتاج اللبان سينخفض إلى النصف في غضون عقدين من الزمن. من المصدر

مع تزايد الطلب على لبان البخور من قبل الغربيين الأثرياء وشركات التجميل الغربية، ينشط التجار لتغذية هذه السوق العطشى، إلا أن هذا السباق المربح للحصول على هذه المادة الراتنجية يقتل الأشجار ولا يترك سوى القليل من أرباح التجارة للمزارعين الفقراء الذين يجمعونها. وإلى وقت قريب حتى قبل نحو 20 عاماً كان الطلب على اللبان يأتي في الغالب من الكنائس، كما يقول أستاذ علم البيئة والإدارة الحرجية في جامعة واجينينجن في هولندا، فرانز بونجرز، ومع ذلك أصبحت هذه المادة العطرية القديمة أخيراً سلعة ساخنة عالمياً، حيث تجد الاهتمام من قطاع كبير من الصناعات تبلغ قيمته السوقية نحو 5.6 تريليونات دولار سنوياً.

وتتم زراعة وحصاد أشجار اللبان في منطقة القرن الإفريقي وعبر البحر الأحمر في شبه الجزيرة العربية منذ آلاف السنين، وفي مصر القديمة كان اللبان يُقدَّر لرائحته الخشبية العميقة الثرية والعطرية، ومع ذلك لايزال استخراج اللبان متجذراً بقوة في ماضيه القديم. سلاسل التوريد غامضة ومجزأة، وغالباً ما تتميز بالاستغلال والعنف، ويهيمن عليها الوسطاء الذين يستنزفون معظم قيمة المادة الخام، وعلى الرغم من أن غالبية شركات التجميل الغربية تزعم أنها تحصل على منتجاتها بطريقة أخلاقية ومستدامة، فمن المستحيل أن يستفيد الأشخاص الذين يحصدون اللبان من أثمانه الباهظة في نيويورك ولندن، والذين غالباً ما يظلون في فقرهم المدقع، وهناك أدلة متزايدة على أن الاهتمام الجديد باللبان قد يدفع أشجاره البرية إلى حافة الانقراض.

لصوص اللبان

في تسيكيمي، وهي قرية من المزارع الحجرية في شمال إثيوبيا على بعد 3400 ميل من المتاجر الباهظة الثمن في كوفنت غاردن، تتشبث غابة صغيرة من أشجار اللبان بتل صخري، أغصانها ملتوية ولحاؤها المتقشر الورقي يشبه لحاء البتولا، وتحمل جذوع الأشجار ندوباً عبارة عن بقع حمراء حيث تم قطع اللحاء بوحشية. يأتي لصوص اللبان إلى هنا كل ليلة تقريباً، كما يقول ديمستو جيبريمايكل، وهو مزارع محلي. عادة ما يعملون على ضوء القمر، ولكن ديمستو يستطيع في بعض الأحيان رؤية وميض المشاعل أثناء قيامهم بكشط النسغ الأبيض القيم الذي يتسرب من جروح الأشجار.

على مدى عقود من الزمان ظل ديمستو البالغ من العمر 78 عاماً يحصد اللبان بنفسه، ويحمله على الإبل، ويبيعه في أقرب مدينة، وهي أبي آدي. وكانت المبالغ الصغيرة التي تدرها هذه العملية تكمل دخله كمزارع. ويقول ديمستو: «بهذه الطريقة كنا نشتري أشياء مثل الملابس والمواد المدرسية للأطفال».

ولكن في هذه الأيام، لا يحصد ديمستو أي شيء تقريباً، حيث يسرق اللصوص المادة الراتنجية قبل أن يتمكن من جمعها. ويروي ديمستو وهو يقف تحت إحدى أشجار اللبان الـ36 التي يملكها، عن الضرب الذي يتعرض له الجيران الذين يواجهون اللصوص، ومعظمهم من الشباب المحليين الذين فقدوا سبل عيشهم بسبب الحرب والجفاف. ويقول ديمستو: «يحتاج الناس إلى البقاء على قيد الحياة بطريقة أو بأخرى، لذا فهم يلجأون إلى هذا».

مستقبل غامض

ومع قيام المزيد من المزارعين الفقراء باستخراج المادة الراتنجية من عدد متناقص من الأشجار، فإن مستقبل الأنواع والمزارعين المحليين أصبح مهدداً. في عام 2011 ظهر واحد من أوائل التحذيرات من أن اللبان يتجه نحو الانقراض، حيث تنبأت دراسة أجريت على أشجار بوسويليا بابيرفيرا في شمال إثيوبيا بأن 90% من الأشجار قد تختفي بحلول عام 2060.

هذا هو النوع الرئيس من أشجار اللبان، ويمثل ثلثي إنتاج الراتنج العالمي. وفي ورقة بحثية أخرى نُشرت في مجلة «نيتشر» عام 2019، وجد العلماء أن غابات بوسويليا بابيرفيرا ليس في استطاعتها أن تتجدد، وقدر العلماء أن إنتاج اللبان سينخفض إلى النصف في غضون عقدين من الزمن قبل أن تموت الغابات تماماً، كما تتعرض الأشجار للحرائق والجفاف، ما يؤدي إلى تدهور التربة ويجعل الأشجار عرضة للانجراف بفعل الرياح العاتية، وفقاً لدراسة «نيتشر». وتلتهم الأبقار والماعز البذور، لكن الجاني الأكبر هو الإفراط في الاستغلال. ويتم حصاد اللبان من خلال «النقر» وهو إجراء قطع متباعدة وضحلة في اللحاء والسماح بـ10 إلى 15 يوماً حتى يتسرب الراتنج خارج الجذوع ويتصلب. بعد النقر يجب السماح للأشجار بالراحة أشهراً عدة. إذا تم إجراء الكثير من القطع فإن الخنافس والفطريات المدمرة تدخل داخل الجذوع، ما يؤدي إلى قتل الشجرة.

حصاد مفرط

وجد الباحثون أن أشجار اللبان في السودان وإثيوبيا وإريتريا كانت عرضة للنقر المفرط «المتهور» مع إجراء العديد من القطع القريبة جداً من بعضها بعضاً، والعميقة جداً والمتكررة، لتلبية الطلب الدولي المتزايد عليها. ويقول الباحثون إن «العواقب المأساوية» تعني أن أشجار اللبان القديمة «تموت بسرعة» مع وجود عدد قليل جداً من الشتلات الصغيرة لتحل محلها، وقد أدى ذلك إلى حلقة مفرغة، فقلة الأشجار تعني أن الأشجار الموجودة يتم استغلالها بشكل مكثف أكثر فأكثر. ويقول بونجرز، المؤلف المشارك في الدراستين، إن «التحذيرات تم تجاهلها إلى حد كبير، ويقول الناس: لا نرى أي مشكلة. إنهم ببساطة لا يصدقونني ويواصلون الحصاد».

هناك خمسة أنواع رئيسة من الأشجار التي تنتج اللبان، توجد جميعها في أماكن صخرية وجافة مثل شمال إثيوبيا، حيث المياه شحيحة والتربة فقيرة، ومن المعروف أن زراعتها صعبة للغاية، وتوجد أكبر تركيزات لأشجار اللبان في السودان وإثيوبيا وإريتريا والصومال واليمن وعمان، وبالإضافة إلى الفقر المتأصل وأزمة المناخ فإن العديد من هذه البلدان تعاني أيضاً الصراعات الداخلية، ففي الصومال يشكل المتمردون على الحكومة تهديداً مستمراً، بينما يعاني اليمن حرباً أهلية منذ عام 2014، ولا يعيق انعدام الأمن الحفاظ على البيئة من خلال جعل عمل علماء البيئة أكثر صعوبة فحسب، بل إنه يدمر أيضاً سبل العيش ويشجع السكان المحليين على حصاد اللبان في وقت يتزايد فيه الطلب.

بيئة متغيرة

في تسيكيمي لا توجد كهرباء أو مياه جارية، وكانت هذه المنطقة من شمال إثيوبيا بالفعل واحدة من أفقر مناطق العالم عندما اندلعت الحرب الأهلية في عامي 2020 و2022، ما أسفر عن مقتل مئات الآلاف من الناس، وكثير منهم بسبب الجوع والمرض، ولاتزال المركبات العسكرية المحترقة تملأ الطريق، وقد دمر اللصوص مبنى الحكومة المحلية، والآن الاقتصاد المحلي في حالة يرثى لها. لقد أدى الجفاف الشديد إلى تفاقم الدمار، وتحويل المنطقة إلى وعاء من الغبار، حيث لم يحصد المزارعون شيئاً لمدة أربع سنوات. وفي يناير حذر مسؤولون محليون من المجاعة الوشيكة وناشدوا المنظمات الإنسانية زيادة المساعدات بشكل عاجل.

كان آخر زيارة قام بها المحاضر في علم الغابات في جامعة ميكيلي، بوروه أبيبي تيتيمكي، المؤسسة الأكاديمية الرئيسة في المنطقة، إلى تسيكيمي قبل 20 عاماً كطالب دراسات عليا. يقول بوروه وهو يشير إلى المناظر الطبيعية القاحلة بشكل متزايد: «عندما أتيت إلى هنا كانت الأشجار كثيفة، ولكن تم إزالتها وتحويلها إلى أراضٍ زراعية. يمكنك أن ترى الآن أنها متناثرة ولاتزال باقية في أماكن قليلة. لا يمكنك حقاً أن تسميها غابة بعد الآن».  عن «الغارديان»


استغلالية سلاسل التوريد

 

 اللبان يستخدم كبخور. من المصدر

يقول عالم البيئة ومدير شركة «فيرسورس بوتانيكالز» ستيفن جونسون: «هناك فجوة هائلة بين المستهلكين والشركات الغربية من ناحية، وما يحدث بالفعل على الأرض». ويضيف أن شركات التجميل في نيويورك قد تجني 200 دولار للكيلوغرام، مقارنة بدولارين للكيلوغرام يُدفعان للحصادين، مؤكداً أن «الطلب ارتفع إلى عنان السماء، فالجميع يريد اللبان، لكن لم يكن هناك زيادة مصاحبة في شفافية سلسلة التوريد، التي كانت تاريخياً استغلالية للغاية في الطريقة التي تعامل بها صغار المزارعين، وتوفر حوافز للإفراط في الحصاد».


معارضة لإدراج أشجار اللبان في قائمة الأنواع المهددة بالانقراض

 

 أشجار اللبان المعمرة تموت بسرعة بسبب زيادة استغلالها. من المصدر

تُجرى الآن مناقشات حول ما إذا كان ينبغي حماية اللبان بموجب اتفاقية التجارة الدولية في الأنواع المهددة بالانقراض من الحيوانات والنباتات البرية (سايتس)، وهي الخطوة التي قد تؤدي إلى حظر تام لجمع اللبان، ومع ذلك هناك معارضة شديدة لإدراج الأشجار في القائمة، بحجة أن هذا من شأنه أن يدفع تجارة اللبان إلى السرية، ويغذي الفساد وربما يدمر سبل عيش الأشخاص الضعفاء. في منطقتين من الصومال على سبيل المثال يستمد 225 ألف شخص ما بين 57% و72% من دخلهم من تجارة اللبان، وبدلاً من ذلك هناك دعوات إلى مزيد من الدعم للمزارعين الذين يحصدون اللبان.

• وجد الباحثون أن أشجار اللبان في السودان وإثيوبيا وإريتريا كانت عرضة للنقر المفرط مع إجراء العديد من القطع القريبة جداً من بعضها بعضاً، والعميقة جداً والمتكررة، لتلبية الطلب المتزايد عليها. ويقول الباحثون إن «العواقب المأساوية» تعني أن أشجار اللبان القديمة «تموت بسرعة».

• على الرغم من أن غالبية شركات التجميل الغربية تزعم أنها تحصل على منتجاتها بطريقة أخلاقية ومستدامة، فإنه من المستحيل أن يستفيد الأشخاص الذين يحصدون اللبان من أثمانه الباهظة في نيويورك ولندن، والذين غالباً ما يظلون في فقرهم المدقع.

تويتر