يعيش بين السويد وفنلندا والنرويج.. ويرعى «الرنة» منذ آلاف السنين

شعب «السامي» يكافح للحفاظ على نمط عيشه التقليدي       

صورة

ظل شعب «السامي»، وهم السكان الأصليون لشمال أوروبا، يعيش في شمال النرويج لآلاف السنين، لكن مع تراجع آخر الأنهار الجليدية في العصر الجليدي، تمكن أسلاف «السامي» من التحرك شمالاً، وظلوا يعتمدون في معيشتهم على رعي حيوانات الرنة، وصيد الغزلان والأسماك والزراعة لآلاف السنين، مستفيدين من المضائق والبحر والأنهار في النرويج.

وبسبب الظروف البيئية القاسية للأراضي الثلجية والجليدية التي يسكنها شعب «السامي»، نادراً ما اضطروا للدفاع ضد الغزو.

وظلت عائلات «السامي» تتبع بانتظام قطعان حيوانات الرنة، أثناء هجرتها من المناطق الساحلية في الصيف، إلى السهول الشاسعة في الشتاء.

وفي الجبال النائية في شمال السويد، على بعد 15 ميلاً شرق الحدود مع النرويج، و22 ميلاً جنوب الدائرة القطبية الشمالية، يعيش شعب «السامي» الأصلي، رعاة حيوانات الرنة، حيث تمتد مساحات خضراء شاسعة من المراعي، وتغطي الثلوج قمم الجبال مع بحيرات عذبة.

وبحلول العصور الوسطى، كان على شعب «السامي» دفع الضرائب لدول عدة، حيث كانت حيوانات الرنة التي تعيش في جميع أنحاء المناطق القطبية في العالم، وتنتمي إلى عائلة الغزال، تعبر عبر الحدود.

تأثر مناطق الرعي

وعلى مدى القرن الماضي، تراجعت مناطق الرعي التقليدية لشعب «السامي»، بشكل كبير، خصوصاً في السويد وفنلندا والنرويج، حيث يتنقلون.

ووفقاً لإحدى الدراسات، فإن 85% من أراضي الرعي في المنطقة، تأثرت بعامل واحد على الأقل من عوامل استخدام الأراضي، مثل زراعة الغابات الكثيفة أو التعدين أو توسيع مزارع الرياح.

وقدّر تقرير صدر عام 2016، أنه في السنوات الـ60 الماضية، عانت السويد انخفاضاً بنسبة 71% في غاباتها الغنية بـ«الأشنة»، التي توفر الغذاء الأساسي للرنة خلال فصل الشتاء.

وتقول راعية قطعان الرنة، ماريا سكوم (47 عاماً): «تزودنا (الرنة) بالطعام والملابس وكل ما نحتاجه»، مضيفة: «تعود علاقتنا مع (الرنة) إلى وقت طويل، ومن الصعب تتبع ذلك، لكن كل ما نقوم به هو حماية حيواناتنا.. إنها تحتاج إلى الأرض لترعى عليها، لكن الأرض تتقلص يوماً بعد يوم».

وتضيف سكوم: «نحن مرنون للغاية، وقادرون على التكيف، لكن يبدو أن الأمر وصل إلى مستوى خطر، لأنه عندما تختفي الأرض، نختفي نحن تماماً، ومن ثم لا يكون لدى (الرنة) مكان للرعي».

وتنتمي سكوم وزوجها، جوهان أسلات سيري، إلى قرية «جران سامبي»، وهي قرية «سامية»، حيث تهاجر سنوياً مع زوجها بين المراعي الصيفية والشتوية، ويقضيان أربعة أشهر من العام في بوتسمارك، بالقرب من الساحل، في الشتاء، قبل الهجرة أكثر من 300 كيلومتر (186 ميلاً) شمالاً إلى أمارناس، فيما يقضي طفلاهما، ريستن عليدا (13 عاماً)، وأنتي جوهان ماهتي (تسعة أعوام)، العام الدراسي بين مدرستين.

برامج التنمية

من جهته، يتذكر إنجيمار (73 عاماً) الذي ظل راعياً للرنة طوال حياته، كيف اعتاد شعب «السامي» على المشي أو التزلج بين المراعي الموسمية، حيث كانت الرحلة تستغرق أسبوعين أو أكثر.

ويقول: «كانوا يتبعون الأنهار المتجمدة، وكانت هناك غابات على طول الطريق، حيث يمكن للرنة أن ترعى، وبعد أن تسلك الرنة هذا الطريق مرة واحدة، كانت تتذكره عاماً بعد عام».

ويضيف: «هذه الطرق أصبحت الآن مجزأة، بسبب برامج التنمية، وأصبحت الأنهار لا تتجمد دائماً، كما تم قطع جزء كبير من الغابات الأصلية، فيما تكافح حيوانات الرنة للحصول على نبات الأشنة مصدر الغذاء الشتوي لها».

ويتابع: «نتيجة لذلك، يضطر الرعاة إلى إطعام (الرنة) الحبوب، ونقلها في الشاحنات، بينما يستخدمون هم أنفسهم مركبات الدفع الرباعي.. كل هذا يجعل أسلوب حياتهم أكثر كلفة وأقل استدامة بيئياً».

وبالنسبة لمساعدة المنظمات البيئية، تعتبر الراعية، ماريا سكوم، أن ذلك يؤدي إلى الضغط على حكومات الدول التي يتنقل «الساميون» عبرها أراضيها لرعي الرنة، لإبطاء وتيرة التنمية واسعة النطاق في الأراضي.

وتقول سكوم: «نحن بحاجة إلى حلفاء، ونحتاج إلى العمل معاً، ونحتاج أيضاً إلى أشخاص يهتمون بالبيئة»، وتضيف أنه «بالنسبة لـ(الساميين)، فإن حماية الأرض تتجاوز توفير سبل العيش، حيث الأرض تعني ثقافتنا، إنها لغتنا، إنها حياتنا، وسنخسر كل شيء إذا فقدناها».

مستقبل معلق

وتظل الإجابة عن السؤال حول شكل الحياة في المستقبل بالنسبة لشعب «السامي» محط جدل، حيث هناك تناقض بين القديم والجديد، وقبول تحديث بعض الأشياء، مع الحفاظ على التقاليد القديمة في أشياء أخرى.

وللحفاظ على التقاليد، يرتدي معظم السكان سترات منفوخة وأقمشة «جور تكس» (نسيج اصطناعي مقاوم للماء)، لكنهم يضيفون حزاماً تقليدياً مع سكين مصنوع بشكل رائع في «غمد»، في الأعلى. ويقولون إن هذه الملابس أكثر عملية، لكنهم يريدون الاحتفاظ بملابسهم التقليدية ذات الألوان الزاهية للمناسبات الخاصة، مثل حفلات الزفاف أو سوق الشتاء السامي السنوي.

ويتحدث معظم السكان مع بعضهم بعضاً باللغة السويدية، مع إتقان العديد منهم للغة الإنجليزية أيضاً، وبينما لايزال عدد قليل منهم يتواصلون بلغتهم، بمن في ذلك عائلة سكوم، الذين يتحدثون مع بعضهم بعضاً بلغة السامي الشمالية، وهي الأكثر انتشاراً من بين اللغات السامية الـ10، وتعتبر جميعها مهددة بالانقراض.

ورغم أن شعب «السامي» يحظى باعتراف الدولة التي يعيش فيها بشكل متزايد، إلا أنه يدرك أن حياته صعبة، ولن يجبر أطفاله وأحفاده على الاستمساك باللغة السامية.

ويقول الراعي إنجيمار: «من الصعب العيش على (الرنة) في الوقت الحاضر، لأن التكاليف مرتفعة للغاية، والأمر متروك للشباب هنا، لأخذ الأمر بأيديهم.. أنا قمت بواجبي بالفعل».

الجيل الصغير

وفي كل صباح، يتوجه الجيل الأصغر سناً من شعب «السامي» إلى صخرة في أعلى التل، حيث يمكنهم الحصول على إشارة على هواتفهم الذكية.

وتريد ابنة سكوم، ريستن عليدا، الحفاظ على نشاطها على «سناب شات»، في حين يقوم ابنها، أنتيجوهان ماهتي، بتنزيل لعبة «ماين كرافت».

ومع ذلك، وعلى الرغم من هذا التعرض لأسلوب حياة أكثر حداثة، يبدو أن أطفال شعب «السامي» ملتزمون بالحفاظ على طرق أجدادهم، حيث بدأ البعض، الذين لم يتحدث آباؤهم أو أجدادهم لغتهم التقليدية، في تعلمها بأنفسهم.

ويقول جميع الأولاد الذين تمت مقابلتهم، إنهم يريدون أن يكونوا رعاة «الرنة» عندما يكبرون، وبينما تعطي الفتيات إجابات أكثر تنوعاً، غالباً ما تتولى النساء مهنة مختلفة لزيادة دخل الأسرة.

وتعتقد الأجيال الأكبر سناً أن شيئاً ما قد تغير، وهناك عودة للفخر بالهوية السامية، مع زوال «العار» الذي كان يشعر به أولئك الذين تعرضوا للاضطهاد. عن «سي إن إن»

• الإجابة عن سؤال حول شكل الحياة المستقبلية لشعب «السامي» محط جدال.

• أطفال «السامي» ملتزمون بالحفاظ على طرق أسلافهم، حيث بدأ البعض، الذين لم يتحدث آباؤهم أو أجدادهم لغتهم التقليدية، في تعلمها بأنفسهم.


الحفاظ على النظام البيئي

رعت قبائل «السامي» حيوانات «الرنة» لآلاف السنين، ما ساعد في نشر البذور البرية، وزيادة تنوع الحياة النباتية في المناطق التي كانوا يرعون فيها.

وتشير الأبحاث من جامعة «أكسفورد»، وتقرير نُشر في مجلة إدارة البيئة، إلى أن «الرنة» يمكن أن تخفف من تغير المناخ من خلال المساعدة بالتحكم في نمو الشجيرات الطويلة، والحفاظ على المناظر الطبيعية مفتوحة، ومنع النباتات من امتصاص الحرارة وإذابة التربة «الصقيعية»، التي تطلق الكربون.

وترى المنظمات البيئية، مثل منظمة «ريوايلدنغ سويدين»، أن الحفاظ على نمط حياة «الساميين» هو وسيلة لتعزيز التنوع البيولوجي.

ويقول مدير المنظمة ورئيس الفريق، هنريك بيرسون: «لدينا مصلحة مشتركة، نريد استعادة الغابات والنظام البيئي، وهذا هو النظام البيئي نفسه الذي يريدون استعادته لحيوانات الرنة».

ويوضح أن الكثير من عمل المجموعة، يهدف إلى عكس الضرر الذي لحق بالبيئة من سنوات، من زراعة الغابات الكثيفة، فعلى مدى القرنين الماضيين، تم تقويم العديد من أنهار السويد وتطهيرها لنقل جذوع الأشجار، ما تسبب في تآكل الأشجار، والتأثير على النباتات والحيوانات. كما أدت عملية قطع الغابات، وهي ممارسة قطع غابة بأكملها قبل إعادة زراعتها، إلى إعاقة نمو «الأشنة» الأرضية، وغيرها من الأنواع التي يعيش عليها حيوان «الرنة».

وتستهدف المنظمة ممرات هجرة الرنة، وتعمل مع شعب «السامي» لتحديد الأماكن على طول الطرق التي تحتاج إلى الترميم أكثر من غيرها، واستخدام معرفتهم البيئية التقليدية لإبلاغ القرارات.

ويقول بيرسون إنه «بهذه الطريقة، يساعد العمل في إعادة هذه الأمكنة، كما كان عليه حالها من قبل، أيضاً في الحفاظ على نمط حياة شعب (السامي)».


العاصفة قادمة

يقدر عدد الذين ينتمون إلى شعب «السامي» بنحو 80 ألف نسمة، ويعيشون في أنحاء «سابمي»، موطنهم الأصلي، الذي يمتد عبر أقصى شمال الدول الاسكندنافية وشبه جزيرة كولا في روسيا.

وباعتبارهم المجموعة العرقية الأصلية الوحيدة المعترف بها في الاتحاد الأوروبي، فقد نجوا من بيئتهم القاسية لآلاف السنين، وتعاملوا مع تاريخ طويل من الاضطهاد والتعدي على التنمية.

لكن مع تفاقم التهديدات، بدأوا، هم أنفسهم، يتساءلون عما إذا كانوا قادرين على النجاة من العاصفة القادمة. وحيث إن المناخ يتغير بسرعة، وترتفع درجة حرارة القطب الشمالي باستمرار، أسرع من بقية الكوكب، يجد «الساميون» أنفسهم في الخطوط الأمامية.

ويؤثر الطقس المعتدل والأمطار في الشتاء على كيفية رعي حيوانات الرنة وهجرتها، وتؤدي فصول الصيف الحارة بشكل غير عادي إلى تدفق الحشرات الطفيلية التي تنشر الأمراض بين القطعان.

تويتر