مع انخفاض نسبة المواليد إلى مستوى قياسي
إيطاليا تواجه «أزمة الإنجاب الحادة» بالإعانات والحوافز
تواجه حملة رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني - لتعزيز معدل المواليد في البلاد - صعوبات كبيرة، حيث تُظهر إحصاءات جديدة أن نسبة المواليد انخفضت إلى مستويات قياسية، إذ يؤجل الإيطاليون إنجاب الأطفال، ولم يعد المهاجرون يُنجبون بما يكفي.
وانخفضت المواليد بمقدار 2.1% في الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري، وفقاً لوكالة الإحصاء الوطنية.
جاء ذلك بعد عام 2023 «الكئيب»، مع انخفاض نسبة المواليد إلى مستوى قياسي، حيث إن العدد يساوي ثلث المواليد المسجلين في عام 2008.
وتم نشر الأرقام بينما احتفلت رئيسة الوزراء الإيطالية بمرور عامين على تولي منصبها، وأكدت أن الأسر التي لديها أطفال تتلقى مساعدة مالية من الميزانية المخصصة لهذا الغرض في عام 2024، والمقدرة بنحو 16 مليار يورو، في شكل إعانات وحوافز.
وشمل ذلك إعانة سنوية قدرها 3600 يورو للعائلة التي لديها طفلان، لتغطية مدفوعات الحضانة، وما يصل إلى 3000 يورو في شكل إعانات للأمهات العاملات اللاتي لديهن طفلان.
وبعد عامين من تولي ميلوني منصبها، قالت وكالة الإحصاء الإيطالية، إن متوسط إنجاب النساء في إيطاليا بلغ 1.21 طفل، وهو أقل بكثير من العدد المسجل في عام 1947، وهو 2.1 طفل، العدد المطلوب للحفاظ على استقرار السكان.
وقالت رئيسة المؤسسة الإيطالية لتشجيع الإنجاب، جيجي دي بالو: «إن هذه الحكومة تحرز تقدماً، لكن هذا ليس كافياً»، مضيفة: «إيطاليا بحاجة إلى علاج خاص لهذه المشكلة، من خلال سياسة واضحة وفعالة لتعزيز الإنجاب، تشترك فيها الشركات والبنوك ومجالس المدن، والمعارضة السياسية».
المهاجرون
وإذا استثنينا ولادات عائلات المهاجرين، فإن معدل الخصوبة للأزواج الإيطاليين أقل وهو في نحو 1.14%، بحسب وكالة الإحصاء الإيطالية.
وقد عزز المهاجرون منذ فترة طويلة معدل المواليد في إيطاليا، والأطفال المولودون لآباء غير إيطاليين يشكلون 13.5% من الإجمالي العام الماضي، لكن حتى المهاجرين باتوا ينجبون عدداً أقل من الأطفال.
وقال معهد الإحصاء الإيطالي، إن الأزواج يؤجلون تكوين الأسر بسبب مشكلات في العثور على عمل مستقر وسكن، لذا فإن العديد من النساء في إيطاليا يبدأن الإنجاب في الثلاثينات من العمر.
وقالت دي بالو: «اليوم يكلف دعم الطفل منذ الولادة حتى سن 18 عاماً، 178 ألف يورو، وأولئك الذين يستطيعون تحمل التكاليف يشاهدون أطفالهم يهاجرون - في نهاية المطاف - إلى دول أخرى».
وأضافت أن «حامل لواء معدلات المواليد في أوروبا هو فرنسا، حيث يتم خفض الضرائب وفقاً لعدد الأطفال في العائلة»، مشيرة إلى أن «هذا العام، وللمرة الأولى، وعدت ميلوني بتخفيضات مماثلة ضمن ميزانيتها لنهاية العام، لكن الأمر يعتمد على مقدار ما تضعه الحكومة في هذا المشروع، وإذا كان مليار يورو، كما قالت، فهذا ليس كافياً».
وتابعت: «لا تقتصر مشكلة ميلوني على إنجاب النساء لعدد أقل من الأطفال، بل إن هناك عدداً أقل من النساء اللواتي ينجبن، بعد سنوات من انخفاض عدد السكان».
وينتقد البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، بانتظام، الإيطاليين والأوروبيين لإنجابهم عدداً أقل من الأطفال، واشتكى من أن الأسر تفضّل الاحتفاظ بالقطط والكلاب.
الشيخوخة
من جهته، قال روبرتو بيرنابي الذي يرأس وكالة «لونجيفا» الإيطالية، وهي وكالة حكومية تتابع وتدرس الشيخوخة، إن الوقت فات للتركيز على المواليد، لافتاً إلى أن «العودة إلى متوسط الطفلين سيستغرق جيلين، وفي الوقت نفسه تتقدم إيطاليا في السن، حيث يوجد مليون شخص فوق سن الـ90 من بين عدد سكان يبلغ 59 مليون نسمة».
وأضاف أن «عدد الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 100 عام ارتفع من 20 ألف شخص العام الماضي إلى 22 ألف شخص هذا العام».
وأوضح بيرنابي: «الجديد هو أنه لدينا الآن 20 إلى 30 عاماً إضافية من الصحة الجيدة.. دعونا نستخدم هذه السنوات لموازنة الخسارة الناجمة عن نقص الشباب». وقال: «فليتبرع الأشخاص فوق سن 65 عاماً بـ100 مليون يورو لإطلاق 100 شركة ناشئة لصالح الشباب، الأمر سهل وسترون النتائج فوراً».
وذكرت وكالة الإحصاء الإيطالية، أن اسم ليوناردو هو الاسم الأكثر شعبية للذكور في إيطاليا منذ عام 2018، مع احتفاظ صوفيا بالمركز الأول لأسماء الفتيات في عامي 2022 و2023، مع إبقاء أورورا في المركز الثاني.
طموح الأمومة
إن تعزيز معدل المواليد في إيطاليا هو السياسة الرئيسة لحزب «أخوة إيطاليا» اليميني الحاكم.
وقالت عضو مجلس الشيوخ عن الحزب، لافينيا مينوني: «كانت والدتي تخبرني دائماً بأنه يجب أن تتذكري دائماً أن لديك الفرصة للقيام بكل ما تريدين، لكن يجب ألا تنسيْ أبداً أن طموحك الأول يجب أن يكون الأمومة».
ومع ذلك، تم انتقاد تعليق مينوني، باعتباره يدفع النساء إلى التراجع إلى الأدوار التقليدية، ويتجاهل المشكلات البنيوية للمجتمع الحديث التي أسهمت في انخفاض معدلات المواليد، ويجعل إنجاب الأطفال مهمة المرأة، بدلاً من مسؤولية مشتركة بين الرجال والنساء.
ويعتقد حزب «أخوة إيطاليا» أن تراجع دور الأسرة التقليدية والأم أدى إلى انخفاض معدل المواليد في البلاد، حيث تسعى مزيد من النساء إلى تحقيق طموحات مهنية بدلاً من الأمومة.
وغالباً ما كان الحزب يقدم ميلوني على أنها «أم» أثناء حملاتها الانتخابية، وأنها «تشارك بقوة في الأنشطة المؤيدة للأسرة، والمؤيدة للحياة، والمناهضة للإجهاض».
وبعد أن أصبحت أول رئيسة وزراء للبلاد في أواخر عام 2022، واصلت تشجيع النساء على إنجاب الأطفال، وخفض معدلات ضريبة القيمة المضافة على الحفاظات ومسحوق الحليب، وتقليص العبء الضريبي على النساء اللاتي لديهن طفلان على الأقل، وضمان مجانية الحضانة من الطفل الثاني فصاعداً، وزيادة المكافأة للطفل الثالث.
طريقة تفكير تقليدية
لايزال معظم الإيطاليين يتبنّون طريقة تفكير تقليدية، مفادها أن الأمهات لابد أن يمكثن في المنزل لرعاية أطفالهن قبل بلوغهم سن الدراسة الابتدائية، كما أن عدد دور الحضانة العامة في إيطاليا ضئيل، بينما لا تعمل معظم المدارس الابتدائية إلا لنصف اليوم فقط، لأنها تفترض أن الأمهات سيحضرن لاصطحاب أطفالهن بعد ساعات الدراسة أو ينتظرنهن في المنزل. وتترك نحو 20% من النساء وظائفهن في غضون عام من ولادة طفلهن الأول.
مدارس خالية
المدارس الابتدائية في إيطاليا فقدت 30% من التلاميذ خلال العقد الماضي. أرشيفية
على مدى قرون، كانت مدرسة الأطفال في شامبورشر بمنطقة وادي أوستا، مكوّناً لا يتجزأ من المجتمع الإيطالي، حيث كان صوت الأطفال في الملعب بمثابة منارة أمل لبقاء القرية الجبلية، لكن في سبتمبر من العام الماضي، ساد صمت مخيف في المدرسة، واضطرت إلى إغلاق أبوابها بعد أن التحق بها تلميذان فقط.
وقالت مديرة مجموعة من المدارس - بما في ذلك تلك الموجودة في شامبورشر - ستيفانيا جيرودو: «عندما تغلق المدرسة، تموت القرية، لأن مستقبل القرية يعتمد على المواليد».
وأصبحت الأسرّة الفارغة في أجنحة الأمومة في المستشفيات المحلية رمزاً مؤلماً لانخفاض معدل المواليد بشكل كبير في إيطاليا، والآن أصبحت الفصول الدراسية فارغة في جميع أنحاء البلاد، مع استفحال الأزمة الديموغرافية.
وبحسب بيانات من مؤسسة «توتوسكولا» المتخصصة في التعليم، فقدت المدارس الابتدائية في إيطاليا أكثر من 456 ألف طالب (أي ما يعادل نحو 30% من التلاميذ) خلال العقد الماضي. وإذا استمر الانخفاض في معدل المواليد بالوتيرة السنوية الحالية، فإن الأرقام الحكومية تتوقع انخفاض عدد الطلاب الذين تراوح أعمارهم بين ثلاثة و18 عاماً بنحو 1.4 مليون طالب بحلول عام 2034، وإغلاق كثير من المدارس.
وقال مدير مؤسسة «توتوسكولا»، جيوفاني فينسيجيرا: «إن المدارس الإيطالية تختفي مثل الأنهار الجليدية التي تذوب تدريجياً، فالمياه هي مصدر الحياة، والمدارس ضرورية للمجتمع».
وأضاف: «الأرقام صادمة حقاً، وبدأت هذه الظاهرة بالمدارس الابتدائية، ومن المؤكد أنها ستصل إلى المدارس المتوسطة والثانوية».
معايير الرعاية
انخفاض عدد النساء الإيطاليات في سن الإنجاب. رويترز
أسهمت عوامل عدة في انخفاض معدلات المواليد، بما في ذلك السعي إلى الوظائف المستقرة، وبالنسبة لأولئك الذين ينجحون في إيجاد وظيفة مناسبة، فإن نظام دعم رعاية الأطفال غير كافٍ بشكل مستمر.
وتضطر العديد من النساء الحوامل إلى الاستقالة لأنهن غير قادرات على التوفيق بين العمل والحياة الأسرية، ثم يكافحن لاحقاً للعودة إلى مكان العمل، وحتى إن بعضهن يُفصلن من العمل عندما يظهر حملهن، وتختار أخريات عدم إنجاب الأطفال.
ومع ذلك، فإن أحد العوامل الرئيسة هو انخفاض عدد النساء في سن الإنجاب.
وقالت عالمة الاجتماع في جامعة ميلانو- بيكوكا، جورجيا سيروجيتي: «إن القضايا الاقتصادية والافتقار إلى دعم الرعاية الاجتماعية يؤثران في معدلات المواليد، لكن الاتجاه طويل الأمد هو أن هناك عدداً أقل من النساء يُنجِبن».
وأضافت: «لقد تغير نموذج الأبوة والأمومة أيضاً، وارتفعت معايير الرعاية، وبالتالي هناك تركيز كبير على الاستثمار اللازم لتربية الطفل، وكذلك الخوف من تعريض الطفل لمستقبل غير مؤكد».
• 3600 يورو إعانة سنوية للعائلة التي لديها طفلان لتغطية مدفوعات الحضانة، و3000 يورو إعانات للأمهات العاملات.
• عدد المواليد المسجلين في إيطاليا خلال العام الماضي يساوي ثلث المواليد في عام 2008.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news