نزيله يحصل على غرفتي نوم وتلفزيون بشاشة مسطّحة.. ونصف حراسه من النساء
النرويج تشيّد سجناً فندقياً لإنهاء عصر المعاملة القمعية
في الوقت الذي تصدح فيه أصوات الأبواق وتضاء الشموع، يدخل ملك النرويج هارالد الخامس فيقف 200 ضيف للترحيب به، ومن ثم يبدأ 30 رجلاً وامرأة يرتدون بزات الشرطة الزرقاء ويشكلون جوقة غنائية، بترديد اغنية «نحن نشكل العالم»، وفي الحقيقة هذا ليس نادياً ليلياً وانما حفل تدشين احدث سجون النرويج الذي يطلق عليه اسم «هالدن فنغسال».
وقبل نحو 10 سنوات بدأ العمل في هذا السجن فوق قطعة ارض مساحتها 30 هكتارا، فوق منطقة حراجية في جنوب النرويج، وبكلفة بلغت نحو 252 مليون دولار. ويتمتع هذا السجن بمرافق وتسهيلات غاية في الراحة والتطور، حيث مسارات مخصصة لجري السجناء، والمنازل فيه مؤلفة من غرفتي نوم يستطيع السجناء استقبال عائلاتهم فيها. وبخلاف العديد من السجون الأميركية فإن الهواء لا يعبق برائحة التعرق والبول، وإنما برائحة البرتقال الصادرة عن «المطبخ المختبر» حيث يتلقى السجناء هناك دروساً في الطبخ. وقال مدير السجن اري هويدال «ثمة تركيز على حقوق الإنسان والاحترام، ونحن لا نشهد ذلك عادة».
ويعتبر سجن هالدن ثاني اكبر سجن في النرويج، حيث يتسع لـ252 سجيناً. وتم افتتاحه في الثامن من ابريل الماضي. وهو يجسّد المبادئ التي تسترشد بها انظمة السجون، التي مفادها ان السجون القمعية غير ناجحة، وان معاملة السجناء بصورة اكثر انسانية يمكن ان تعزز من فرص اندماج السجناء في المجتمع.
ويقول هويدال «عندما يصل بعضهم يكونون في وضع سيئ»، مشيراً الى أن السجن يضم مهربي مخدرات ومرتكبي جرائم قتل واغتصاب. واضاف «نريد ان نصحح حياتهم ونمنحهم الثقة من خلال التعليم والعمل، بحيث يغادرون السجن وهم اشخاص افضل».
وتتباين نِسب المدمنين على الإجرام في دول العالم، وتظهر مقارنات بسيطة ان النموذج النرويجي حقق النجاح. وبعد مغادرة المجرمين السجن في النرويج ينتهي المطاف بـ20٪ الى السجن مجدداً. وفي المملكة المتحدة والولايات المتحدة تراوح هذه النسب يبن 50 و60٪. وبالطبع فإن المعدل المنخفض للجرائم في النرويج يمثل خاصية جيدة بالنسبة لهذه الدولة، اذ إن عدد المساجين في هذا البلد يبلغ ،3300 أو ما نسبته 69 كل 100 الف مقارنة بالولايات المتحدة التي يبلغ تعداد السجناء فيها 2.3 مليون شخص او مانسبته 753 في كل 100 الف.
ويلعب التصميم دوراً مهماً في جهود إعادة تأهيل السجناء، وقال احد مصممي السجون في النرويج، هانس هنريك هويلاند «من اهم السمات التي تجب مراعاتها عند تصميم السجن، ان نجعله مشابهاً تماماً للعالم الخارجي بقدر الإمكان»، ولتجنب الشعور بصرامة بناء السجن لم يتم بناء الشكل الخارجي للسجن من الإسمنت المسلح وإنما من القرميد الأحمر والحديد المطلي وخشب الخيزران، وتبدو أبنية السجن كأنها تنمو بصورة عضوية من الغابات. وعلى الرغم من أن هناك رمزاً واضحاً يمثل السجن وهو عبارة عن سور إسمنتي بارتفاع ستة امتار، يحيط بالسجن، إلا أن هناك الكثير من الأشجار التي تغطي هذا السور.
وتتشابه زنازين السجن مع غرف المدينة الجامعية، حيث يوجد في كل منها تلفزيون بشاشة مسطحة وبراد صغير. واختار المصممون نوافذ عمودية للغرف لأنها تسمح بالكثير من اشعة الشمس. وتتشارك كل 10 او 12 زنزانة بغرفة جلوس ومطبخ. وبالنظر الى المنضدة الاستانلس ستيل الموجودة في المطبخ والأرائك ومناضد القهوة الأخرى، يبدو المطبخ مثل متاجر عرض الأثاث.
ولابد من القول ان السمة الأمثل والأكثر اهمية هي العلاقة بين السجّانين والمساجين. وبالطبع فإن حراس السجن لا يحملون البنادق، اذ ان ذلك يصنع ارهاباً غير ضروري، وتباعداً اجتماعياً بين الطرفين. وهم عادة ما يلعبون مع السجناء ويتناولون الوجبات معهم، وقال المهندس المعماري بير هوججغارد نيلسين «معظم السجناء اتوا من بيوت سيئة، ولذلك فإننا نريد ان نوجد لديهم الإحساس بالعائلة»، ونصف الحراس من النساء، الأمر الذي ينشئ المودة بين الطرفين، حسبما يعتقده هويدال. ويتلقى السجناء استبياناً بصورة متكررة يسألهم كيف يمكن تحسين تجربة السجن.
وثمة حماس كبير بين كثيرين للعمل في هذا السجن، وقال استاذ الموسيقى وعضو جوقة الحراس في السجن، تشارلوت ريني ساندفيك «لم يجبرنا احد على العمل هنا، وانما اخترنا ذلك بأنفسنا. وهدفنا هو منح جميع السجناء الذين نعتبرهم تلاميذنا، حياة ذات معنى داخل جدران السجن».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news