لعنة الماس الدموي تُـلاحق تايلور إلـى لاهاي
من المتوقع أن تطير عارضة الأزياء العالمية الشهيرة نعومي كامبل الى لاهاي هذا الشهر، ليس لعرض أزياء الصيف بالطبع ولكن للإدلاء بشهادتها أمام محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، وإثبات أو نفي ما اذا كانت قد تلقت كمية من «الماس الدموي» من الرئيس الليبيري السابق تشارلز تايلور الذي يمثل الآن أمام هذه المحكمة لجرائم حرب اقترفها خلال فترة حكمه.
وتأتي شهادة كامبل بناءً على طلب المدعين العامين الدوليين في المحكمة، الذين يعتقدون أن كامبل تلقت هدية من المتهم عبارة عن ألماسات ثمينة. ويرى الادعاء ان شهادتها المتوقعة من شأنها ان تدعم ادعاءات المدعي العام بأن المتهم يستخدم الماس لثرائه الشخصي ولشراء الأسلحة لثوار دولة سيراليون المجاورة خلال عهده، الأمر الذي أدى إلى ارتكاب مذابح وجرائم حرب ضد الانسانية.
وتتهم محكمة الجنايات الدولية تايلور بجرائم ضد الانسانية تشتمل على القتل والاغتصاب والاسترقاق وتجنيد الأطفال خلال الحرب الدموية بين 1991 و2001 في سيراليون المجاورة الغنية بالماس.
ويقول الادعاء إن تايلور سلح الجبهة الثورية المتحدة في سيراليون، وهي الحركة المتمردة، مقابل كمية معينة من الماس يستخرجها الثوار من المناطق التي يسيطرون عليها. وهي القضية المعروفة بـ«الماس الدموي».
هدية ثمينة
في يناير الماضي استمعت المحكمة الخاصة بسيراليون الى بعض الادعاءات التي تفيد بأن تايلور أهدى كامبل «ماسة كبيرة» بعد حفلة غداء في سبتمبر عام 1997 أقامها الزعيم الجنوب افريقي نيلسون مانديلا. وكانت كامبل في ضيافة مانديلا ومعها أيضاً الممثلة السينمائية ميا فارو، وكان تايلور انضم في ما بعد إلى حفلة العشاء في منزل مانديلا.
والادعاء بخصوص تلك الماسة جاء أولاً من جانب فارو التي هي الآن سفيرة للأمم المتحدة للنوايا الحسنة.
وتقول فارو ان كامبل أخبرتها خلال الإفطار بأن شخصين من طرف تايلور زاراها منتصف الليل، «وطرقا الباب وفتحت لهما وهي نصف نائمة واكتشفت أنهما ممثلا الرئيس تايلور وأنهما أعطياها ماسة كبيرة».
وتضيف فارو التي كانت تتحدث الى «ايه بي سي نيوز» أن كامبل اخبرتها أنها تعتزم إهداء هذه الماسة لصندوق مانديلا للأطفال، وتختتم حديثها «ولم أعد افكر في هذا الامر بعد ذلك».
ويقول المدعون ان تايلور كان يتسلم الماس الدموي من سيراليون داخل عبوات مايونيز ويرسلها إلى جنوب افريقيا لبيعها أو مقايضتها بالأسلحة.
وعند سؤاله عن الهدية المزعومة التي قدمها لكامبل رد تايلور «كلام فارغ» . كما ان كامبل أنكرت ايضا تسلمها أي ألماس من تايلور، وردت على تلفزيون «يه بي سي نيوز» الشهر الماضي قبل ان تنهي مقابلتها بغضب «لم أتسلم أي ماس ولن أتحدث عن ذلك، شكراً لكم، انني لست هنا للتحدث عن ذلك».
وأظهرت الصور انها ضربت إحدى الكاميرات في طريقها للخارج. وفيما بعد اتهمت كامبل «ايه بي سي نيوز» بأنها أدخلت تأثيرات صوتية لتضخيم الموضوع.
وينفي مدير علاقات المانحين بصندوق مانديلا للأطفال وجود أي سجل يشير الى هدية ألماس قدمتها كامبل للصندوق، ولكنه يقول إنها قدمت مساهمة بمبلغ 50 ألف دولار في ذلك العام والعام الذي سبقه.
طلب للشهادة
ويسعى المدعون العامون إلى استصدار إذن من القضاة لاستدعاء فارو ووكيلة كامبل في ذلك الوقت كارول وايت، اللتين أبدتا استعدادهما للشهادة خلافاً لكامبل. ويقول المدعون إن «السيدة وايت سمعت تايلور يقول إنه يعتزم تقديم الماس لكامبل، وانها - أي وايت - كانت موجودة عند تسليم الماس».
قصـة الماس الدموي
دفع المواطن الزيمبابوي، قامبا (ليس اسمه الحقيقي)، 22 ألف دولار ثمناً لماسة واحدة، فقد استطاع هذا المحاسب السابق في شركة سيارات بمدينة موتاري، شرق زيمبابوي، أن يجمع ثروة تقدر بنحو 200 ألف دولار خلال ثلاث سنوات من التعامل في الألماس في السوق السوداء، وهي أموال كافية ليشتري منزلاً جديداً لعائلته وثلاث سيارات.
ويعتبر قامبا حلقة الوصل الاساسية التي تربط تجارة «الماس الدامي» في زيمبابوي بكل من جنوب إفريقيا، وبلجيكا، وصولاً الى بوند ستريت في لندن، وفيفث افينيو في نيويورك. ويقول قامبا «لا أتذكر عدد الماسات التي اشتريتها، الا أنها جعلتني ثرياً»، ويضيف «يمكنك أن تربح 1000 دولار في الأسبوع اذا استطعت ان تتعامل في النوعية الجيدة من الماس».
وأصبحت مدينة موتاري عشاً للجواسيس وللباحثين عن الثراء السريع من تجارة الماس، وتعتبر أحدث مكان في القارة السمراء تحل عليه «لعنة الماس الدموي»، إذ يقال ان الحقول المجاورة للمدينة تحتوي على كميات كبيرة مترسبة من الماس تقدر قيمتها بمليارات الدولارات، والتي قد تجعل من دولة زيمبابوي الموبوءة بالأزمات من أكبر منتجي الماس في العالم. ويمكن ان تحول هذه الثروة زيمبابوي من «رجل إفريقيا المريض» الى بتسوانا أخرى (نسبة الى مملكة بتسوانا المجاورة). ويروي شهود عيان كيف أن اطفالا في عمر العاشرة تركوا دراستهم بحثاً عن الماس، ولم يرجعوا إلى مقاعدهم الدراسية مرة أخرى. حتى المعلمون والمهنيون الآخرون تركوا أعمالهم من اجل بريق الماس. ومن اغتنى من الشباب جلب السيارات الفاخرة التي لم يعرفوا قيادتها، الأمر الذي أدى الى حوادث مميتة في الطرقات.
صورة تعبّر عن نفسها الصورة تتحدث عن نفسها، مانديلا يقف في المنتصف يلتف حوله تسعة أشخاص، على يساره زوجته غراسا ميشيل، وعلى يمينه الرئيس الليبيري السابق تشارلز تايلور يرتدي ما يشبه الزي العسكري ويشير بيده اليمنى كأنما هو المضيف وليس مانديلا، والتقطت هذه الصورة بعد شهر من انتخابه رئيساً لليبيريا. هذه المناسبة التي جمعت كل الأشخاص الموجودين في الصورة قد تكون جزءاً مهماً من الدعوى المرفوعة ضد تايلور في لاهاي. وتم التقاط هذه الصورة عام 1997 في منزل مانديلا بمدينة الكاب الجنوب إفريقية، وتضم الصورة أيضاً لاعب الكريكت المشهور عمران خان وزوجته جميما خان، والمؤلف الموسيقي كوينسي جونز، والممثل الصيني توني ليونغ، الذين دعاهم مانديلا في احتفال بمناسبة افتتاح خط القطار الازرق الذي يقدم خدمات نقل فاخرة للركاب. وإلى يمين تايلور تقف نعومي كامبل، ترتدي فستاناً ناصع البياض وعلى بعد خمسة أشخاص من يسار تايلور تقف الممثلة ميا فارو. كثيراً ما أنكر تايلور أمام المحكمة تسلمه الماس قائلاً «كيف أكون مغفلاً لأتسلم ماساً في علب مايونيز، إلى أي حد تريدون أن تجرموني؟». |
ووفقاً لتقرير أصدرته منظمة «هيومان رايتس ووتش» التي تعنى بحقوق الانسان، تدفق الباحثون عن الماس والتجار الى منطقة موتاري من جنوب إفريقيا وبتسوانا والكونغو الديمقراطية وموزمبيق وغينيا الاستوائية ونيجيريا ولبنان وباكستان وبلجيكا والهند. وعلى اثر ذلك زادت اسعار السلع في المنطقة وارتفعت أسعار ايجارات الفنادق والسكن. وترتب على ذلك احتكاكات دموية بين أساطين الماس، ودفن عشرات الاشخاص تحت الأرض بعد ان انهارت عليهم المناجم المبنية بطريقة بدائية.
تعرض قامبا للضرب بالعصي قبل عامين بعد ان غامر بالدخول الى منطقة غنية بالماس أحاطتها الحكومة بسياج منيع من الاسلاك.
ويقول «توجد أربعة حواجز على الطريق، وعليك ان تدفع في الحاجز الاول 10 دولارات للشرطة وعلى الحاجز الأخير تدفع من 50 الى 100 دولار، ثم تدخل المنطقة لتجد الماس في كل مكان»، ويضيف «تضع الحكومة سياجات لتطويق الاماكن الغنية بترسبات الماس، ويأتي الناس ليحفروا على الجانب الآخر من السياج، الأمر الذي يعرضهم للضرب والتعذيب». وبمجرد ان يشتري قامبا الماس يأخذه في الحال الى البائعين في مدينة موتاري، أو الى العاصمة هراري، أو عبر الحدود الى مدينة مانيكا في موزمبيق. ويتم تهريب الماس الى موزمبيق عبر حدود ذات أدغال كثيفة مملوءة بالحيوانات المتوحشة، وصولاً الى سوق بدائية في تلك المدينة. ويبدو ان هذه المدينة المشهورة ببيع الماس ليس فيها من الترف والرفاهية ما يدل على أنها سوق لبيع الأحجار الكريمة، الا أنه في إحدى الفيلات ذات اللون الابيض كان هناك رجل لبناني مستعد لشراء أي كمية من الماس تقدمها إليه. ويقول «ليست الشرطة مشكلة هنا، هات ما عندك وأستطيع ان أدفع من 1000 الى مليون دولار». ويضيف انه يرسل تلك الأحجار الكريمة الى بلجيكا.