أحلاهما مُرّ

اللافت في أزمة إغلاق قنوات فضائية في مصر، المتهمة بالتشدد والطائفية، أن كلا الطرفين، الحكومة وأصحاب القنوات، يمتلك منفرداً جانباً من الحق.

فالديمقراطية تعني السماح للأصوات المحجوبة، خصوصاً تلك التي تعكس غالبية شعبية بالتعبير عن نفسها، وهذه وجهة نظر أصحاب القنوات، لكنها - أي الديمقراطية - تعني في الطرف المقابل مواجهة اي دعاية طائفية أو مذهبية. وهذه وجهة نظر الحكومة المصرية، فما العمل حين تكون الأصوات المطالبة بالظهور في النور هي ذاتها التي تبث مواد تدعو الى الطائفية والتشدد وإقصاء الآخر والتكفير؟ هل يكون الأصح غض الطرف عن هذه القنوات حتى يصحو المجتمع ليجد نفسه «تلبنن» (أصبح على الشاكلة اللبنانية طائفياً) أو«تعرقن» (أصبح عراقاً جديداً) أو تحول الى شراذم وطوائف ودولة «قاعدة»، أم يكون الحل اللجوء الى الاغلاق والبطش والقمع - الأدوات الأسهل - وربما الأمتع - عربياً وعالم ثالثياً؟

مفاضلة صعبة، خصوصاً في مصر التي تشهد مدنها واقع تحفز طائفي غير مسبوق.

أعادت الأزمة - أزمة إغلاق القنوات ـ ذاكرة العالم الى نقاش شبيه بما حدث عام ،1933 حين أصبح النازيون على أبواب السلطة عبر صناديق الاقتراع، وكان على ألمانيا الاختيار بين التمسك بديمقراطية تأتي بقوى متطرفة لكن يريدها الشعب، أو التخلي عن مبدأ الديمقراطية ذاته الذي يمكن أن يعود على البلاد بالخراب.

لكن من دون عودة بعيدة الى التاريخ، تؤكد الشواهد أن الحل لأزمة اغلاق قنوات التشدد الفضائية المصرية موجود ومجرب، وان كان بحاجة الى نفس طويل، بدايته حوار ترشيدي عقلاني بين الدولة المصرية وأصحاب القنوات لترسيم حدود لمفكريها ودعاتها في التعبير عن آرائهم الدينية دون جور أو تكفير أو تهجم على أصحاب الاعتقادات الأخرى، ونهايته حشد القوى الليبرالية جهودها لغد أكثر استنارة وتسامحاً على المدى البعيد.

للأسف الشديد، فإن حضور الديمقراطية مشكلة أصعب من غيابها في مجتمعاتنا العربية.

ففي الغياب يصبح سيف القمع ملزماً للجميع، بينما في الحضور - أي حضور الديمقراطية - تمكين للأغلبية من السيطرة، لكن ما أغلبية مجتمعاتنا سوى جماعات متشددة دينياً ومذهبياً، وجموع أحادية الرأي وإقصائية وقوى عشائرية وتكتلات متعصبة وعصابية. وماذا يمكن أن تكون الديمقراطية في مثل هذه الحالة سوى تمثيل بياني لخرائط الاستبداد، ربما كانت «دولة الجاويش» أرحم وأخف عند الله والناس منها.

 

الأكثر مشاركة