«ويكيليكس عربي»
صحيح، ماذا لو تحمس شاب عربي وتأثر بقصة تسريبات «ويكيليكس» فقرر إقامة موقع سرب إليه مراسلات سياسية عربية؟ مجرد السؤال يبعث في الجسد قشعريرة، لكن بالتأكيد ستنتج الخصوصية العربية - إذا تمت المحاولة - فروقات مضحكة مبكية مثيرة، لم يشاهدها الناس في مسلسل ويكيليكس الغربي. فابتداء، وفي معظم بلداننا العربية، لن يجد هذا الشاب «مراسلات سياسية» بالمعنى الدقيق للكلمة. فالمراسلات تحتاج الى مؤسسية وتعدد مؤسسات، وبلداننا - العالم ثالثية، في معظمها قائمة على حكم الجنرال الفرد -صاحب البيان رقم واحد - الممسك بيديه كل الخيوط، والذي يفهم كل شيء من جيولوجيا التربة حتي اللغويات المنقرضة. فمن أين سيحصل الحالم بـ«ويكيليكس جديد» على مراسلات باستثناء خواطر كيم ايل سونغ العربي في مناجاة نفسه؟
ثانياً، سيجد صاحب «ويكيليكس العربي»، بعد هذا العناء الرزمة الكبرى من هذه الوثائق مصنفة تحت ملف «مسرور السياف»، وهو «بابا نويل» العربي الذي يأتي في الفجر ليدق على البيوت، ولكن بدلاً من أن يحمل هدايا للأطفال كما في الغرب، سيحمل آباء الأطفال الى المنافي ليدفعوا ثمن كلمة معارضة قالوها، أو خالوها، أو رأوا في المنام أنهم سمعوها.
ثالثاً، وفي الشأن الخارجي، سيجد الحالم بـ«ويكيليكس عربي»، وثيقة واحدة مكررة في كل محاضر اللقاءات السياسية العربية، هي أن اللقاء تم «من أجل التوصل الى سلام شامل وعادل في الشرق الأوسط، ودعم كفاح الشعب الفلسطيني». بعض الوثائق سيجد بها «شامل» فقط، وأخرى «عادل» فقط، ليس هذا هو المهم، فالأهم أنه لن يجد حرفا واحدا عن الهدف الحقيقي لهذه اللقاءات أو الزيارات، سيان في ذلك من تطرق من الزائرين للموضوع لماما على سبيل التمويه، أو من قام باللقاء صراحة، نكاية في خصم، أو طلبا لسلفة مالية حتى آخر الشهر. رابعاً، سيخفق الباحث عن أي وثائق في التوصل الى مسؤول عن أي كارثة عاشتها الأمة العربية، سيجد الفاعل مجهولاً في كل واقعة، ولمن يشك في هذا الاحتمال، يمكن أن يراجع المحاولات السيزيفية (نسبة الى أسطورة سيزيف بشأن تسلق الصخرة)، لمعرفة المسؤول عن هزيمة 67 التي انتهت بنتائج هزلية. أنا طبعاً تفاءلت كثيراً، فتخيلت ان الحالم بـ«ويكليكس عربي» سمح له أ صلاً أن يتكلم وأن ينزل الى أصحابه على المقهى فيخبرهم بالفكرة، ثم ترك ليتوجه الى «نت كافيه» ليصمم الموقع.