كينغ: لا يمكن أن تبقى لجنة الأمن الداخلي مكتوفة اليدين بوجود أخطار تتهدّد الولايات المتحدة. أ.ف.ب - أرشيفية

«لجنة كينغ» تعيد شبح التشكيك فـي مسلمي أميركا

بدأت لجنة الأمن الداخلي في الكونغرس الأميركي، أخيراً، تحقيقات مطولة حول ما وصفه رئيسها بيتر كينغ بتزايد انتشار ظاهرة التطرف في صفوف الشباب الاميركي العربي والمسلم وتأثيرها في زيادة فرص شن تنظيم القاعدة او تنظيمات وجماعات مؤيدة له هجمات جديدة على الاراضي الاميركية، ومدى ارتباط ذلك بزيادة مخاوف العرب والمسلمين في الولايات المتحدة من زيادة انتشار ظاهرة الخوف من الاسلام او الاسلاموفوبيا.

ويقول رئيس لجنة الأمن الداخلي في الكونغرس، بيتر كينغ، واعضاء آخرون في اللجنة ومساعدون لهم إن التحقيقات التي قد تستمر لاسابيع، تتضمن جلسات استماع داخل الكونغرس وفي اماكن اميركية اخرى يدلي خلالها عدد كبير من الاشخاص والمسؤولين وممثلي الجمعيات والمنظمات والفعاليات السياسية والدينية والاكاديمية، من اميركيين وغيرهم، وعرب ومسلمين ومسيحيين ايضاً، من داخل أميركا وخارجها، بإفاداتهم.

صورة مشرقة

يدافع رئيس مجلس العلاقات الاسلامية الاميركية المعروف اختصاراً باسم «كير»، نهاد عوض، عن المجلس وانجازاته على مستوى الولايات المتحدة منذ قيامه، ويقول إنه رفع بشكل ملحوظ من مستوى الوعي الثقافي والسياسي للمسلمين في اميركا، ومكنهم من تقديم الصورة المشرقة والمطلوبة عن الدين الاسلامي وما يرتبط به من قيم وثقافة وسلوكيات، مما زاد من اقبال غير المسلمين على دراسته. ويقول إن «كير» ساعد جيلاً جديدا من النشطاء المسلمين على مستوى القارة الأميركية في النهوض بدور فاعل وحيوي للتأثير في نظرة الآخرين للمسلمين، وتحويلها من سلبية الى ايجابية في كثير من الاحيان.

استهداف المسلمين

يعود كينغ الجمهوري المحافظ - الذي يدعي التوازن والاعتدال في مواقفه - الى منطق الاتهامات، ويضيف أن الجاليات العربية والمسلمة في اميركا لا تتعاون بالقدر الكافي والمطلوب مع الاجهزة الامنية الاميركية على التصدي لوقف محاولات «القاعدة» في الوصول الى الشبان العرب والمسلمين، وتغذية التشدد في قلوبهم وعقولهم.

ويشير إلى انه لا يمكن ان تكون هناك اخطار حقيقية تتهدد الولايات المتحدة وتبقى لجنة الامن الداخلي ساكنة مكتوفة اليدين ولا تفتح اي تحقيقات، وان نحو 51٪ من المسلمين الاميركيين يدعمون التفجيرات وقابلون للتجنيد من جانب القاعدة، وأن التشدد الإسلامي «يسبب رعباً» في الولايات المتحدة، غير أن كينغ يعترف بأن الأغلبية العظمى من المسلمين الاميركيين مواطنون مسالمون منسجمون مع نسيج مجتمعهم الاميركي.

وأثارت تصريحات كينغ وهذه التحقيقات استياء رئيس مجلس العلاقات الاسلامية الاميركية (كير)، نهاد عوض، الذي يقول إن «طريقة كينغ في توجيه الشكوك نحو المسلمين الأميركيين تثير المخاوف الحقيقية، وتؤدي الى نتائج عكسية»، محذراً من أن ذلك سيؤدي إلى «تطرف الشباب».

ونبهت فعاليات أخرى عربية ومسلمة الى ان تحقيقات لجنة كينغ تعيد الى الذاكرة ممارسات «الترهيب والارهاب الفكري» التي نشرتها المكارثية في الولايات المتحدة، بحجة محاربة النفوذ المتنامي للشيوعية والفكر اليساري المتطرف في الولايات المتحدة في ثلاثينات واربعينات وخمسينات القرن الماضي، كما تستعد مجموعات تمثل شرائح مختلفة من الأميركيين المسلمين لتنظيم تظاهرات واحتجاجات للتنديد بتحقيقات كينغ التي «تعزز النظرة السلبية لدى المجتمع الاميركي تجاه الاسلام والمسلمين، ومن شأنها هز الثقة في شريحة مهمة من شرائح المجتمع الاميركي».

ويقول رئيس اللجنة الاميركية العربية لمكافحة التمييز، عماد حمد، إن تحقيقات لجنة كينغ تعيد «شبح التشكيك» في الجالية العربية المسلمة وهويتها وانتمائها الوطني، ومحاولة إلصاق تهمة الارهاب بها من جديد. في المقابل فإن قوى المحافظين من الجمهوريين والمحافظين الجدد والمتشددين الدينيين الانجليكانيين وجماعات «حزب الشاي» واللوبي المؤيد لاسرائيل (إيباك) ووسائل الاعلام المرتبطة بهم، مثل شبكة «فوكس»، بما تضمه من محطات تلفزيون ومجلات وصحف، اصيبت - طبقاً لمحللين وخبراء - بحالة من النشوة، باعتبار ان فرصة جديدة وكبيرة تلوح في الافق للنيل من العرب والمسلمين، والتشكيك في هويتهم الوطنية الاميركية والتهجم عليهم.

استهجان واسع

في مسعى لاحتواء التوتر وتوضيح كثير من الامور أوفد الرئيس الاميركي باراك أوباما مساعد مستشاره للامن القومي، دينيس مكدونا، الى احد مساجد ولاية فرجينيا، الاسبوع الماضي، لاطلاع الناشطين العرب والمسلمين على استراتيجية اعدتها الادارة الاميركية لمنع تفاقم حالات التطرف في المجتمع الاميركي. وخاطب مكدونا المصلين في المسجد بقوله: «إن الادارة الاميركية لا يمكنها وصم الجالية الاسلامية بالارهاب بسبب أفعال قلة قليلة من افرادها، وإن التطرف والعنف ليسا حكراً على دين معين، غير ان مسؤولية الجميع تكمن في التصدي للعنف والارهاب ومحاربة الجهل».

خلق أجواء من الثقة

في الوقت الذي تجري فيه لجنة كينغ تحقيقاتها حول تنامي التشدد في صفوف العرب والمسلمين الاميركيين، والتشكيك في تعاونهم مع اجهزة الامن الاميركية، يقول مسؤولون امنيون ومحققون في شرطة لوس أنجلوس في كاليفورنيا، إن هناك تعاوناً كبيراً يستحق التقدير من هؤلاء في التصدي لأي اعمال عنف او تفجير، ومنع نشر اي افكار متطرفة. ويقول عمر ريشي، ضابط الشرطة المتقاعد والمنحدر من باكستان: «بالنسبة لكثير من المسلمين فإن قوات الشرطة ومخبري الامن والمحققين يعتبرون اعداءً تاريخيين لهم في بلادهم الاصلية قبل قدومهم الى الولايات المتحدة، وان خلق اجواء من الثقة المتبادلة والمعاملة الانسانية يزيد من تعاون العرب والمسلمين الاميركيين مع قوات الشرطة والمحققين». كما يقدم محامون في الاتحاد الاميركي للحريات المدنية والمجلس الاسلامي الاميركي للعلاقات في لوس أنجلوس نصائح واستشارات قانونية للشبان العرب والمسلمين قبل التحدث مع محققي وعناصر مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي)، ويوضحون لهم ان طلب محامٍ او ممثل قانوني للدفاع عن اي شاب يتم استدعاؤه لا يعد مؤشراً على قلة او انخفاض التعاون بين العرب والمسلمين والاجهزة الأمنية.

وينتقد صحافيون ومثقفون واكاديميون اميركيون كينغ، لحدة لهجته وميله الى صيغ الاتهام والتشكيك في الجاليات العربية والمسلمة، ويتهمونه بتبني افكار غلاة المتشددين الانجيلكانيين وناشطي حزب الشاي، فهو يردّ على سؤال لأحد الصحافيين عن اسباب عدم اشتمال تحقيقاته لجاليات اميركية اخرى غير العرب والمسلمين، فيقول إن القاعدة تحاول زرع التطرف بين افراد الجالية المسلمة، وعليه فإن منبع التهديد هو مجتمع هذه الجالية، ويشير الى أن ما قام به الميجر نضال حسن قبل عامين في تكساس (إطلاق النار وقتل عدد من زملائه في قاعدة أميركية) مثال شديد الوضوح على قوة تأثير القاعدة في عقول الشباب الاميركي المسلم، والى انه يجب عدم تجاهل اعتراف الباكستاني فيصل شهزاد بمحاولة تفجير احدى ساحات نيويورك.

ومن بين من سيتم الاستماع الى شهاداتهم عضو مجلس النواب الاميركي، كيث إليسون، اول مسلم في الكونغرس والمعارض لافكار كينغ وطروحاته، والنائب فرانك رولف ورئيس مؤسسة المنتدى الاسلامي الاميركي للديمقراطية، زودهي جاسر، اضافة الى بعض اقارب شباب كانوا متورطين في اعمال وقضايا ارهابية داخل الولايات المتحدة.

من جهتها، هاجمت صحيفة «نيويورك تايمز» كينغ واتهمته بمحاولة زرع الفتنة من جديد في صفوف المجتمع الاميركي، مشيرة الى تصريحاته النارية المتزمتة التي اعتاد عليها منذ أحداث 11 سبتمبر، منها زعمه أن 80٪ من مساجد الولايات المتحدة تدار من قبل متطرفين، من غير أن يقدم دليلاً ملموسا واحداً يثبت ذلك.

وتفند الصحيفة اتهاماته للجاليات العربية والمسلمة، بعدم التعاون مع الاجهزة الامنية الاميركية، وتقول إن دراسة أجرتها الشهر الماضي، جامعتا نيويورك وشمال كاليفورنيا خلصت الى أن العرب والمسلمين الاميركيين هم من اكثر الجاليات الاميركية تعاوناً وتنسيقاً مع الاجهزة الامنية.

وشجب الناشط اليهودي الاميركي رئيس «مؤسسة التفاهم العرقي»، بارك شنايدر، دعوات كينغ بقوله إن «التركيز على الاميركيين المسلمين واتهامهم بأنهم اساس الارهاب ومصدر العنف هو ظلم واضح وبيّن، وان تسليط الاضواء على جالية عرقية واحدة، مخالفة صريحة لمبادئ الدستور الاميركي». ويضيف أن مخاطر مثل هذه الجلسات «تكمن في تقوية الاصوات الحاقدة التي تغذي نشر ثقافة الكراهية وعدم تقبّل الآخر والتعصب، والتي بدأت تخفت بعد مرور نحو 10 سنوات على احداث 11 سبتمبر». وتعبيراً، على ما يبدو، عن الموقف الرسمي لادارة اوباما رفض وزير العدل الأميركي، إريك هولدر، ما قاله كينغ، وشدد على أن المسلمين أسهموا بشكل كبير في التصدي لهجمات إرهابية، إلا أنه وفي الوقت نفسه أقر مع آخرين بأن بعض الأميركيين المسلمين وعلى الرغم من قلة عددهم، اتجهوا نحو التطرف. وبينما نأى الرئيس الجمهوري لمجلس النواب، جون بوهنر، بنفسه عن كينغ عبر زعيم الاغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، السيناتور هاري ريد، عن قلقه إزاء جلسة الاستماع التي عقدتها لجنة الامن الداخلي، ويؤكد «أنها تلقي بالشبهات على المسلمين الأميركيين الذين يلتزمون بالقانون، ويقدمون إسهامات كبرى للمجتمع الأميركي».

 

شكوك

وعقد كينغ لقاءات مع مسؤولين إسرائيليين في مجال الامن والاستخبارات للتنسيق والتعاون في محاربة ما يصفه بـ«التطرف الاسلامي»، ولا يخفي تاييده لكل ما تقوم به اسرائيل ضد الفلسطينيين من جرائم في اطار ما يسميه الدفاع عن نفسها، ولا يخفي دعمه للحرب في كل من العراق وافغانستان، التي يقول صحافيون اميركيون إن استمرارها يثير تساؤلات وشكوكاً لدى العرب والمسلمين الاميركيين حول مدى صداقة الولايات المتحدة للشعبين العراقي والافغاني، وغيرهما من الشعوب العربية والاسلامية.

وجرى تراشق في التصريحات بين كينغ وعوض حول اصرار الاول على الاستماع لشهادة البروفيسور وليد فارس، اللبناني المسيحي الكتائبي، امام اللجنة والتي تحدث فيها عن الجهاد والجهاديين في الاسلام والفكر الاسلامي السلفي والقوى المتطرفة التي تفرز التشدد، حيث تلقى كينغ طلباً من مجلس «كير» بالغاء الاستماع الى فارس باعتباره منحازاً وغير مؤهل لمثل هذه الافادة، لكن كينغ رفض الطلب وامتدح فارس واعتبره مستشاراً بارزاً للجنة.

وردّ عوض بالقول إن فارس كان عضواً في مجلس قيادة جبهة القوات اللبنانية خلال ثمانينات القرن الماضي، وان مسلحي تلك الجبهة متورطون في مجازر صبرا وشاتيلا ضد المدنيين الفلسطينيين في سبتمبر ،1982 على الرغم من المعلومات التي ذكرت ان فارس لم يشارك في تلك المجازر، وكان محامياً في ذلك الوقت.

الأكثر مشاركة