العمال الأفارقة يعانون ظروفاً صحية قاسية وأوضاعاً غير إنسانية في مزارع الخضراوات
إسبانيا تستخدم «عبودية العصـر الحديث» لإطعام أوروبا
في شمال إسبانيا يتم استغلال واستعباد عشرات الآلاف من المهاجرين الأفارقة، في العمل في مزارع الخضراوات لإنتاج خضراوات بقيمة ملياري جنيه إسترليني في العام، من أجل إطعام أوروبا.
وتدعي المنظمات الخيرية المهتمة بشأن العمال غير الشرعيين، بأن الانتهاكات التي يتعرض لها هؤلاء العمال تتطابق مع ما تطلق عليه الأمم المتحدة رسمياً «عبودية العصر الحديث»، إذ لا يتلقى بعض العمال أجورهم، ويبدو أن الأمر آخذ في التفاقم مع انهيار قطاع العقارات الإسباني، الذي دفع مئات المهاجرين إلى الانتقال من قطاع التشييد إلى البستنة والزراعة، ونجم عن هذا الوضع انتشار مساكن من الصفيح والبلاستيك، يستظل بها المهاجرون الأفارقة، وتنعدم فيها النواحي الصحية ومياه الشرب النقية، في الوقت الذي يصل فيه ما يتقاضاه هؤلاء العمال إلى أقل من نصف الحد الأدنى من الأجر الذي يتلقاه العامل الشرعي، ويتعرض العمال الذين ليس لديهم وثائق رسمية إلى التهديد بالإبلاغ عنهم لدى الشرطة إذا تذمّرا من وضعهم الراهن. وهناك مزاعم بشأن مضايقات الشرطة للعمال عند خروجهم من أماكن عملهم والذهاب إلى المدن أو المناطق الأخرى.
جوارا جاء جوارا من غامبيا عام 2008 مع 85 آخرين في قارب صيد، ويقول إن «الحظ ساعده على الوصول سالما إلى إسبانيا، لأن كثيراً من رفقاء السفر لقوا حتفهم غرقاً أو إرهاقاً خلال الرحلة». ويعيش الآن مع 10 آخرين من إفريقيا جنوب الصحراء في منزل مهجور في أحد المزارع. ويعيش هؤلاء الأشخاص داخل ثلاث غرف تفوح منها رائحة الرطوبة الممزوجة بالعرق الآدمي ورائحة الطعام المتعفن، الحوائط مسودة بفعل الدخان المتصاعد من المواقد البدائية التي يستخدمونها في الطبخ.
شريف قدم شريف من السنغال، إذ كان يعمل معلماً للغتين الفرنسية والألمانية، يعول زوجة وطفلين ويكسب قوته من خلال جمع الطماطم في المزارع لأيام قليلة في الشهر، عرض احد المزارعين الاستفادة من خدمات شريف، العامل غير الشرعي، مقابل أجر زهيد جداً، يقول: «عليك إغلاق فمك عن الحالة المزرية هنا، الجو حار جداً و لا توجد مياه للشرب، ويدفعون لي ما بين 20 و25 يورو في اليوم، ولا أشعر بأي حرية هنا، إذ من المحتمل أن تعتقلني الشرطة إذا ذهبت إلى مكان آخر».
محمد قصة محمد تشبه قصص كثير من المهاجرين الأفارقة الذين وفدوا إلى إسبانيا، من أجل العمل في مزارع البيوت الخضراء تحت الشمس الحارقة. فقدم من المغرب عام ،2004 إذ دفع ما قيمته 1000يورو للمهرّبين ليدخلونه إلى إسبانيا بواسطة قارب صيد. ويقول إنه «كان في السابق يكسب 30 يورو نظير العمل ثماني ساعات متواصلة في اليوم، لكنه الآن يكسب 20 يورو فقط للمدة نفسها من الزمن ويحسب نفسه محظوظاً». ويبلغ الحد الأدنى من أجر العامل الشرعي في اليوم نحو 44 يورو. |
وفي منطقة الميرا يبدو أن وضع مزارعي الطماطم والفلفل والخيار من أسوأ الأوضاع، ما اضطر الصليب الأحمر إلى تقديم الطعام المجاني لآلاف من هؤلاء المزارعين، ووصف المنسق المحلي للصليب الأحمر الوضع بأنه غير إنساني، وقالت منظمة «آنتي سليفيري إنترناشيونال» المناهضة للعبودية، إن الأدلة التي قدمتها صحيفة «غارديان» مثيرة للقلق والمخاوف من عودة العبودية إلى أوروبا في القرن الـ.21
كان إقليم الميرا في ما مضى من الزمن من أفقر المناطق الإسبانية، إلا أن ازدهار المحاصيل البستانية في هذا الإقليم منذ ثمانينات القرن الماضي، ساعد على تحويل المنطقة، التي تقع مباشرة خلف كوستا ديل سول، إلى مستوى لا بأس به من الثراء، وعلى بُعد أقل من ميل واحد من الفنادق السياحية على الساحل تنتشر مزارع البيوت الخضراء على نطاق 400 كيلومتر مربع من السهل الساحلي.
وتلبي الخضراوات المزروعة في هذا الإقليم متطلبات بريطانيا من السلطة الطازجة طوال العام، إذ تضخ نحو ملياري جنيه إسترليني في الاقتصاد الإسباني، وفقاً لاستاذ الاقتصاد التطبيقي في جامعة الميرا، جوسي إنغل أزنار، وعند انتهاء موسم محصول السلطة في شمال أوروبا يتجه جميع تجار التجزئة تقريباً إلى هذا الإقليم، بما فيها أسواق البقوليات البريطانية لسد حاجتها منها.
ازدهار المحاصيل البستانية في هذا الإقليم لم يتحقق إلا بفضل المهاجرين غير الشرعيين، إذ تتطلب البيوت الخضراء عمالة كبيرة ورخيصة تعمل على إدارة تلك البيوت، ويعد العمل فيها متعباً في جو تراوح فيه الحرارة بين 40 و45 درجة مئوية، التي تعد غير ملائمة للعمالة الوطنية، ولهذا السبب امتص هذا القطاع آلاف العمال غير الشرعيين من المغرب العربي وشرق أوروبا وإفريقيا جنوب الصحراء.
ويختلف عدد العاملين في تلك البيوت الخضراء من منطقة إلى أخرى، إلا أن الباحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية، خوان كارلوس تشيكا، يقدر عدد هؤلاء العمال المهاجرين في أبريل من العام الماضي بين 80 و90 ألف عامل.
أسبيتو مندي، أحد العمال المهاجرين من السنغال، صحح وضعه القانوني ويساعد في الوقت الراهن على إدارة اتحاد صغير يرعى مصالح العمال المهاجرين، يعرف اختصاراً بـ«إس.أو.سي»، يعتقد أن العدد زاد على 100 ألف عامل بسبب الأزمة المالية.
وتسمح الحكومة الإسبانية للعمال غير الشرعيين الذين عملوا ثلاث سنوات أو أكثر بأن يعدلوا وضعهم، إلا أن مئات الآلاف في الميرا لاتزال تعيش أوضاعاً غير قانونية، ما يجعلهم فريسة سهلة للاستغلال.
ويدعي المهاجرون غير الشرعيين أن أصحاب المزارع عمدوا إلى خفض الأجر الضئيل الذي يحصلون عليه، من خلال عملهم غير الشرعي، خصوصاً خلال الأزمة المالية، وفي الوقت الذي ترتفع فيه أسعار الوقود والأسمدة، ولا يستطيع أصحاب المزارع في الوقت نفسه تشغيل عمال شرعيين، لأن مثل هؤلاء العمال يطالبون بأجر كبير نسبياً، ولهذا السبب لا يستطيع المزارع تغطية تكاليفه.
ويعتقد المهاجر غير الشرعي، سبيتو مندي، أن الظروف الحالية في المزارع في حد ذاتها استرقاق، ويقول: «لا تجد هنا أبناء إسبانيا، وإنما فقط السود والعمال القادمين من المستعمرات الأوروبية السابقة». ويضيف: «لا يرغب أصحاب المزارع إلا في أشخاص غير مؤهلين لا يكلفونه أي شيء».
وفي الأشهر القليلة السابقة ازدادت حدة الاحتكاكات والتوترات بين المهاجرين والسكان المحليين، ويخشى «إس.أو.سي» من أن يتكرر العنف الذي اندلع عام 2000 في مدينة الاجيدو الزراعية. ويقول مندي: «إنهم شاهدوا مؤشرات ذلك في منطقة سان اسيدرو أكتوبر الماضي، عندما اغتيل مزارع داخل مزرعته، وأشار السكان المحليون بأصابع الاتهام إلى العمال المهاجرين، وتظاهر آلاف السكان في الشوارع عقب تشييعه رافعين شعارات تصف الأفارقة على انهم (أشخاص غير مرغوب فيهم)، وعليهم ضبط سلوكهم أو مغادرة البلاد».
وفي جميع الأوقات يظل المهاجرون والمواطنون بمعزل عن بعضهم بعضاً، ولا يشاهد سوى القليل من الأفارقة الذين يتسللون إلى المناطق السياحية لبيع بعض البضائع التافهة.
إحدى الراهبات التي تعيش في مدينة سان اسدرو، التي تتبع لجمعية «الأخوات الرحيمات الخيرية»، ترجع بذاكرتها إلى الوراء لتروي أن «أول أفارقة سود قدموا إلى المدينة كان في عام ،2002 إذ كان مركز الاحتجاز في جزر الكناري، الذي يتم فيه اعتقال المهاجرين غير الشرعيين، كان مملوءاً بالمهاجرين، ولمعالجة هذا الموقف بدأت الحكومة الإسبانية في نقل القادمين الجدد من المهاجرين غير الشرعيين جواً إلى مطارات البلاد ليفرقونهم في ما بعد للمناطق التي تحتاج إلى عمالة». واستأجرت السلطات سيارة لنقل 30 إفريقياً من مطار مدريد إلى وسط مدينة سان اسدرو، وصدرت تعليمات للسائق بأن يفتح أبواب سيارته في الميدان الرئيس بالمدينة ويطلق المهاجرين، وتقول الراهبة: «هذه هي المرة الأولى التي وفد فيها الأفارقة إلى هذه المدينة، لم تمنحهم الحكومة أي شيء، لا أموال أو أوراق رسمية، وإنما أخبرتهم فقط بأن يذهبوا إلى أي مكان شاءوا في البلاد، ولا أحد هنا يعلم بأنهم قادمون إلى المدينة ولا أحد في المدينة يحتاجهم، وفي نهاية الأمر أخذت الراهبات العمال الأفارقة إلى أحد البيوت الخضراء المهجورة، ثم بدأ الآخرون يفدون إلى المدينة ويبنون لأنفسهم بيوتاً من الكرتون في المكان ذاته، إلى أن بلغ عددهم 300 شخص يعيشون هناك في ظروف صحية قاسية».
وتتذكـر الراهبـة «كانت الظروف فظيعة ومخيفة وصعبة غير إنسانية» وفي الوقت الذي بدأ مزيد من العمال الوفود إلى المدينة خشيت الراهبات من ظروفهم الصحية، إذ اكتشفن بأن بعضهم مصاب بالسل والإيدز ومرض الكبد الوبائي، وبما أنه من غير المسموح لهم أن يحصلوا على العناية الصحية الجيدة بدأن في عزل المصابين بإصابات خطرة إلى بيت مزرعة مهجورة مجاور.
في عام 2005 شب حريق في المكان، إذ اضطر مئات الأفارقة إلى الهروب من منازل البلاستيك المحترقة، وجاءت الشرطة ورجال الإطفاء وبمجرد انتهاء الحريق رفضت الحكومة مساعدتهم.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news