تونس.. وإعلام الثورة
وفرت ثورة الياسمين منذ نجاحها في تونس مناخاً غير مسبوق من الحرية الإعلامية للصحافة المكتوبة والمسموعة والمرئية الى حد دفع بالبعض الى وصف الاجواء بالفوضى والتسيب وعبر بعض الصحافيين والمراقبين عن مخاوف من تحول وسائل الإعلام من الخضوع للسلطة السياسية إلى السقوط في فخ الممول الخارجي تحت مسميات مختلفة. ومنذ سقوط نظام الديكتاتور السابق زين العابدين بن علي في 14 يناير وحتى مطلع شهر يونيو الماضي، وطبقاً لوزارة الداخلية التونسية فقد تم الترخيص لـ88 صحيفة ومجلة في تونس، وفق ما أعلنته وزارة الداخلية التونسية في وقت سابق، بينما رفضت الوزارة طلبات مثلها لعدم استيفاء أصحابها شروط الحصول على التراخيص.
ومما لا شك فيه أن الجانب الاعلامي من ثورة التغيير لم يلق قبولاً أو صدى طيباً لدى من تم حرمانهم من تراخيص وسائل إعلام، حيث اتهموا الجهات المختصة بالانحياز، واعتبروا ان الامر لا يختلف كثيراً عما كان عليه في عهد بن علي، ورغم اتساع هامش الحرية المتاح، فإن كثيرين يطالبون بالمزيد وبعدم وضع عراقيل أو شروط تعجيزية. ولا يتوقف الامر عند هذا الحد، بل هناك من يطالب بتوسيع المجال، ورفع سقف الحريات، معتبراً ان قانون الصحافة نفسه، الذي أعدته لجنة تابعة للهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي في تونس سبب صدمة لكثير ممن توقعوا تحرير الإعلام بعد ثورة الياسمين، ورأوا في القانون ملامح وسمات القانون الذي تمت صياغته في عهد الرئيس المخلوع.
وثمة مشكلة في القانون الجديد هي أن اللجنة التي وضعته تصرفت كما لو كانت جهات اختصاص مفوضة من سلطة منتخبة، ولم تتم استشارة نقابة الصحافيين والأحزاب، وأن هناك بنوداً في قانون الصحافة الجديد ليست واضحة بشأن حق الصحافي في الوصول إلى المعلوم، وحقه في الاحتفاظ بمصادره، إضافة إلى عدم الوضوح بخصوص تنظيم قطاع الإعلام الإلكتروني الذي بدأ ينمو بسرعة في تونس بعد الثورة.
يقول الناشط الاعلامي والحقوقي البارز نور الدين البحيري «هناك انفلات إعلامي في بعض الأحيان، والإعلام له دور مهم في تطوير مجالات الحياة وفي عملية الانتقال الديمقراطي». وشدد البحيري على ضرورة إيجاد إعلام حر لا وصاية عليه من أحد ومن غير قيود، وأن يتمتع بالحصانة والحماية وحماية مصادر معلومات، وان بن علي فرض خيارات معينة، وهي التخويف وضرب ثقة الناس واختلاق صراعات وهمية بين التيارات السياسية والفكرية، وكان من المفترض أن يتحرر الكل من ذلك، وأن يتمتعوا بالاستقلالية
كما يرفض البحيري وكثير من العاملين في المجال الاعلامي انزلاق الاعلام الى مستنقع التمويل الخارجي، لان في ذلك مساً بمهنية الاعلام واستقلاليته وإضراراً بالسيادة الوطنية، وخيانة لدماء الشهداء والأجيال المناضلة، وتهديداً لاستقلال القرار الوطني.