المرصد

الصحافة.. والمصداقية

يتساءل كثيرون كيف يمكن للإعلام أن يروج الاخبار المفبركة، وينشر الاحداث غير الموثوقة على أنها حقيقة ثابتة لا تقبل الشك، في زمن توافرت فيه وسائل التثبت والتحقق وأدوات الشفافية؟ ليس هذا فحسب، بل إن الأكثر إثارة للدهشة هو أن يستمر الامر فترة طويلة من غير أن يتم اكتشافه. نعم هذا ما حدث في بلجيكا، ذلك البلد الاوروبي المتقدم، الذي ليس فيه حواجز امام تدفق المعلومات والانباء أو قيود على تحري مصادرها، ما يجعل من السهولة بمكان فضح كل خبر ملفّق أو مثير للاشتباه.

وتتحدث الاوساط الاعلامية البلحيكية عن فضيحة، تورطت فيها صحف ومحطات تلفزيون، بعد أن اعلن التلفزيون الفلامنغي البلحيكي أن مجموعة من الشباب يسمون أنفسهم «شبان سمكة الصحراء»، تمكنوا على مدى عام من نشر انباء وتحقيقات مفبركة في وسائل الاعلام، آخذين في الحسبان ردود الفعل المحتملة في حال انكشاف امرهم. وقد أنشأ هؤلاء الشباب شركة بحوث ودراسات وهمية، واختلقوا موظفا لارسال الاخبار من بريدها الالكتروني باسمه، وكانوا يوثقون كل شيء يغطونه بالكلمة والصورة، إذ كانت الكاميرات لا تفارق أكتافهم وأيديهم، وبلغت بهم المهارة في تلفيق خبر عن الانتخابات البلجيكية أن كل الصحف المهمة نشرت الخبر، دون أن تقوم أي من هذه الصحف بتعقب مصدره، والتأكد منه، رغم ان ذيل الرسالة الالكترونية التي تحتوي على الخبر يحوي رقماً للهاتف وعنواناً لبريد إلكتروني. وحتى يتقنوا فن التلفيق، ويمضوا في لعبتهم حتى النهاية، اقتبس الشباب قولاً من كتاب « أخبار الارض المسطحة»، للصحافي البريطاني نك ديفيس من صحيفة الغارديان، الذي يتحدث فيه عن اتجاهات التغطية الاخبارية المعاصرة، حيث يقول «العمل الاساس للصحافي هو التأكد من المعلومات، لكن غالبية الصحافيين لم يعودوا يفعلون ذلك لانهم أخذوا منا الوقت الذي هو عنصر اساسي لشغل الصحافة ». وقال خبراء إعلاميون ان ما قام به هؤلاء من تمويه يدل على انهم في غاية الذكاء، بحيث اوهموا الجمهور أنهم صادقون في كل ما نشروه من اخبار وتحقيقات. وأضافوا أن الصحافة الفيلمانية (نسبة الى اقليم فلاندر البلجيكي) خدعت قراءها بنشرها أخبارا صحافية غريبة من غير ان تتأكد من مصادرها، ما أثار سخط قطاع عريض من جمهور القراء، كما اكتفت المؤسسات التي وقعت في الفخ بالصمت والخجل من دون ان تتصدى للرد وتوضيح موقفها، إذ اكتفى ممثل الصحافة الفيلمانية بالقول «إن ما فعله الشباب كان فظيعاً ويقوض صدقية الصحافيين». وإزاء هذا الاستياء المتزايد في الاوساط الاعلامية لم يجد الشبان أمامهم غير إعادة ترديد ما قاله الصحافي البريطاني ديفيس والقول« إن اولى مهماتك كصحافي التأكد من مصادر اخبارك، وإن لم تفعل فأنت لست صحافيا». وبعد فإن أجواء الجدل الممتزجة بالصدمة مازالت مستمرة في الاوساط الاعلامية والسياسية في بلجيكا ازاء ما اقدم عليه هؤلاء الشباب من تفليق وتلاعب بالحقيقة ومساس بجوهر العمل الصحافي وأخلاقياته.

تويتر