الإعلام الأميركي وذكرى 11 سبتمبر
اعتدنا نحن العرب على اتهامات الغرب لنا بالكذب والمبالغة في كل ما نقول ونكتب ونبث، على الاقل منذ حرب يونيو ،1967 وقد صدّقنا ذلك وآمنا به.
وبلغ بنا الأمر حد إضفاء هالة من القداسة والجلال على صدقية الغرب واعلامه وتنزيهه عن الكذب والمبالغة، مع انه لم يتخلَ عن ممارسة ذلك في حرب او مناسبة واحدة، ولعل أحدث نموذج يشهد على ذلك تغطية الاعلام الاميركي للذكرى الـ10 لاحداث 11 سبتمبر والتي وصفت بانها تشريح للحادث لم يسبق وأن حصل تشريح مماثل له على حد قول صحيفة الـ«واشنطن بوست».
وقال مراقبون واعلاميون في العاصمة واشنطن إن التغطية الاعلامية الاميركية كانت مثيرة ولا تفتقر الى الاستعداد المسبق والجيد والميل الى المبالغة، كما في التغطية السياسية، حيث استعدت الصحف ومحرروها كما يستعد السياسيون، ولم تبق صحيفة اميركية واحدة من كبريات الصحف الا ونشرت تقريرا او اكثر عن ذكرى 11 سبتمبر، مستفيدة من ملايين التقارير والصور ولقطات الفيديو التي تراكمت على مدى 10 سنوات.
وبدا من الواضح ان عامل الخوف مما حدث، وامكانية حدوثه مجددا، كان محفزا كبيرا لهذه الصحف للمبالغة في الاثارة وفي امور كثيرة. ودافعت صحيفة «نيويورك تايمز» عن التغطية الاعلامية، وقالت انها كانت مثيرة، ولكنها محايدة واقتصرت على نقل الاخبار والتعليقات اللافتة، ولم تكن حزبية كما كانت التغطية السياسية. غير أن مراقبين قالوا إنه صار واضحا، منذ 10 سنوات، بعد إعلان الرئيس الأميركي السابق جورج بوش «الحرب ضد الإرهاب»، ثم غزو أفغانستان، ومن بعدها العراق، أن الصحافيين الأميركيين «المحايدين» تأثروا بالسياسيين، وأنهم، باسم الوطنية، شاركوا في قرع طبول الحرب. ونشرت الـ«واشنطن بوست» وصحف أميركية أخرى، مقابلات مع مسلمين أميركيين ودانوا الهجمات والتطرف الأصولي، لكنهم ركزوا على أن الإسلام ليس فقط دين سلام، ولكن أيضا دين تسامح وحوار، وقالوا إن الذكرى الـ10 يجب أن تكون مناسبة للتقارب بين المسلمين وغيرهم، لكن عدم نشر أي تعليق على ألسنة هؤلاء عن احتلال أفغانستان والعراق، وضرب باكستان يعد دليلا واضحا على عدم حيادية هذه التغطية الاعلامية.
وبالإضافة إلى الإثارة الصحافية اتسمت تلك التغطية بالتحيز تحت مسمى الوطنية واستخدام مستجدات تكنولوجية لم تكن موجودة في ،2001 مثل مواقع التواصل الاجتماعي، إذ ضخ ملايين الاميركيين ثناءات وتأملات وانتقادات وإساءات، وصورا ولقطات فيديو، كما عرضت التلفزيونات صور ناس يبكون، خصوصا من النساء، وكررت شعارات مثل «لا ننسى الى الابد» و«تذكر الى الابد»، ما اضفى مزيدا من الاثارة على الجو العام للذكرى.
ووصف خبراء وعلماء نفس أميركيون التغطية الإعلامية بانها كانت جزءاً من «الكارثة»، على الرغم من مرور 10 سنوات عليها.