واحد من كل 100 طفل يولدون في رومانيا لا يشهد عيد ميلاده الأول. غيتي

أطباء يعالجون الأطفال بعد الحصول على رشوة

تنتشر الرشا بشكل مريع في رومانيا، لاسيما في النظام الطبي، إذ يشترط الأطباء تقديم رشا عن كل طفل يتم علاجه أو تجرى له عملية جراحية. ويدير د.كاتالين كريستوفينو وحدة لأمراض القلب مجهزة بآخر ما توصلت إليه تكنولوجيا المعدات الطبية في احد مستشفيات الاطفال في العاصمة الرومانية بوخاريست، إلا ان المستشفى لم يعالج طفلاً واحداً منذ افتتاحه قبل عام ونصف العام.

ويعود السبب إلى ان د.كاتالين كان يشترط على كل طبيب أو ممرض يقدم طلبا للتعيين عدم قبول أي نوع من الرشوة، لهذا السبب نظم كاتالين حملة فردية لإنقاذ الاطفال الذين يأتون الى المستشفى للعلاج، حيث يرسلهم جواً الى اوروبا الغربية على طائرات مستأجرة ليتم علاجهم في مستشفيات لا يطلب اطباؤها رشا، وهذا ما فعله مع طفلة رومانية تبلغ من العمر 13 عاما، والتي كانت تحتاج الى عملية في القلب، فحزم كاتالين حقيبة صغيرة ومعدات تنفس مربوطة بنقالة الطفلة، واستقل رحلة جوية رخيصة الى ايطاليا، حيث ينتظر الاطباء هناك لإنقاذ الطفلة.

ويخوض هذا الطبيب باستماتة معركة بمفرده ضد ثقافة الفساد المتأصلة في رومانيا، حيث يصر الجراحون على تقاضي رشا من اجل انقاذ حياة الاطفال، ومن الضرورة بمكان تقديم رشوة للممرضة لتغيير شرشف سرير المستشفى، وربما تكون الرشا هي السبب الرئيس وراء زيادة وفيات المواليد في هذا البلد الى اكثر من ضعف معدل وفيات اطفال دول الاتحاد الاوروبي التي تعتبر رومانيا عضوا فيها، ولا يعيش واحد من كل 100 طفل في رومانيا ليشهد عيد ميلاده الاول. ويقول وزير الصحة الروماني، لادسلاو ريتلي «بكل امانة فإن مثل هذه الممارسات متجذرة في نظامنا للحد الذي لا نستطيع اقتلاعها».

ويناقش سكان رومانيا كل يوم معدل الرشوة، مثل مناقشتهم الاسهم في الاسواق المالية، ويستطيع الجراحون الحصول على مئات اليورو مقابل انجاز عملية جراحية واحدة، بينما يحصل اطباء التخدير على ثلث هذا المبلغ، اعتمادا على ما يستطيع المريض تقديمه، وتحصل الممرضات على القليل من اليورو في كل مرة يقدمن فيها الدواء للمريض، وللحصول على شهادة للعلاج في الخارج يدفع المريض 1000 يورو. وبلغت قيمة الرشا اليومية في رومانيا 750 ألف يورو عام ،2005 وفقا لتقرير صادر عن البنك الدولي، ولا تتوافر ارقام دقيقة في الوقت الراهن. ويعتبر نظام الرشوة او «الاجر غير الرسمي»، كما يطلقون عليه هناك، امرا مقبولا في هذه البلاد، الا ان الغضب بدأ يتزايد، أذ ذهب احد المانحين إلى وحدة ماري كوري التي يديرها دكتور كاتالين ثم الى وزارة الصحة متسائلا عن بدء العمل بهذه الوحدة. محنة الاطفال الرومانيين ليست جديدة، فقد بدأت مع الخطوة غير الموفقة التي اتخذها رئيسها السابق نيكولاي شاوسيسكو والذي منع تحديد النسل والاجهاض في محاولة منه لزيادة عدد السكان البالغ تعدادهم في ذلك الوقت 23 مليون نسمة، وتمخض ذلك عن آلاف الأطفال حديثي الولادة تركهم ذووهم في دور الرعاية في حالات مزرية، وبعد ربع قرن من ذلك عادت محنة الاطفال تطل برأسها من جديد في عيون الاطفال المرضى والآباء الذين لا حول لهم ولا قوة، والذين وجدوا انفسهم داخل مصيدة من الرشا والفساد، وبالنسبة للذين يموت اطفالهم بعد الولادة مباشرة فإن حزنهم يصبح مزدوجا بسبب عدم رؤية فلذة اكبادهم احياء اولا، وبسبب عدم منحهم شهادات وفاة لأطفالهم ثانياً.

الممثلة والمغنية الرومانية بيانكا براد، التي تحدثت في العلن عن ألم فقدانها طفلها اثناء الولادة، وصفت الوضع بـ«الإجرامي»، وأسست جمعية تساعد الآباء المحزونين وتقدم لهم الدعم النفسي ليتجاوزوا المحنة.

الأكثر مشاركة