مسدسات في حوارات فضائية

لم يكتف عضو البرلمان الأردني، محمد الشوابكة، بتوجيه اقذع الشتائم لزميله الذي يحاوره في برنامج حوار سياسي متلفز، وإنما قذفه بحذائه، وأشهر مسدسه، وأخذ يلوح به كأنه في معركة يريد القضاء على عدوه بالرصاص، دون أي اكتراث بأنه خلال قيامه بهذا التصرف المستهجن والغريب يشاهده الملايين من على الهواء مباشرة، ومن بينهم طبعاً ناخبوه ليكون ممثلا لمصالحهم، ويقوم بحل مشكلاتهم في البرلمان.

وفي واقع الامر لم تكن هذه الحالة هي الاولى التي يبدو فيها ضيفا البرنامج، المفروض انهما محللان سياسيان، وعلى درجة من العلم و الكياسة، بالعراك وإطلاق احط الشتائم ضد بعضهم بعضاً، بيد أن الجديد في هذه الحلقة استخدام أحد ضيفي البرنامج سلاحاً حربياً وتهديد زميله به، فظهر البرنامج أقرب الى البلطجة والتشبيح من كونه برنامجاً حوارياً.

والسؤال المطروح بقوة في هذا المقام: لماذا تقع مثل هذه الاحداث على محطات التلفزة العربية، بين اشخاص يفترض أنهم النخبة المثقفة في مجتمعاتنا؟ أليس من المفترض ان يكون الخلاف بين المتحاورين في وجهات النظر، وان يتم التحاجج بينهما بالحقائق والبرهان، وليس باللكمات والاحذية والمسدسات، ومن تكون حجته اقوى يكون أكثر اقناعاً، وليس من تكون قبضته أقوى، أو يكون أكثر شراسة في العراك، أو أكثر انحداراً قيمياً في استخدامه الشتائم المنحطة؟

وبناءً على ما سبق هل يعتقد سعادة النائب الشوابكة أن استخدام حذائه والتلويح بمسدسه يكون أكثر إقناعاً من البراهين التي ساقها لتدعيم وجهة نظره، حتى لو كان من غير المفهوم بالنسبة لي ولا لأي شخص آخر، حسبما أظن، سبب احضار النائب سلاحاً نارياً الى داخل استوديو تلفزيوني، ليشارك في برنامج حواري يتعلق بسياسة بلاده وما تواجهه من تحديات؟

واستناداً الى الحالات السابقة التي شهدت العراك بالأيدي بين مثقفين يتحاورون على شاشة تلفزيون وعلى الهواء مباشرة، هل يمكن القول إننا شعوب لا نتقبل اي رأي آخر يخالف ما نعتبره صواباً؟ لذلك فإننا مستعدون للدفاع عن آرائنا المتشددة ليس بالمحاججة والبراهين والاقناع، وإنما بالشتم والعراك والضرب بالأحذية والمسدسات إذا لزم الأمر.

وان كان التنازل عن آرائنا يرتقى الى مستوى المس بكرامتنا، فلماذا تظهر كل هذه البرامج الحوارية على التلفزيونات العربية. هل هي لمجرد تقليد ما يجري على محطات التلفزة الاجنبية، أم أنها وسيلة اخرى لنشر غسيلنا على الفضائيات كي تصل الى اكبر عدد ممكن من المشاهدين. ونحن في الواقع لا ينقصنا الترويج لأنفسنا في هذا المجال، حيث بتنا في أعين الآخرين باعتبارنا أمة تفتقر الى اساليب الحوار وتقبل الرأي الآخر، وإن قلنا غير ذلك فلن يكون مفيداً.

الأكثر مشاركة