الثورات لا تجلب الحرية دائماً

اعتقد الكثير منا أن الربيع العربي سيمهد الطريق للمزيد من الحريات في شتى المجالات، خصوصاً الاعلامية، وستعزز المكاسب التي تحققت في السابق. ولكن النتائج التي بدأت تتمخض عن الثورات توحي بأن الأمور لن تتغير كثيراً إلى الأفضل وأن هناك مخاوف من ضياع المكتسبات. ففي تونس تحركت منظمات مدنية تساندها مؤسسات إعلامية لتدق ناقوس «الخطر»، وتدعو إلى إضرابات واعتصامات لحماية حرية الرأي وحيادية الصحافة. ويأتي ذلك بعيد قيام الحكومة التونسية خلال الأشهر الماضية بسلسلة من التعيينات لرئاسة مؤسسات إعلامية، بما في ذلك الإذاعة الحكومية والصحافة المطبوعة والتلفزيون، الأمر الذي أثار حفيظة نقابة الصحافيين التي ترى أن السلطات الجديدة تحاول زرع مسؤولين في المؤسسات الإعلامية لضمان التأييد لمشروعاتها وتوجهاتها الحزبية.

ويبدو أن التعديلات الجديدة في قانون النشر لن تسر الصحافيين التونسيين كثيرا، فهي تهدد الصحافي بالحبس إذا تجاوز الحدود الحمراء، وتفرض عليه قيودا لن تمكنه من أدا عمله بمهنية وحيادية. ومما زاد مخاوف أسرة الإعلام في تونس فتور عزيمة الحكومة الجديدة في ما يخص إصلاح القطاع بعد الثورة، الهدف الذي شكلت من أجله لجنة خاصة، استقالت قبل أشهر لعدم ثقتها بنوايا المسؤولين.

يبدو أن المواجهة المفتوحة بين الإعلاميين والسلطة لن تكون في صالح أي من الطرفين، فالإعلام سيعاني من التضييق بعدما كان قاب قوسين أو أدنى من الحرية، أما السلطة الجديدة التي تسعى لإعطاء صورة مضيئة لها في الخارج، فترى في وسائل الإعلام منابر للتحريض ضد منهجها وأفكارها، ولابد أن تضع حدا لما تقول انها تجاوزات ترتكب في حق سلطة شرعية انتخبت من قبل الأغلبية.

من خلال استقراء المشهد في تونس، يبدو أن الصراع القائم ليس بسبب حرية الرأي وإنما بين فصيلين: الأول علماني والثاني إسلامي.

لن يتمكن التونسيون بهذه الأحكام المسبقة والخلافات المزمنة من أن يتوصلوا إلى حل وسط يرضي شرائح المجتمع المختلفة، لأن كل طرف متمسك برأيه ويتطرف في نظرته للآخر، ويسعى لتهميشه وإقصائه. والخلاف حول حرية الرأي يدخل ضمن التجاذبات بين التيارين، ونظراً لتغير المعطيات في تونس فإنه من الصعب أن يفرض طرف منطقه على الطرف الآخر، فسياسة القمع لم تعد مجدية في زمن «فيس بوك» و«تويتر».

أومن جانب آخر تتسرع المعارضة في الحكم على أداء الحكومة التي لاتزال ترتب أوراقها وسط ظروف اقتصادية صعبة. ومع أهمية حرية الرأي ودوره في بناء دولة متطورة، فإن قبول الآخر وإشراك كل أطياف الشعب في عملية البناء، عاملان مهمان يضمنان ممارسة سياسية واجتماعية سليمة.

أوإذا كانت التصرفات الحكومية الأخيرة تذكر الصحافيين ببعض الأساليب القمعية التي كان يمارسها النظام السابق، قبل بضعة أشهر من الذكرى السنوية الثانية للثورة، فإن الهجوم المتواصل والمنظم لقوى المعارضة على كل ما تفعله الحكومة سيزيد من الاحتقان في المشهد السياسي ويرسخ ثقافة «الخلاف من أجل الخلاف»، وسيعطل مسيرة التنمية والإصلاح التي ينتظرها ملايين التونسيين.

الأكثر مشاركة