جدات في الأرجنتين يبحثن عن 500 حفيد اختفوا بسبب السياسة
تختلف السيدة إيستيلا دو كارلوتا عن بقية الجدات، فبدلاً من التقاعد والراحة في خريف العمر اختارت ان تواصل العمل، لذلك فإنها تستيقظ مبكراً في كل اسبوع كي تقوم برحلة مسافتها 70 ميلاً من مدينتها لا بلاتا الى إحدى دوائر العاصمة الارجنتينية بوينس آيرس، وهي تقول «لدي افكار اخرى عما يمكن ان اقوم به في حياتي، وانا امرأة مسنة لديها اربعة ابناء و13 حفيداً وابن حفيد، وبناء عليه فكرت في امضاء الوقت معهم، بيد أن الحياة منحتني طريقاً آخر».
ومنذ عام 1989 جعلها هذا الاتجاه تصبح جدة «مهنية»، فقد أصبحت رئيسة جمعية الجدات، الامر الذي جعلها الوجه الاكثر شهرة بالنظر الى انها تترأس اكبر منظمات حقوق الانسان في اميركا الجنوبية، وتم ترشيحها خمس مرات لنيل جائزة نوبل، ويوجد اعضاء في جمعية الجدات يمكن قراءة حياتهن كأنها رواية من الرعب.
ونشأت هذه المنظمة خلال فترة حكم آخر دكتاتورية عسكرية في البلاد، التي امتدت بين 1976 و1983، وكانت مدعومة من الولايات المتحدة، وتتألف الجمعية من الامهات اللواتي تعرضت بناتهن وكناتهنّ للخطف والقتل على يد جيش النظام، نظرا لآرائهن اليسارية، لكن قوات الجيش كان لديها شيء من العقلانية، اذ ان الفتيات الحوامل بقين على قيد الحياة الى حين ولادتهن. وجرى تبني المواليد الجدد بالقوة من قبل عائلات اخرى، ومنحهم هويات شخصية مزورة، وكان الحكم العسكري يهدف من خلال ذلك ضمان عدم بقائهم على التوجه السياسي الذي كانت عليه امهاتهم عندما يكبرون.
ولاتزال منظمة الجدات تبحث عن 500 طفل (مسروق) هم أحفادهن، الذين ترعرعوا دون ان يدركوا من هم بالضبط، ومن العائلة التي ينتمون إليها، وتم حتى الآن اعادة 107 اطفال اصبحوا في سن البلوغ الى عائلاتهم البيولوجية، وذلك بفضل فحوص الحمض النووي الـ(دي إن ايه).
وتعتبر الارجنتين الدولة الوحيدة في اميركا اللاتينية التي عاشت الحكم الدكتاتوري، وتعرضت لخطة منهجية لخطف الاطفال.
وكانت لورا وهي ابنة السيدة كارلوتا قد تعرضت للخطف عام 1977، وقتلت في 1978، بعد ان انجبت طفلاً في الاسر يدعى غايدو، على اسم جده. وتمت اعادة جثمان لورا الى امها من قبل القوات المسلحة، وهي واحدة من بضعة جثامين تم اعادتها الى ذويها.
وعلى الرغم من مرور 30 عاماً على البحث، لم تتمكن كارلوتا من العثور على حفيدها، وهي تقول ان الامر الذي منعها من الاعتراف بالهزيمة هو «القوة، هو الحب أترون ذلك؟ فالجيش قتل ابنتي، ولن أنساها، وأنا اريد الحقيقة والعدل، وأبحث عن حفيدي ايضاً، وانا مدفوعة بالحب ايضا للقيام بذلك، وبناء عليه ليس هناك ما يمكنه منعي من الاستمرار».
وقالت كارلوتا، التي كانت مديرة مدرسة، في احدى المقابلات، انها تشعر بالراحة في دورها، وما يترتب عليه من التعامل مع الاوضاع السيئة للاحفاد الذين جاء بعضهم الى جمعية الجدات، وهم يحملون الشكوك بشأن هويتهم، لمقابلة بعض المسؤولين، او الذين تمت دعوتهم للعمل مع جماعات حقوق الانسان في العالم. واعترفت بأن ما تقوم به لم يتحمله الجميع، اذ ان بعض الجدات الاخريات اما عثرن على احفادهن او فقدن الامل، او انه ببساطة ليس لديهن الطاقة التي تظهرها كارلوتا، التي تقول «لم يعد هناك من الجدات اللواتي يردن القيام بما اقوم به الآن، لأني اكرس وقتي كله من اجل هذا الهدف، وهناك من الجدات اللواتي يرفضن هذا العمل، لأنهن يرفضن الالتزامات المترتبة عليه».
ويبدو ان مسيرة حياة كارلوتا في مهنة التدريس قد ساعدتها على هذا العمل، وتعين عليها وعلى بقية الجدات المساعدة على اعادة بناء المجتمع الارجنتيني بعد عودة النظام الديمقراطي اليه عام 1983.
وتعترف رئيسة جمعية الجدات «قمنا بالكثير من اعمال التدريس»، خلال السنين الطويلة، وكانت جمعيتها تقوم بحملات قوية ضد القوانين التي كانت تصدر خلال فترة الثمانينات، التي كانت تهدف الى منح العفو لجلاوزة الانظمة الدكتاتورية».