«بي بي سي» تمسك العصا من المنتصف
« تاريخ سورية مع دان سنو» هو اسم أحدث فيلم وثائقي أنجزته هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» عن سورية، وعرضته على شاشتها في حلقة من برنامجها الوثائقي «هذا العالم». البعثة التي أنجزت الفيلم تجولت في طول سورية وعرضها بلا قيود أو اعتراضات، بل بقبول من الحكومة السورية والمعارضة السورية المسلحة، وقابلت المستشارة الإعلامية للرئيس السوري بشار الأسد، بثينة شعبان، ومسؤولين آخرين، وتجولت في قواعد الجيش السوري الحر، وشهدت دفن سوريين علويين قتلوا في العنف المتواصل منذ أكثر من عامين.
مضمون الفيلم لم يلفت نظر الإعلاميين والمتابعين للشأن السوري بقدر ما استوقفتهم وحيرتهم كيفية دخول بعثة الـ«بي بي سي» إلى سورية، وتجولها فيها بحرية، في وقت أغلق فيه نظام الأسد أبواب سورية ومداخلها وأراضيها وأجواءها أمام وسائل الإعلام الأجنبية، لاسيما الغربية، بسبب مواقفها المؤيدة للمعارضة والجيش السوري الحر، وانتقاداتها القوية والمتواصلة لممارسات القوات السورية، وتحميلها اياها مسؤولية ارتكاب العديد من المذابح، والوقوف وراء عمليات تفجير وقصف راح ضحيتها المدنيون.
ذهب فريق الى القول إن موافقة الـ«بي بي سي» على اشتراك شخصيات من النظام ومسؤولين من الحكومة في الفيلم، كان على الأرجح هو التنازل الكبير الذي حصل عليه نظام الأسد، وهذا يعني غياب موقف واضح ومحدد لـ«بي بي سي» مما يجري في سورية، ومحاولتها إمساك العصا من المنتصف، أي ارضاء النظام والمعارضة في الوقت نفسه. ويتضمن الفيلم أيضاً مقابلات مع اختصاصيين وأكاديميين في الشأن السوري في لبنان ولاجئين سوريين هناك، بينهم عائلة من حماة كانت شاهداً على احداث تدمير حماة في ثمانينات القرن الماضي، في عهد الرئيس الراحل، حافظ الأسد، والد الرئيس الحالي.
وتكمن قيمة الفيلم في انه يقدم للمشاهد البريطاني قبل غيره درساً قيماً عن الطوائف والجماعات العرقية التي تشكل المجتمع السوري، والعلاقات التاريخية في ما بينها.
وتتحدث في الفيلم ابنة قائد الثورة السورية الكبرى على المستعمر الفرنسي، سلطان باشا الأطرش، في جبل الدروز في سورية، عن دور ابيها في تاريخ سورية الحديث، في وقت يعمل الرئيس بشار الأسد على تدمير البلاد.
ويكتفي البرنامج بشهادات عينة من اللاجئين السوريين في لبنان عما تتعرض له سورية من عنف وقصف يومي.
كما يبعث الفيلم برسالة مهمة لفهم ما يجري في سورية، وهي انه مع وجود نموذج الجار العراقي الذي يعاني العنف والتفجيرات شبه اليومية والطائفية، فإنه لا يمكن القول إن التاريخ السوري قدم نموذجاً لتعايش الطوائف والأعراق لأن سنوات طويلة من العنف العراقي، وعامين من الموت السوري اليومي، حولت الأمنيات بالتعايش إلى شعارات جوفاء بلا قيمة.